منتدى المسجد الأقصى المبارك

منتدى المسجد الأقصى المبارك (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/index.php)
-   المنتدى الفكري (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/forumdisplay.php?f=36)
-   -   التغيير حتمية الدولة الإسلامية, كتاب للكاتب محمود عبد الكريم حسن (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=13943)

نائل أبو محمد 03-03-2012 08:47 PM

التغيير حتمية الدولة الإسلامية, كتاب للكاتب محمود عبد الكريم حسن
 
السبت 10 ربيع الثاني 1433


كانت هذه البداية :
صدر الكتاب بـ رجب 1421هـ ـ تشرين الأول 2000م .

عدد صفحات الكتاب من الحجم الصغير : 80 صفحة .

الكتاب مطبوع موجود عندي الحمد لله وهو كتاب جيد وبعجالة قمت بالبحث عليه بالنت فوصلت لعرض لا يمكن إنزاله إلا للمشتركين وحتى أني رأيت هناك التزام مادي ..

الهدف المطلوب ممن يقدر محاولة عرض الكتاب هنا أو عرض الصفحة 59 لأهميتها وهذا جزء منها :

إن الدولة الإسلامية هي كيان تنفيذي للإسلام ولا يمكن تنفيذ شيءفي الدنيا إلا بقوة قادرة على ذلك . ولإيجاد هذه القوة قد تتعدد الآراء .



شكراً سلف لمن يقدر وأنتظر .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

وجاء الجواب من الأخ الفاضل :

إسماعيل بلال وكانت المشاركة في منتدى العقاب .







بسم الله الرحمن الرحيم
مقـدمة وإهـداء
التغيير المقصود هو تغيير الأوضاع الحالية السائدة في البلاد الإسلامية من أنظمة علمانية، وأفكار وأذواق غربية فاسدة، وحكام كفرة أو فسقة عملاء لدول الغرب الاستعمارية الكافرة.
التغيير المقصود هو إنقاذ الأمة الإسلامية من حال التمزيق والإذلال المفروض عليها من الدول الاستعمارية الكافرة، ومن حال الضياع والتيه والتبعية لتلك الدول المتكالبة على المسلمين.
التغيير المقصود هو إعادة ثروات المسلمين للمسلمين بدل أن تنهبها الدول الاستعمارية الكافرة التي تتمتع بهذه الخيرات وتترك المسلمين في الفقر المدقع يرزحون تحت مليارات الديون لهذه الدول الجشعة.
التغيير المقصود يكون بنهضة الأمة الإسلامية على أساس الإسلام، ونبذ كل فكر غير إسلامي، ويكون بإزالة أنظمة الكفر وإقامة الخلافة التي تحكم بما أنزل الله، وتوحد الأمة الإسلامية والبلاد الإسلامية بقيادة خليفة واحد تحت راية: (لا إله إلا الله محمد رسول الله)، وتحمل رسالة الإسلام للعالم.
الموضـوع الأول من هذه الرسـالة (العـقـيدة... أساس التغيير) يبين أهمية المفاهيم والقناعات في عملية التغيير، إذ إن تغيير المجتمعات من حال إلى حال أصعب من نقل الجبال من مكان إلى مكان، ولذلك لا يسـتطـيع أن يقـوم به إلا من كانت عنده القـناعة التامـة به، وكان مستنداً إلى العقيدة الإسلامية وما ينبثق منها من أحكام وما ينبني عليها من أفكار، بحيث إنه يبيع نفسه وماله لله سبحانه.
والموضوع الثاني (طريق التغيير والنهوض) يُبرز أهمية معرفة الحقائق والقبض عليها بيد من حديد، لأن الذي لا يميز الحقائق من التضليلات والأوهام لا يمكن أن ينجح في التغيير.
والموضوع الثالث (حقائق وأباطيل) هو استطراد للموضوع الثاني، وذلك بلفت النظر إلى بعض المسائل (الحقائق) الأساسية التي ركّزت عليها الدول الاستعمارية الكافرة لتضليل المسلمين وإبعادهم عنها، لأنها شديدة التأثير في عملية التغيير وعودة الأمة الإسلامية خير أمة أخرجت للناس. ومن هذه المسائل (الحقائق): (وجوب العمل السياسي) و(وحدة الأمة الإسلامية) و(إقامة الدولة الإسلامية).
وأما الموضوع الرابع (طلب النصرة) فإنه يبيّن الكيفية العملية الشرعية التي تؤدي بشكل حتمي إلى نقل السلطة من أيدي الحكام العملاء إلى يد الطائفة المنصورة التي تقيم الدولة الإسلامية (الخلافة). وهذا الموضوع هو من أهم الموضوعات وأكثرها خطراً ودقة.
إننا نهدي هذه الرسالة إلى الأمة الإسلامية في كل مكان، وبخاصة إلى حملة الدعوة الإسلامية العاملين لإقامة الدين الإسلامي في الأرض، وإلى المعتقلين والملاحقين من أجل ذلك، الصابرين على الحق دون تبديل أو تحريف، وإلى جيل الشباب المتشوق إلى عز الإسلام والمسلمين، وإلى الأهل والأقارب والأصحاب، عاملين ومنتظرين، نهديها إليكم من القلب آملين أن تتلقاها عقولكم وقلوبكم وجوارحكم.
والله معكم ولن يَتِرَكُمْ أعمالَكم.

نائل أبو محمد 03-03-2012 08:49 PM

رد: التغيير حتمية الدولة الإسلامية, كتاب للكاتب محمود عبد الكريم حسن
 
السبت 10 ربيع الثاني 1433

بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة الطبعة الثانية
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين وعلى من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد،
فقد كانت مواضيع هذا الكتيِّب في الأصل مما بُحثَ مع بعض حَمَـلَة الدعوة من العاملين لإقامة حكم الله في الأرض، نوقش فيها حال الأمة، وما اعتراها من تردٍّ وانحدار، وما تعانيه في سبيل صحوتها ونهوضها، وما الذي أُنجز على طريق إقامة الدولة الإسلامية، وما الذي ينبغي إنجازه لكي يتحقق وجود هذه الدولة، فيُطبق الإسلام وتُحمل دعوته إلى العالم. وبناءً على ذلك، ما الذي ينبغي أن تخاطب به الأمة وتُدعى إليه وتعـيـه؟
الدولة الإسلامية كيان سياسي لتنفيذ الإسلام وحمله إلى العالـم، وهذا يحتاج إلى قدرةٍ وصلاحية شرعية. وقد جعل الشرع هذه الصلاحية للأمة. ولا يملك هذه القدرة ولا هذه الصلاحية الشرعية جماعةٌ أو طائفة وحدها، ولا حزبٌ سياسي وحده. وإنما يقيم الدولةَ الإسلاميةَ الأمةُ بقيادة هذه الطائفة أو هذا الحزب الذي يُحيي في الأمة إيمانَها بهذه الفريضة العظيمة، وإيمانها بوجوب العمل لها والتضحية في سبيلها.
فالدولة الإسلامية كيان ينبثق من رَحِم كيان الأمة لينفِّـذَ بالأمة وعليها نظام الإسلام، وليحمله بها ومعها إلى الناس جميعاً. فالدولة الإسلامية تلدها الأمة الإسلامية.
وكيان الأمة لا يكتمل ولا يتميز إلا بما تكون به الأمةُ أمةً، وبعيشها على أساسه. وأمتنا الإسلامية لا تكون كذلك إلا بدينها عقيدةً ونظاماً. ولا تكون لها فاعليتها أو وجودها العملي المؤثر إلا بوجودها كجماعة واحدة موحدة تحت إمرة أمير واحد. فلا يكتمل كيان الأمة ولا يتميز تمام التميز إلا بانبثاق كيان دولتها، ومبايعة خليفتها على الحكم بما أنزل الله.
ومن هنا، فلا سبيل إلى إنهاض الأمة إلا بأن تعرف معنى لا إله إلا الله محمد رسول الله، وأن تلتزم بهذا المعنى، فتعرف معنى وجودها في الحياة وغاية هذا الوجود، وتسعى إلى تحقيق هذا الوجود وهذه الغاية.
وكذلك فإن هذه المعرفة لا تكفي، والسعي إلى تحقيق هذه الغاية لا يبرئ الذمة إلا إذا كان على المستوى المطلوب شرعاً. فلا بد بعد تحديد الغاية أن يُسعى إلى تحقيقها بالأعمال التي تؤدي إليها، بحسب ما خلق الله في الكون من سنن، ومنها ربط الأسباب بالمسببات، واعتبار خصائص الأشياء وشروط العلاقات.
ولقد عرض أحد الإخوة الأفاضل أن تُكتَب هذه الأفكار وتوزَّعَ على الناس، وأن يكون ذلك على نفقته الخاصة طمعاً بالأجر والثواب. وهكذا كان، فصدر الكُتـيِّب بحمد الله، وفيه أربعة مواضيع. وقد جعل الله سبحانه وتعالى له قبولاً، فنفدت نسـخه واستمر طلبه وشعر أخٌ فاضلٌ آخر بهذا الطلب فعرض أن يُطبع على نفقته من جديد، فصدرت هذ الطبعة الثانية بإضـافة موضوع خامس إليه بعنوان: الأمانة والإيمان.
إن حب الدنيا وكراهية الموت، والمغالطات الفكرية، والضعف والتيئيس، وتغييب مفاهيم العـقيـدة المتعلقة بالرزق والأجل والنصر والتوكل والخير والشر وغيرها، قد تصرف كثيراً من المسلمين عن غايتهم في الحياة التي هي عبادة الله، أي الالتزام بأوامره ونواهيه سبحانه وتعالى، وبخاصة حينما يتأثرون بفتاوى أو آراء يَـنْـفُـثُها علماءُ سوءٍ يروّجون لسلاطين الجوْر والفجور والخيانة، وأحزابٌ لهم أو أتباعٌ يحرِّمون الدين ويفترون على الله الكذب، فيحلون الحرام ويحرمون الحلال ويُلهون أبناء الأمة بتوافه الأمور ويصرفونها عن طريق التغيير وإقامة الدولة الإسلامية.
ولأجل التنبيه على هذا الأمر وخطره، والتحذير منه، كان موضوع: الأمانة والإيمان.
وإنني إذ أقدم هذا الكتيب إلى الأمة الإسلامية فإنني أناشد قارئيه من المهتمين والعاملين لأجل قضية لا إله إلا الله، أن يتلقوه ويدرسوه بعقولهم وقلوبهم، كما قدمته إليهم من عقلي وقلبي. وأسأله تعالى الثواب والأجر الجزيل لكل من أعان فيه بتوجيه أونصح، أو بمالٍ أو جهد، ولكل من دعا لي ولوالدَيَّ.
اللهم من أراد بالإسلام والمسلمين خيراً فوفقه لكل خير، ومن أراد بالإسلام والمسلمين شراً فخذه أخذ عزيز مقتدر.

نائل أبو محمد 03-03-2012 08:56 PM

رد: التغيير حتمية الدولة الإسلامية, كتاب للكاتب محمود عبد الكريم حسن
 
بسم الله الرحمن الرحيم
(1)
العقيدة وما ينبثق منها من أحكام
وما ينبني عليها من أفكار
هي أساس التغيير
سلوك الإنسان مربوط بما يحمله من مفاهيم. والمفاهيم هي قناعات ناتجة عن إدراكٍ للأشياء وخصائصها وعن ما يبنى على هذا الإدراك أو ينبثق عنه من قناعات أخرى.
والمفاهيم نوعان: الأول: مفاهيم عن الأشياء. وهي قناعات أو أحكام مصدرها الأشياء ذاتها. كقولنا: النار تحرق والسم يقتل والخمر يسكر. أو أن اللحم يؤكل والتراب لا يؤكل. أو أن كثرة الضغط تولد الانفجار، أو أن المجتمع مجموعة أفراد تربطهم علاقات دائمية. أو أن النهضة لا تكون إلا بالفكر المستنير. فهذه الأفكار أوصاف أو أحكام مصدرها موضوعها. وهي تكون صحيحة أو خطأ وذلك بحسب مطابقتها أو مخالفتها للواقع. وفي كل الحالات هي مفاهيم عند من يصدقها. وسلوك الإنسان مربوط بمفاهيمه عن الأشياء، فمن اقتنع أن طعامه مسموم فلن يتناوله وإن كان جائعاً. ومن كان عطشان فسيسعى إلى الماء لا إلى غيره، ومن أراد أن يسكر سيسعى إلى الخمر لا إلى الماء.
النوع الثاني: مفاهيم عن الحياة، وهي قناعات أو أحكام مصدرها خارج عن موضوعها. كقولنا: الصلاة فرض والغش حرام والخمر حرام والقتل حرام...، فهذا الحكم ليس مصدره الشيء نفسه أو الفعل نفسه، وإنما هذا هو موضوعه أو الواقع المحكوم عليه ومصدر الحكم شيء آخر.
فقولنا: الخمر يسكر هو صفة أو خاصية ذاتية للخمر، وهو حكم على الشيء بما فيه أو بما هو عليه. وقولنا: الخمر حرام ليس حكماً على الشيء بما فيه وإنما هو حكم من الله سبحانه الذي له أن يجعله حراماً وله أن يجعله مباحاً.
وسلوك الإنسان مربوط أيضاً بمفاهيمه عن الحياة، فإن كان مفهومه عن لحم الخنـزير بأنه يؤكل، أي أنه قابل للأكل ويشبع الجائع. فهذا مفهوم عن الشيء. والمفهوم عن الحياة هو أن الخنـزير حرام، أي أنه يجب أن يجتنبه. فمن أدرك هذا الحكم وصدقه، فهو حينئذٍ مفهوم لديه وسيؤثر في سلوكه ويمنعه من سد جوعته بلحم خنـزير.
ومن كانت لديه مفاهيم أن الصنم له أثر في أمنه ورزقه وتوفيقه، أو أن بعض الأموات لهم هذا الأثر، فإنه سيعتريه شعور الرهبة والخشوع عند الأصنام، وسيستغيث بالأموات. على العكس ممن لا يصدق هذه الأمور، فلن يتوانى عن تحقير الأصنام وتخطئة المستغيثين بالأموات.
وهكذا فإن السلوك الإنساني مربوط بالمفاهيم عن الأشياء وبالمفاهيم عن الحياة. وما يلاحظ على بعض الناس أحياناً من ضعف هذا الربط فهو ناتج عن غفلةٍ عن هذه المفاهيم أو تغييبٍ لها وكأنها ليست مفاهيم له لأسباب عديدة تعرض للنفس. يقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن، ولا يسرق حين يسرق وهو مؤمن، ولا ينتهب نهبةً يرفع الناس إليه فيها أبصارهم حين ينتهبها وهو مؤمن» (رواه البخاري).
ولذلك وجب لأجل تصحيح السلوك أو تقويمه إعادةُ الحقائق إلى الأذهان: حقائق الأشياء، والحقائق الشرعية من معتقدات وأحكام، والتذكير بها كي تكون مستحضرة ماثلة كي تؤثر في السلوك. قال تعالى: وذَكِّرْ فإنّ الذكرى تنفعُ المؤمنين (سورة الذاريات 55) على عكس الكافرين فإن تذكيرهم بالحقائق والمفاهيم الشرعية لا ينفعهم. فهم يسمعونها كأفكار ولكنها ليسـت حقائق بنظـرهم، فهي ليسـت مفاهـيم لهم، وبالتالي فلن تؤثر في سلوكهم.
فالمفاهيم عن الحياة تعيّن للإنسان كيف يعيش، فلا يكون همه أن يعيش، وإنما كيف يعيش، وليس همه أن يشبع حاجاته وإنما كيف يشبعها. ولذلك فالمفاهيم عن الحياة تجعل له طرازاً معيناً من العيش.
وبما أن المفاهيم عن الحياة مصدرها خارج عن الأشياء والأفعال ذاتها، فإنه لا يمكن أخذها إلا بعد الاقتناع بأن هذا المصـدر له الحق أو الصـلاحيـة أو السـلطـان بأن يحكـم عليها، وأن أحكامه صحيحة.
والإسلام قد قرر أن الحاكم هو الله سبحانه وتعالى وأن مصدر الأحكام هو الوحي المنـزَّل على سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم. قال تعالى: إنِ الحكمُ إلا لله أَمَرَ ألاّ تعبدوا إلا إياه (سورة يوسف 40) وقال تعالى: ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون (سورة المائدة 44). وكل حكم غير حكم الله فهو طاغوت: ألم تَرَ إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالاً بعيداً (سورة النساء 60).
فلا حكم للعقل أو للإنسان. وليس هذا سلباً لدورِ العقل أو حداً لقدراته، لأنه لا يملك الأدوات اللازمة للحكم، لأن هذا الحكم ليس مصدره الشيء أو الموضوع. فالذين جعلوا الحكم للشعب ـ مثلاً ـ لم يستندوا إلى دليل، وإنما تاهوا وضلوا، فحملوا مفهوماً غير صادق ولا واقع له، وجحدوا الحقيقة فقالوا بفصل الدين عن الحياة، ومعنى ذلك أن لا حكم لله.
وإذا أُعطيتْ صلاحية إصدار الأحكام للإنسان، وهو لا يملك أداة للحكم، فهو حينئذٍ لن يحكِّم إلا هواه وميوله ومصالحه حسبما يراها، وهي متغيرة ومتقلبة، وهو قد يرى المفسدة مصلحة وقد يرى الداء دواءً.
ومن هنا تأتي أهمية الإيمان بالله وبالنبوة وبالقرآن، فهذا الإيمان هو العقيدة التي تؤثر في السلوك، إذ تجعل عند الإنسان مفاهيم عن الحياة تعيّن له كيف يعيش، وغايته في الحياة، وغايته من سلوكه وهي أن ينال رضا الله عز وجل.
ومن هنا ـ أيضاً ـ تظهر أهمية أن تكون المفاهيم عن الأشـياء وعن الحياة صحيحة صادقة، أي أن تكون حقائق. ويظهر أيضاً خطر عملية التجهيل والتضليل وتسويق المغالطات لإيجـاد مفاهـيم خطـأ لدى الناس، وبذلك يقعـون ضحـية للجـهـل والضـلال: قل هل ننبئكم بالأخسـرين أعمالاً  الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً (الكهف 103ــ104). نعم يضـل الأفراد وتضـل الشـعـوب كما تضـل سمكة في البحـر حين تلتهم الطُعم، أو فأرةٌ أسـرعت إلى طعام لها على مصيدة.
ويتيه الإنسان ولا يصل إلى غايته حين يسير في طريق مقتنعاً بأنه يوصله إليها، وهو في الحقيقة يسير في الاتجاه المعاكس.
ويضل كذلك عندما يحمل مفاهيم خطأ عن الحياة نتيجة الجهل أو التحريف كمن يَرى أو يُورى أن الربا مباح، وأن الديمقراطية من الإسلام. أو أن تعلم الشريعة هو لأجل التكسب كغيره من الاختصاصات أو المهن. وعندما تُغَـيَّب حقائق الإسلام وتُحشى الأذهان بأفكار خطأ كأفكار الحريات العامة، أو بأن تغيير الواقع المنحط مستحيل في جيلنا أو في مئات السنين، أو أنه مِنَّةٌ من الله لا يسعنا إلا أن ننتظرها قاعدين أو أن ننتظر المهدي. وبذلك يتحول الأفراد والشعوب أو الأمة إلى مجموعة كسالى خاملين يُساقون حيث يريد من يحمِّلهم هذه المفاهيم، وإلى أدوات لعدوهم وهم يظنون أنهم يحاربونه: كباسط كفيه إلى الماء ليبلغ فاه وما هو ببالغه (سورة الرعد 14)، مثلهم كمثل الذي استوقد ناراً فلما أضاءت ما حوله ذهب الله بنورهم وتركهم في ظلمات لا يبصرون (سورة البقرة 17).
ولذلك نكرر، أنه لأجل تغيير السلوك وتصحيحه وجعله سلوكاً صحيحاً راقياً وموصلاً إلى غايته، لا بد من إيجاد المفاهيم الصحيحة عن الأشياء وعن الحياة، وحينئذٍ يحسن الإنسان تسخير الأشياء وخصائصها بنجاح ويحسن السلوك الموصل إلى غايته وإلى غاية الغايات وهي نوال رضوان الله عز وجل: وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا وأحسن كما أحسن الله إليك (سورة القصص 77).
إن أُولى الحقائق وأهمها على الإطلاق هي العقيدة التي تعيّن للإنسان مفاهيمه عن الحياة، وهي أن الأشياء كلها مخلوقة لخالق هو الله سبحانه وتعالى، وأن الله أرسل رسولاً هو محمد صلى الله عليه وآله وسلم برسالة الإسلام التي تبين كل ما يلزم الإنسان، وأنه تعالى سيحاسبه على الإيمان أو الكفر وعلى التقيد أو عدم التقيد بما جاء به النبي صلى الله عليه وآله وسلم.

نائل أبو محمد 03-03-2012 09:04 PM

رد: التغيير حتمية الدولة الإسلامية, كتاب للكاتب محمود عبد الكريم حسن
 
السبت 10 ربيع الثاني 1433

غاية المسلم في الحياة:
إن من أهم الحقائق بعد الإيمان أن يدرك الإنسان الغاية من خلقه، أي ما يجب أن يكون غاية له يسعى إلى تحقيقها. قال تعالى: وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدونِ (سورة الذاريات 56). وعبادة الله هي الإيمان به وطاعتُه. وطاعته هي الالتزام بجميع أحكامه، وهي لا تقتصر على أعمال العبادات والأخلاق والمعاملات، بل إنها تتناول كل ما أمر الله به أو نهى عنه، وتتضمن أن لا معبود بحق إلا الله، ولا أمر ولا نهي لأحد سواه. روى أحمد والترمذي عن عدي بن حاتم أنه دخل على رسول الله  وهو يقرأ الآية: اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله والمسيحَ ابن مريم وما أمروا إلا ليعبدوا إلهاً واحداً سبحانه عما يشركون (سورة التوبة 31) فقال عدي: إنهم لم يعبدوهم. فقال : «بلى إنهم حرّموا عليهم الحلال، وأحلّوا لهم الحرام، فاتبعوهم. فذلك عبادتهم إياهم».
وعلى ذلك فإن إعطاء حق التحليل والتحريم أو حق التشريع وحق الطاعة لأحد ما، هو عبادة له. قال تعالى: ما تعبدون من دونه إلا أسماءً سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان إنِ الحكم إلا لله أمر ألاّ تعبدوا إلا إياه ذلك الدين القيِّم ولكن أكثر الناس لا يعلمون (سورة يوسف 40).
أما ما كان للحاكم أو الأمير أو الوالدين أو الزوج من حق الطاعة فذلك بجعل الله لهم هذا الحق. وعبادة الله تتضمن طاعته في تعبيد الناس له سبحانه، أي إخضاعهم لشرعه ومحاربة أن يكون هناك حاكمية لغير لله، أو غير شريعة الإسلام. ومحاربة الخروج على ما حكم به الله سبحانه وتعالى. وهي دلالة النصوص التي جاءت تأمر بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وبالجدال والبيان والإقناع والدعوة، وبالجلد والقطع والقتال والجهاد لإقامة حكم الله في الأرض وإعلاء كلمته.
ولذلك رأينا الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بعد أن أقام الدولة الإسلامية في المدينة المنورة ووطد أركانها، يرسل الرسل إلى الملوك يدعوهم إلى الإسلام. ورأيناه  وخلفاءه من بعده يرسلون حَمَلَة الدعوة والمجاهدين والجيوش يدعون الناس إلى الإيمان لإخراجهم من الظلمات إلى النور، ويقاتلون من أجل إخضاع البلاد والعباد لسلطان الإسلام. وهي دعوة لأن لا يكون معبود إلا الله، ولا حاكمية إلا لله. وهذه الغاية هي الفكرة الإسلامية التي يحيا المسلم لأجلها، وقد عبَّر عنها ببراعة الصحابي الكريم ربعي بن عامر عندما استغرب رستم قائدُ جيش الفرس دعوته وسأله: ما الذي جاء بكم ؟ فقال رضي الله عنه: «إن الله ابتعثنا لنخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة».
وتتبيَّن هذه الفكرة جلية في القرآن والسنة وفي أفعال النبي صلى الله عليه وآله وسلم، في نصوص تفوق الحصر سنقتصر على ذكر بعضها:
قال تعالى: قُلْ يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعاً (سورة الأعراف 158). وقال: وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيراً ونذيراً (سورة سبأ 28). وقال: هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون (التوبة 33، وسورة الصف 9). وقال: يا أيها الذين آمنوا قاتلوا الذين يلونكم من الكفار ولْيجدوا فيكم غلظة واعلموا أن الله مع المتقين (سورة التوبة 123). وقال: قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون (سورة التوبة 29). وقال : «من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله» (متفق عليه).
وهكذا يُكرَه الكافرون على الخضوع لسلطان الإسلام ولسيادة شريعته وإن كانوا لا يكرهون على دخول الإسلام لقوله تعـالى: لا إكراه في الدين (سـورة البقرة 256). فالغـايـة أن لا قانون يطاع ولا تشريع يؤخذ إلا ما أمر به الله ولا حاكم إلا الله. وما يترك عليه بعـض الكفار من اعتقاد وعبـادة فبأمـر من الله تركوا عليه.
وقد بين الله تعـالى هذه الغـاية من خلـق الناس في قـولـه: وكذلك جعلناكم أمة وسطاً لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيداً (سورة البقرة 143) وهذا خطاب للأمة الإسلامية وتكليف لها لتحمل الرسالة بعد النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم إلى سائر الناس، وقد حَمَّلها إياها النبي بعد أن بلّغ الرسالة وأدى الأمانة وجاهد في الله حق الجهاد. وقف  في حجة الوداع يخاطب الأمة قائلاً: «... وإني قد تركتُ فيكم ما لن تضلوا بعده إن اعتصمتم به: كتابَ الله. وأنتم مسؤولون عني، فما أنتم قائلون ؟ قالوا: نشهد أنك قد بلّغتَ وأديتَ ونصحت. ثم قال بأُصبعه السبابة يرفعها إلى السماء وينكبها إلى الناس: اللهم اشهدْ، اللهم اشهدْ، اللهم اشهدْ...» (رواه أبو داود). وهكذا شهد علينا النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالبلاغ وتحميل الأمانة وأشهد الله علينا، وعلينا بعد ذلك أن نشهد على الناس بالطريقة نفسها كما فعل الرسول الكريم صلوات الله عليه وسلامه. وقد بَـيَّن الله تعالى أن هذه هي الغاية من الخلق قبل خلق آدم عليه السلام. قال تعالى: وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يُفْسِدُ فيها ويَسْفِكُ الدماءَ ونحن نسبّح بحمدك ونقدّسُ لك قال إني أعلم ما لا تعلمون. (سورة البقرة 30) فالملائكة عباد لله لا يعصونه عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون (سورة التحريم 6) وعندما قال الله لهم: إني جاعـل في الأرض خليفة... الآيـة أدركـوا أنه تعالى سيجعل فيها من يعصي وذلك من لفظ (خليفة)، لأن لفظ خليفة هنا بمعنى من يستخلفه الله أي من يوكله ليقوم بأعمال التقويم والرعاية وغير ذلك مما يقوم به المستخلَف على أمر ما، فإذا كان ثَمَّ دور لأحد ما بالتقويم والرعاية، فهذا يعني أن ثَمَّ من يحتاج إلى هذا التقويم وهذه الرعاية، وهذا يعني أنه سيحصل خروج على أمر الله، وهذا ما يؤدي إلى الشقاء والضنك والهرج، ولذلك قالوا: أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدمـاء. وبتعبيـر آخـر، إذا كان الكون ليس فيه مَن أو ما يعصي فكل شيء يسـير بأمر الله. فإذا أراد الله خلق من يقوم بعمل التقويم والهداية، فهذا يعني أنه سيكون هناك من يخـتـار الضـلال ويعصي الله.
ولذلك فإن الغـايـة في الحيـاة والتي بينها تعالى قبل خلق آدم هي أن يكون الإنسـان عبـداً لله وأن يقـوم بتعبيـد الآخرين لله، ممن يضِل عن هذه العبادة أو يرفضها.
وعلى ذلك فالحياة هي صراع فكري عَقَدي وسياسي بين الإيمان والكفر، عَقَدي لإعلاء كلمة الله وليكون الدين كله لله، ولا يكون حكم إلا لله، فلا يكون له شريك ولا يعبد أحد سواه ويتم الخضوع لشرع الله، وبهذا المعنى فهو صراع سياسي إذ يفرض أن لا تكون ثمة رعاية لشـؤون البشر بأي تشريع إلا بشـريعة الإسـلام.
طريقة تحقيق الغاية الإسلامية:
حين بين الإسلام أن رسالته هي رسالة إلى الناس كافة ونهى عن الاحتكام إلى غير شريعته فإنه لم يجعل الأمر مجرّد بيان لمن شاء أن يطيع، وكذلك لم يجعله عفواً لمن أراد تحقيق هذه الغاية يختار الأسلوب الذي يرتئيه. وإنما جعل الطريقة التي سار عليها النبي  هي البيان الواجب الاتباع لوضع هذه الفكرة موضع التطبيق. ونحن مأمورون باتباعها. قال تعالى: وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا (سورة الحشر 7).
فأحكام الإسلام لا تقتصر على بيان المعالجات لواقع الإنسان وعلاقاته ومشاكله، وإنما تتضمن أيضاً الأحكام التي تجعل هذه الأحكام مطبقة عملياً. فمثلاً نهى الإسلام عن السرقة وعن القتل وعن الزنا وأمر بالإيمان وبالعبادات وغيرها. ولم يكتف بمجرد الأوامر والنواهي يلتزم بها من شاء وينتهكها من شاء، ولكنه تضمن أحكاماً تحمل الناس على الخضوع لهذه الأحكام، فأمر بقطع السارق وجلد الزاني أو رجمه وقتل القاتل... وقتل المرتد. قال تعالى: والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما (سورة المائدة 38). وقال تعالى: الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة (سورة النور 2). وقال : «لا يحل دم امرئٍ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله إلا بإحدى ثلاث: الثيِّب الزاني والنفس بالنفس والتارك لدينه المفارق للجماعة» (متفق عليه). ومن شأن هذه الأحكام أن تجعل المعالجات الإسلامية مطبقة في المجتمع. فمن ضعف فيه وازع الإيمان ردعته أو أجبرته عقوبة السلطان. وهذه من أحكام إخضاع الناس لسيادة الشرع وحاكمية الله. وهذه الأحكام التي تجعل الإسلام مطبقاً وليس مجرد أوامرَ ونواهيَ يلتزم أو لا يلتزم بها المرء بحسب دوافعه وميـولـه، هي ما يسمى بالطريقة، أي الطريقة الشرعية التي يجب الالتزام بها ولا يجوز العدول عنها إلى غيرها لتحقيق الأمر. فمثلاً لا يصح لأجل منع السرقة استبدال عقوبة السجن أو القتل بعقوبة القطع، ولا يجوز ترك عقوبة المرتد أو الزاني أو تبديلهما، وهكذا.
وقد جعل الإسلام طريقة تحقيق الفكرة الإسلامية هي الحكم أو الدولة. فالمجتمع يظل فيه من يخرج على الإسلام وينتهك أحكامه ويسعى إلى تدميره. ويظل تحوطه الأخطار. والناس لا بد لهم من نظام يسوسهم ويتحاكمون إليه. فكان لا بد من حكم ومن نظام حكم، ولا بد مع ذلك من سلطة أو قوة أو سند لذلك النظام ليقوم بتطبيق الإسلام والمحافظة على الرعية وسياستهم سياسة شرعية. لذلك كانت الدولة الإسلامية، دولة الخلافة، هي الطريقة للحياة الإسلامية.
ولأجل حمل الدعوة الإسلامية إلى الجماعات والمجتمعات الأخرى وإخضاعها لسلطان الإسلام كان لا بد لهذا الأمر من سياسة وتنظيم، ولا بد من الجهاد، فكان لا بد أيضاً من الدولة، وقد تبين ذلك من فعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم حين كان يدعو إلى الإسلام في مكة ويعمل لتكثير المسلمين، ولجعل الحاكمية لله وحده في المجتمع.
فعندما تجمد المجتمع ورفض الدعوة تحوّل النبي  إلى دعوة قبائل ومجتمعات أخرى يعرض عليهم أمر الدعوة وتطبيق الإسلام إلى أن حقق ذلك في المدينة المنورة وأقام الدولة الإسلامية. وعندما صارت له  دولة ومَنَعَة بدأ الجهاد لإزالة العوائق المادية التي تعترض طريق الدعوة وبسط سلطان الإسلام وسيادة شرعه، ثم أخذ يرسـل الرسـل والكتب إلى القياصـرة والملـوك يدعوهم إلى الإسـلام.
وعلى ذلك فإن طريقة تحقيق الفكرة أو الغاية الإسلامية هي الدولة الإسلامية: دولة الخلافة. فالخلافة هي الفرض الذي به توجد الفروض الأخرى، فتطبق الأمة الإسلام وتعلي كلمة الله وتحمل الدعوة إلى العالم وتشهد على الناس وتحيي فريضة الجهاد: ذروةِ سنام الإسلام. والخلافةُ هي تاج الفروض، والواجب الذي لا تتم هذه الواجبات إلا به، ولقد عبرت الأحاديث النبوية الشريفة عن أهمية وجود الخلافة ومبايعة خليفة على الحكم بكتاب الله وسنة رسوله. قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «من خلع يداً من طاعةٍ لقيَ الله يوم القيامة لا حُجَّةَ له، ومن مات وليس في عنقه بيعة مات مِيتَةً جاهلية» (رواه مسلم). وقال: «إنما الإمام جُنة يقاتل من ورائه ويُتّقى به» (رواه مسلم). وفرض أن تكون الدولة الإسلامية دولة واحدة والأمة الإسلامية أمة واحدة. قال صلى الله عليه وآله وسلم: «إذا بويع لخليفتين فاقتلوا الآخر منهما» (رواه مسلم). وقال: «من أتاكم وأمركم جميع على رجل واحد يريد أن يشق عصاكم أو يفرّق جماعتكم فاقـتـلوه» وقال: «إنه سـتكون هَنات وهنات، فمن أراد أن يفرق أمر هذه الأمة، وهي جميع، فاضربوه بالسيف كائناً من كان» (رواهمـا مسـلم وأبـو داود والنسائي).
وبما أن طريقة تحقيق الفكرة الإسلامية أو الوصول إلى الغاية، التي هي تطبيق الإسلام وحمل دعوته إلى العالم، هي دولة الخلافة، وهي الفريضة الغائبة، فإن هذه الطريقة تصبح غاية للأمة الإسلامية ويجب العمل لوضعها موضع التطبيق، ويجب اتباع الطريقة الشرعية لجعل هذه الغاية واقعاً محققاً. وهي الطريقة التي سار عليها النبي  عندما دعا الناس إلى الإيمان والخضوع لدين الله ولم يستجب له الناس وحاربته السلطات والقوى المتحكمة. فما الذي فعله النبي  حتى وصل إلى غايته وأقام الدولة الإسلامية وأعز دين الله ؟
إن فعله  لإقامة الدولة الإسلامية ليس فعلاً مجرداً من الدلالة الشرعية ـ كما يحلو لبعض علماء السلاطين أن يصوروا ـ، إنه منهج دلت عليه نصوص القرآن الكريم ومواقف النبي صلى الله عليه وآله وسلم في أقواله وأفعاله وهو بيان لكيفية العمل الشرعي للوصول إلى هذه الغاية. وسنعرضها بإيجاز.
1ـ كان يضم المؤمنين به إلى حلقات سرية، يعلمهم الدين الجديد. وينشئهم تنشئة جديدة حتى أصبحوا شخصيات إسلامية بعقلياتهم ونفسياتهم، مفاهيمهم إسلامية يؤمنون بما خلقوا لأجله، فكانوا كتلة جديدة في المجتمع متميزة بعقيدتها وأفكارها ومشاعرها وسلوكها وغايتها.
2ـ دخل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بكتلته في صراع عَقَدي وفكري مع المجتمع وفي كفاح سياسي مع حكامه وسادته تحمل فيها أشق الصعاب، فبيّن الحق ودعا إليه، وبيّن مناقضة عقائد الكفر وأفكاره للحق والواقع، وكان يصحح المفاهيم عن الأشياء وعن الحياة، وكان يجادل زعماء الكفر ويكشف حقيقتهم وحقيقة ما هم عليه. ودعا إلى التفكر والتدبر، ونعى على تعطيل العقول والتمسك بالباطل. وهذه بضعة أمثلة على طبيعة خطاب القرآن الكريم الذي كان نهجاً للرسول : ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلاً (سورة الإسراء 32)، إنكم وما تعبدون من دون الله حصـب جهـنم أنتم لها واردون (سورة الأنبياء 98)، وضرب لنا مثلاً ونسي خلقه قال من يحيي العظام وهي رميم  قل يحييها الذي أنشأها أول مرة وهو بكل خلق عليم (سورة يس 78ــ79)، أفرأيتم اللات والعزى  ومناة الثالثة الأخرى  ألكم الذكر ولـه الأنثى  تلك إذاً قسمة ضيزى  إن هي إلا أسماءٌ سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان إن يتبعون إلا الظن وما تهوى الأنفس ولقد جاءهم من ربهم الهدى (سورة النجم 19ــ23)، ذرني ومن خلقت وحيداً  وجعلت له مالاً ممدوداً  وبنين شهوداً  ومهـدت له تمهيداً  ثم يطمع أن أزيد  كلا إنه كان لآياتنا عنيداً  سأرهقه صَعوداً  إنه فكر وقدر  فقتل كيف قدر  ثم قتل كيف قدر  ثم نظر  ثم عبس وبسر  ثم أدبر واستكبر  فقال إن هذا إلا سحر يؤثر  إن هذا إلا قول البشـر  سأصليه سقر (سورة المدثر 11ـ26)، وإذا الموءودة سُئلت  بأي ذنب قتلت (سورة التكوير 8 ــ9)، ويل للمطففين  الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون  وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون  ألا يظن أولئك أنهم مبعوثون (سورة المطففين 1ــ5)، تبت يدا أبي لهب وتب  ما أغنى عنه ماله وما كسب (سورة المسد 1ــ2)، وغيرها من نصوص كثيرة تشكل منهجاً وطريقة ثابتة في طبيعة علاقة الحق ودعوته مع الباطل ودولته.
3ـ مورِست على النبي صلى الله عليه وآله وسلم وصحابته أشق أنواع التعذيب والافتراء والتخويف فلم يَثنهم ذلك عن الإسلام وتحملوا وصبروا واستمروا، ولم يتنازل النبي عن شيء من الإسلام، ورفض المساومة رفضاً قاطعاً، ورفض المغريات أو أخذ جزء من السلطة أو تحقيق الغاية جزئياً، فرفض أخذ المال حتى يصير أغناهم، ورفض أن يعبدوا إلهه سنة ويعبد إلههم سنة. قال تعالى: قل يا أيها الكافرون  لا أعبد ما تعبدون  ولا أنتم عابدون ما أعبد  ولا أنا عابد ما عبدتم  ولا أنتم عابدون ما أعبد  لكم دينكم ولي دينِ (سورة الكافرون) وقال : «والله لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر حتى يظهره الله أو أهلِكَ فيه ما تركته» (سيرة ابن هشام). وقال  قولته المشهورة: «فما تظن قريش، فوالله لا أزال أجاهدهم على الذي بعثني الله حتى يظهرني الله أو تنفرد هذه السالفة» أي تقطع هذه العنق. (رواه أحمد والطبراني، وذكره ابن كثير في البداية والنهاية). واستمر في بيان دعوته وتسفيه الكفر وأفكاره وتوعد الكافرين بالعذاب والنعي على عقائدهم.
4ـ ولما ازدادت مساءات الكفر وزعمائه، ورأوا أن محمداَ  لا ييـأس ولا يتنـازل ولا يسـاوم، وَثَبَتْ كل قبيلة على من فيها من المسلمين يقتلونهم ويعذبونهم. فكان موقفه ثابتاً مستنداً إلى ركن الإيمان المكين متمسكاً بحبل الله المتين. واستمر في دعوته بالصراع الفكري والكفاح السياسي، وندب صحابته بالهجرة إلى الحبشة فراراً بالدين، وتخفى البعض في مكة، ولكن لا تنازل ولا مساومة، ولا وقوف للدعوة. ولما تجمد المجتمع في وجه الدعوة تحت قوة البطش، لجأ النبي  إلى قبائل أخرى يدعوهم إلى الإسلام ويستنصرهم حتى يبلّغ رسالة الله، وحتى يكونوا سنداً له لنصرة تطبيق الإسلام.
5ـ استمرت أعمال النبي  في طلب النصرة وتكررت ولم يحد عنها رغم رده بردود سيئة، ورفضِ عرضه من زعماء قبائل كثيرة. إلى أن قيض الله له مجتمع المدينة، حيث أسلم كثيرون، ولم تحارَب الدعوة كما حوربت في مكة، وكان بين الداخلين في الإسلام زعماء وأسياد لقبائلهم وعشائرهم. فطلب منهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم النصرة لإقامة الدولة الإسلامية في المدينة. ولما وافقوا على ذلك، عقد معهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم بيعة العقبة الثانية وهي بيعة الحرب، بيعة إقامة الدولة الإسلامية. ثم هاجر إلى المدينة وقامت بوصوله الدولة الإسلامية.
وهكذا باشر تطبيق الإسلام وتوطيد دعائم الدولة، وبدأ أعمال الجهاد لإعلاء كلمة الله وحمل الدعوة إلى الناس.
وسنعرض فيما يلي من حلقات، طبيعة الصراع بين الحق والباطل. وبعض مراحل الطريقة الشرعية لإقامة الدولة الإسلامية، دولة الخلافة، قاصدين بذلك جلاء بعض الحقائق، وتركيز بعض المفاهيم، وكشف بعض المفاهيم التضليلية التي من شأنها تيئيس الأمة وتضييع جهودها. والله ولي التوفيق.

نائل أبو محمد 03-03-2012 09:09 PM

رد: التغيير حتمية الدولة الإسلامية, كتاب للكاتب محمود عبد الكريم حسن
 
السبت 10 ربيع الثاني 1433


(2)
طريق التغيير والنهوض
منذ أن انبثق فجر الإسلام والصراع بين الإيمان والكفر على أشده. لم يقف يوماً ولن يقف سواء أسُمِعَ فيه صليل السيوف أو هدير الطائرات أم لم يسمع.
بل إن الصراع بين الحق والباطل قد بدأ واشتد منذ خلق الله آدم وعلَّمه وأمره ونهاه فكان أمر الله ونهيه هو الحق، وكل ما خالفه أو صرف عنه هو الباطل.
لقد خلق الله آدم وزوجه وقال له: ويا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة فكلا من حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين (سورةالأعراف 7). ولكن زعيم الضلال والباطل وَسْوَسَ لهما وأزلهما وقال ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين  وقاسمهما إني لكما من الناصحين (سورة الأعراف 20ــ21) فكانت هذه أول عملية تضليل، وكان الله قد علَّم آدم أن الشيطان عدو له: وناداهما ربهما ألم أنهكما عن تلكما الشجرة وأقل لكما إن الشيطان لكما عدوٌّ مبين (سورة الأعراف 22).
إن دعوة الحق والإيمان تقوم على كشف الحقائق والتمسك بها، وعلى تمييز الصواب من الخطأ في كل مسألة أو قضية. فحقائق الأشياء هي التي تؤدي إلى الإيمان. ولذلك جاء الطلب إلى الإنسان في آيات كثيرة لينظر ويفكر في المخلوقات ليعرف الحقائق ويتمسك بها. فحقائق الأشياء هي التي تؤدي إلى معرفة الحق والصواب وتعصم من الزلل والخطأ، ومما يُبنى على ذلك من اتباع سُـبُل الشيطان.
قال تعالى: فلينظر الإنسان ممَّ خلق (سورة الطارق 5)، وقال: فلينظر الإنسـان إلى طعامه (سورة عبس 24)، وقال: أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت (سورة الغاشية 17)، وقال: سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسـهم حتى يتبين لهـم أنه الحق (سورة فصلت 53)، وقال: وفي الأرض آيات للموقنين  وفي أنفسكم أفلا تبصرون (سورة الذاريات 20ــ21)، وقال: إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار والفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس وما أنزل الله من السماء من ماء فأحيا به الأرض بعد موتها وبثَّ فيها من كل دابَّةٍ وتصريف الرياح والسحاب المسخر بين السماء والأرض لآيات لقوم يعقلون (سورة البقرة 164). وغير ذلك كثير من الآيات التي تدعو إلى النظر والتفكُّر.
ومَن جعل الحقائق أساساً لتفكيره، وبنى على ذلك بناءً سليماً فإن الله يوفقه للوصول إلى الحق. فالدعوة إلى الحق تزداد ثباتاً ويقيناً كلما ظهرت وتوضحت الأشياء على حقيقتها، والإسلام عندما طلب من الناس الإيمان، لم يطلب منهم أن يؤمنوا بشيء يتناقض مع الحقائق، أو لا يُبنى عليها بناءً سليماً.
فعندما أمر الله الناس أن يؤمنوا بالملائكة وبالكتب والرسل وباليوم الآخر وبالجنة والنار، وكل ما لا يمكن للعقل أن يستقل بالتثبت منه، فإنه لم يطلب ذلك إلا بعد أن أرسل رسولاً يخبرهم بهذه الحقائق التي لا تقع تحت الحس ولا تخضع للتفكير والنظر.
وعندما أرسل سبحانه وتعالى نبيه محمداً وسائر أنبيائه عليهم جميعاً الصلاة والسلام ليخبر الناس بالحقائق التي لا يمكنهم التوصل إليها بالعقل، وليخبرهم بأوامر الله ونواهيه، فإنه لم يرسل رجلاً ينطبق عليه ما ينطبق على كل رجل آخر من حيث الصدق والكذب أو النسيان أو الخطأ أو ما شابه ذلك، وإنما أرسل مع أنبيائه ورسله ما يدل على أنهم أنبياء ورسل، وما يمكِّن العقل من التوصل إلى استحالة احتمال الخطأ أو الكذب عليهم، فيما يبلّغونه عن الله تعالى. فأرسل معهم آيات محسوسة تشكل حقائق يستحيل معها أو بها إلا أن يكونوا صادقين، حقائق يؤدي إدراكها إلى معرفة الحق، ويؤدي التمسك بها إلى الإيمان وإلى سلوك سبيل الحق. فأرسل مع عيسى عليه السلام معجزات محسوسة لمن دعاهم تُحيل أن يكون غير مؤيد من الله. فأحيا الميت وأبرأ الأكمه والأبرص بإذن الله، وكانت له آيات أخرى.
وكذلك حصل مع سيدنا موسى عليه السلام، حيث أرسل، سبحانه وتعالى، معه آيات كثيرة كانقلاب العصا أفعى وفلْقِ البحر وتفجير عيون الماء، ويده التي خرجت من جيبه بيضاء من غير سوء بإذن الله.
وكذلك ما حصل مع نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم، فقد جعل له معجزات كثيرة، منها المعجزة الخالدة، القرآن الكريم الذي تحدى به الناس إلى يوم القيامة أن يأتوا بسورة من مثله فعجزوا وما زالوا عاجزين. فدل هذا على النفي القاطع لاحتمال عدم الصدق أو ما شاكله.
وهذه المعجـزات واقعـة تحت الحـس ويؤدي النظـر والتفكير فيها إلى القطع بالصدق، فيلزم عقلاً التصديق بكل ما جاء به الأنبياء، ومن ذلك ما جاءوا به من الغيبيات التي لا تخضع للبحث العقلي.
وهكذا خاطبت الآيات العقل داعية إلى اعتماد الحقائق، وطالبت المعاندين بالبراهين بعد أن دعت إلى النظر في الحقائق والوقائع المحسوسة، فقال تعالى: وإن كنتم في ريب مما أنزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله وادعوا شهداءكم من دون الله إن كنتم صادقين  فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا فاتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة أُعدتْ للكافرين (سـورة البقـرة 23). ولذلك فإن القرآن يدعو إلى النظر في واقع المخلوقات وإدراك حقائقها للتوصل بناءً على ذلك إلى الحق والصواب في كل قضية. ويقرر الحقائق المطلقة إن الدين عند الله الإسلام (سورة آل عمران 19). ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين (سورة آل عمران 85).
والأسـاس الذي يسـتـنـد إليـه أهل الإيمان والحق في الصراع بين الحق والباطل هو حقائق الكون والإنسـان والحياة، وحقائق دين الإسلام.
والدعوة إلى الحق يهمها بيان الأشياء والوقائع على حقيقتها. والدعوة إلى الباطل يهمها التعمية عن الحقائق وإدخال المغالطات عليها كي تخدع الحواس أو تفسد النظر الصحيح والتفكير السليم، وكي يُتَوَهَّمَ الباطل حقاً والحق باطلاً. ويهمها تزيين الباطل وتجميله والإغراء به كي يُقبل. وهذا ما صَوَّرَته الآية الكريمة: وكذلك جعلنا لكل نبيٍّ عدواً شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعضٍ زخرف القول غروراً (سورة الأنعام 112). وهكـذا فعـل إبلـيس عنـدما استـزل آدم عليه السـلام: فدلاّهما بغرور (سورة الأعراف 22)، فأزلهما الشيطان (سورة البقرة 36).
إن الحقيقة الماثلة والواضحة، والتي تختصر جوهر الصراع بين الحق والباطل هي أن أهل الباطل يزيّنون المغالطات والأضاليل والأخطاء، ويصورون أنها هي الحقائق، وهي سنن الكون والحياة، وسنن التقدم والتطور والنهضة، وهي الغياث والأمل والخلاص. ويعمدون إلى الحقائق فيشوهونها ويصورونها أباطيل ومخادعات أو أنها مستحيلات أو وهم وسراب...، ويعملون لتضليل الناس بمزاعمهم. قال تعالى: وإذ زيّن لهم الشيطان أعمالهم (سورة الأنفال 48). وقال: قال فرعون ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد (سورة غافر 29). ويشوهون الحقائق: إذ يقول الظالمون إن تتّبعون إلا رجلاً مسحوراً (سورة الإسراء 47)، وقال تعالى: ولقد نعلم أنهم يقولون إنما يُعلِّمه بشر (سورة النمل 103)، وقال: فقال إن هذا إلا سحر يؤثر  إن هذا إلا قول البشر (سورة المدثر 24ــ25)، وقال: فقال الملأ الذين كفروا من قومه ما نراك إلا بشراً مثلنا وما نراك اتبعك إلا الذين هم أراذلنا بادي الرأي (سورة هود 27)، وقال: حتى إذا جاءوك يجادلونك يقول الذين كفروا إن هذا إلا أساطير الأولين (سورة الأنعام 25).
إن من أبرز علامات الانحطاط وأخطرها، سواء على الأفراد أو الجماعات، التمسك بالأخطاء والأوهام والأباطيل وظنها حقائق وجعلها مفاهيم، فإذا صارت مفاهيم فستبنى عليها الأفكار؛ وسيبنى عليها السلوك والأعمال، التي تؤدي إلى اليأس والفشل والوقـوع في شـراك العـدو، وهذا هو الخـسـران ويتـولد عنـه حيرة واستسلام ومزيد من التردّي والانحطاط.
خذ مثلاً: الشعوب العربية والشعوب المسلمة في بلدان العالم الإسلامي، التي صدقت زعماءها وأكاذيبهم وتضليلاتهم عندما ادعوا أنهم يسعون إلى الوحدة العربية والوحدة الإسلامية، وإلى طرد الاستعمار وتحرير البلاد والعباد والقضاء على التخلف والقضاء على دولة يهود.
لم تدرك الأمة وشعوبها حينذاك أن حكامها أعداء لها ولدينها، وليسوا من جنسها وأنهم كذابون مخادعون، لم تدرك الأمة هذه الحقائق، فصدَّقتهم وصفَّقت لهم. ونلاحظ أن النتائج كانت بعكس الأهداف، فقد ازداد التخلف والفقر وتكرست الفرقة والتجزئة، والبلاد مرشحة لمزيد من الانقسام والشرذمة، وبدل طرد الاستعمار أقامت الدول الاستعمارية قواعد عسكرية كثيرة وأحكمت قبضتها على بلاد المسلمين. وسيطرت الدول الكبرى بشركاتها وقواتها وتشريعاتها على البلاد والعباد. وبدل تحرير فلسطين تم الاعتراف بدولة يهود وبحقها في الوجود الآمن، واتسعت رقعة الاحتلال، وصار كل فرد من أبناء الأمة الإسلامية يشعر كل يوم بامتهان كرامته وبخضوعه لعدوه.
نعم، إنه لخطير أن تُنَصِّبَ على نفسك حاكماً تعطيه قيادتك وتثق به، وهو في الحقيقة عدو لك. ولذلك كان مهماً إدراك حقيقة هؤلاء المتزعمين، وكذلك إدراك القناعات والمفاهيم التي تستعمل ليوزن بها الرجال والأعمال، فإذا كانت باطلة وخطأ فسـتؤدي إلى الثقة بالفاسدين واتباعهم في ضلالهم. وإن كانت صحيحة فستؤدي إلى كشفهم وكشف أعمالهم. لقد صدّقت الأمـة الأوهـام والترهـات والأضـاليل فوصـلت إلى ما هي فيــه من ضـعف وذل.
والواجب أن تدرك الأمة الحقائق من خلال البحث والنظر في حقائق الأشياء والوقائع وخصائصها، وفي حقائق الأهداف والشعارات المرفوعة، وفي حقائق المواقف والأعمال المتخذة والجارية، وليس من خلال النتائج التي تصل إليها بعد الدخول في تجارب الانقياد للرجال أو تجارب الاتباع للأفكار، لأن هذا يخرجها من هزيمة إلى هزيمة أكبر، ومن الانقياد لعدوٍّ ماكر إلى الانقياد لعدوٍّ أمكر. أولا يرَون أنهم يُفتنون في كل عامٍ مرةً أو مرتين ثم لا يتوبون ولا هم يذّكّرون التوبة 126.

نائل أبو محمد 03-03-2012 09:10 PM

رد: التغيير حتمية الدولة الإسلامية, كتاب للكاتب محمود عبد الكريم حسن
 
السبت 10 ربيع الثاني 1433

يتبع إن شاء الله

نائل أبو محمد 03-03-2012 09:11 PM

رد: التغيير حتمية الدولة الإسلامية, كتاب للكاتب محمود عبد الكريم حسن
 
السبت 10 ربيع الثاني 1433

لقد أخفى الطواغيت والعملاء والخونة حقيقتهم البشعة وغطوها بالأقوال الجميلة والشعارات المزخرفة، وعمدوا إلى من يكشف زيفهم، وزيف شعاراتهم وأسسهم الفكرية، فعملوا على خنق صوته وكمِّ فيه كي لا تظهر الحقيقة، وعلى إشاعة الاتهامات الباطلة عنه ومعاملته بالحديد والنار والقتل والسجن. وتلك أيضاً إحدى حقائق أو سنن الصراع بين الحق والباطل. فذلك رسول الله  اتهمه زعماء الكفر والباطل بأنه شاعر وبأنه كاهن وبأنه ساحر، وبأنه يعلّمه بشر، وبأنه يتلو من أساطير الأولين، وعذبوه وعذبوا أصحابه، ووثب زعماء الكفار من كل قبيلة على من أسلم منهم يعذبونهم ويفتنونهم عن دينهم. نعم تلك سنة من سنن الصراع بين الحق والباطل.
ومن تضليلات شياطين الإنس والجن ما يوحون به ويصوِّرونه من أن النهضة هي اللحاق بهم، وأخذ مناهجهم في الفكر والثقافة، ويساعدهم في ذلك الحكام العملاء ووسائل الإعلام والتعليم والمبهورون بهم من أبناء الأمة. وبذلك يصبح الكافر المستعمر مثلاً أعلى للمستعْمَرين. ويلهث هؤلاء لتكريس استعماره لهم ظانين أنهم يحاربونه. فمثلاً: يقولون إن شرط النهضة والتقدم والنمو هو الاستقرار الاقتصادي، وإن هذا يقاس بمتوسط دخل الفرد. والحياة الإنسانية الكريمة تقاس بهذا الدخل الذي يرسمون له حداً أدنى. ولتحقيق الاستقرار الاقتصادي لا بد من تنويع مصادر الدخل أو القيام بمشاريع معينة. وهكذا يطبق أتباع إبليس وذريته أضاليلهم على بلادنا وأمتنا. وأدواتُهم في ذلك حكامنا وعملاؤهم والمبهورون بهم من علمانيين وفسقة، يوجهون نصائحهم لكل بلد أو جماعة بالشكل الذي يحفظ مصالحهم، ويسلخ أمتنا عن عقيدتها ودينها.
جاء في القاموس السياسي الذي وضعه أحمد عطية الله: «الدولة النامية أو الدولة المتخلفة دولة لم تبلغ بعد مرحلة الاستقرار الاقتصادي الذي يعني أن متوسط دخل الفرد فيها دون المستوى اللائق بحياة إنسانية كريمة تحت ظروف بيئة هذا الإقليم... وقد درج رجال الاقتصاد والسياسة على تعيين حد أدنى لدخول الأفراد إذا انخفضت عنه اعتبرت الدولة متخلِّفة أو نامية... فالمشكلة الكبرى التي تواجه الدول النامية وهي رفع مستوى المعيشة ما زالت قائمة بالرغم من الجهود التي تبذلها بعضها... إن أهم ما يعترض نجاح خطط التنمية في الدولة المتخلفة والنامية أن الاقتراض من الدول المتقدمة يتم بشروط غير ملائمة... بالإضافة إلى مشكلة تزايد السكان في أكثر الدول المتخلفة والنامية» ص537.
وبهذه الأفكار والتعريفات الفاسدة، وبهذا التضليل تصبح مشكلة المسلمين أو غايتهم ليس تحرير بلادهم من الكفر وتطبيق دينهم وحمله إلى الناس، وليس مواجهة الكافر المستعمر وطرده، وإنما هي التنمية الاقتصادية، وإذا صدّق المسلمون هذا، فيجب عليهم الاستعانة بهذا المستعمر لأنه خبير ومتقدم اقتصادياً، فيضع لهم الخطط ويقدم لهم النصائح.
فعلى سبيل المثال: دولة مثل السعودية ركنت بتوجيهات حكامها إلى الأميركان وغيرهم من الكفار، ونصحها هؤلاء بأن عليها أن تعدد مصادر الدخل حتى تنهض، فلا يصح أن تحصر اعتمادها على البترول. وإذا أردنا أن نعدد مصادر الدخل في السعودية فبدل أن يكون الهدف إنشاء الصناعات الحديثة والمتقدمة، ينصحنا الشيطان الحريص علينا بأن سنة التقدم والتطور يجب أن تبدأ بالزراعة. وهكذا كان؛ فقامت السعودية ـ بمساعدة أهل التضليل ـ بوضع مشاريع استصلاح الصحارى وزراعتها، وزرعت القمح. وكانت النتيجة إنتاج القمح بتكاليف أضعاف مضاعفة عن سعره في الأسواق، ولكن، بما أن هذا ضروري لأجل النهضة، استمرت الدولة بتشجيع الزراعة، وأغرت الناس بأنها تشتريه منهم بأكثر من تكاليفه الباهظة، فلجأ الناس إلى استيراده أو تهريبه أو شرائه من الأسواق بسعره الطبيعي ثم بيعه للدولة. فأي عقل هذا الذي اقتنع بهذا التخطيط، وبأن هذا هو طريق النهضة ؟ أليس في هذا تعطيل للسمع والبصر والعقل ؟
أما في بلاد أخرى تصلح للإنتاج الزراعي كالسودان أو العراق أو سوريا أو غيرها، فهذه تبقى أرضها جرداء قاحلة، ولأجل التقدم والنهوض عليها أن تقوم بمشاريع أخرى تتعلق بالبنية التحتية أو محو الأمية، أو أعمال الخدمات. وينصحها أهل التضليل بخبرتهم بالقيام بمشاريع مكلفة تحتاج لقروض ويضعون الخطط لسنوات. وتمر السنوات، وإذا هذه المشاريع فاشلة خاسرة. وفوائد الديون تنوء تحت عبئها الشعوب. ويأتيك شياطين الإنس والجن وأتباعهم ليقسموا إنهم لمن الناصحين، وإن خططهم ناجحة ومضمونة، ولكنها لم تثمر لسبب آخر، وهو زيادة السكان، فإذا أردنا أن ننجح في خطط التنمية والنهوض، فإن ذلك متوقف على تقليل الولادات. وهكذا تتيه الشعوب وتدخل في دوامةٍ أخرى من دوامات الضلال والتردي. وتصرف الجهود والأموال لأجل إنجاح عملية تحديد النسل.
ومن خطط تنويع مصادر الدخل ورفع المستوى الاقتصادي تنشيط قطاع السياحة والخدمات، ولذلك فعلينا أن نشجع الفن ونقيم المعاهد الفنية ومسارح الرقص والخلاعة ونشجع استثمار الشطآن للبلاجات وأن نشجع الرذيلة والتفلُّت من أهداب الفضيلة والأخلاق بحجة التطور والتقدم. وأن نعيد بناء البنية التحتية ونضع التشريعات والقوانين التي تضمن للأجانب حقوقهم وتشجعهم على الاستثمار.
ولأجل استمرار عملية التضليل، وتعمية الناس عن حقيقة حكامهم وخططهم، خاصة وأن الأمة بدأت تتحسس عملية النهضة وتدرك حقيقتها، وأخذت الصحوة الإسلامية بالظهور والانتشار، يعمد شياطين الإنس والجن إلى تحريف أفكار الإسلام ومفاهيمه، وإلى تسويغ الكفر وتشريعاته وقوانينه بفتاوى ضالة. ولذلك نرى بعض حكامنا يحاولون إضفاء صفة الإيمان والإسلام على أنفسهم. ويستعملون في ذلك (العلماء !) الذين باعوا دينهم بدنياهم. وتُسَخَّر في ذلك أجهزة الإعلام لتسوِّغ الكفر وتزينه، وفي حين تمتلئ السجون بالعلماء والدعاة الذين يرجون رضا الله، ترى علماء السلاطين ووعاظهم، على الشاشات الأرضية والفضائية وفي المناسبات السلطانية، يقدمون الولاء للعملاء الكفرة والفسقة. ويوجهون الناس إلى القبول بهذه الأنظمة وسياساتها وخططها. فيضللون المسلمين عن حقيقة الغاية أو الفكرة الإسلامية، ويسوِّغون لهم واقع التجزئة والانقسام، ويفتون بجواز الصلح والسلام مع دولة يهود الغاصبة، ويروجون لما يلهي الأمة عن العمل لتحقيق الغاية الإسلامية، ويلهونها بأفكار كلامية ومواعظ مملولة، ويعملون كمعاول هدم في الأمة، فيصورون لها أن تحقيق الغاية الإسلامية وإقامة الخلافة هو أمر بعيد المنال، أو عفا عليه الزمن، أو أنه مِنَّة من الله تأتي دون عمل، أو أنه لا يمكن إلا بمجيء المهدي، فما على المسلمين إلا مصالحة الحكام والرضا بهم وإرضاؤهم إلى أن يأتي المهدي. وأما الذين يكشفون حقيقتهم وحقيقة أسيادهم، فهم يروّجون، بمساعدة إعلام أسيادهم، أن هؤلاء جهلة وإرهابيون أو عملاء وأصحاب مطامع شخصية.
إن على الأمة أن تدرك اليوم حقيقة هؤلاء (العلماء !) وأمثالهم من المفتين ووعاظ السلاطين مثلما أدركت حقيقة الحكام الذين يستعملونهم. فهم سواء في تزيين الباطل والترويج له، وفي إخفاء الحقائق والتعمية عليها. وإذا كانت الصحوة الإسلامية قد أجبرت الكفار وعملاءهم على إعطاء قسط للإسلام في أجهزة الإعلام، وسمحت بشهرة ما لبعض العلماء، فهي إنما تحرف الإسلام وتغير مفاهيمه وتنشر الضلال باسم الإسلام، وتلمّع من العلماء أولئك السذج الجهلاء والجبناء والضالين. أما المخلصون فهم خَطَر ويجب القضاء عليهم.
هذه الأمثلة من التضليل هي غيض من فيض. وما علينا إلا أن ننظر اليوم إلى النتائج. البلاد من أغنى البلاد ولكن أهلها من أفقر الناس. أهل البلاد حَمَلَة أعظم فكر في الدنيا، وهو وحده الفكر الصحيح، ولكنهم يستجْدون التشريعات من أهل الباطل ويتغنون بثقافتهم وبتقليدهم. أهل البلاد من أعز البشر وأكثرهم استعداداً للموت في سبيل الله، ولكن يذلُّهم أذل البشر من يهود وأشياعهم. المتعلمون و حَمَلَة الشهادات العليا بالملايين ولكنهم عاطلون عن العمل. أمة تزيد على المليار وثلث المليار، أمة واحدة، والأصل أنها دولة واحدة، ولكنها تزيد على خمسين دويلة، خلافاتها وصراعاتها أكبر منها، والـحَكَمُ في ذلك أميركا وفرنسا وبريطانيا، شياطين الإنس. أرض زراعية تطعم أضعاف أضعاف العالم ولكنها معطلة. متعلمون وعلماء وعقول بالآلاف بل بالملايين يستجدون وظيفة أو قبولاً في أميركا أو السويد أو ألمانيا...، مليارات كثيرة وذَهَبٌ كثير ولكن في بنوك الكفر يتمتع بها أتباع إبليس وذريته، علماء وأئمة ومصلون لا يحصَوْن ولا يعدون ولكن غثاء كغثاء السيل...
نعم، إنها النتيجة الحتمية لتعطيل الفكر وأخذ (الحقائق) من أهل الباطل. يَعِـدُهم الشيطان ويمنّيهم وما يعدهم الشيطان إلا غروراً (سورة النساء 120). ألم أعهد إليكم يا بني آدم أن لا تعبدوا الشيطان إنه لكم عدو مبين (سورة يونس 60). وكل هذا التضليل مترافق مع التعمية عن الحقائق، فزعماء الباطل حريصون على أن لا يتنبه المسلمون إلى حقيقة النهضة كيف تحصل. ولذلك فهم حريصون على أن لا تلتفت الأمة إلى عقيدتها وشريعتها. عقيدتها التي هي التفسير الصحيح وحده للأشياء. والتي هي أول عوامل وحدتها وأعظمها، وشريعتُها التي هي مصدر معالجات كل مشاكلها، وهي من أهم عوامل وحدتها أيضاً، وهي التي توجه الناس إلى الحكم الصحيح وتوحدهم في نظرتهم، فتعيّنُ لهم من هو العدو ومن هو الصديق، وما هو الحسن وما هو القبيح، وتأمرهم بأن يتمسكوا بالحقائق كما هي.
إن الأعداد الهائلة للمسلمين اليوم، وأراضيهم الواسعة، وثرواتهم التي لا تنضب وملياراتهم التي لا تحصى كانت عليهم نِقمة بدل أن تكون نعمة. فالنهوض ليس بالمال والثروة وليس بالاقتصاد، وليس بكثرة العلماء.
وعندما كان المسلمون يحملون عقيدتهم حملاً فكرياً وسياسياً استطاعوا بسنوات قليلة أن يكونوا أعظم وأكبر أمة في العالم، وأن يكونوا الدولة الأولى في العالم. وهذا يدلنا على أهمية وجود فكر أساسي ينبثق منه نظام أو أنظمة وقوانين تعالج كل ما ينشأ من حاجات أو مشكلات، في الواقع أو في النفس. فكيف إذا كان هذا الفكر صادقاً وصحيحاً ومطابقاً لحقائق الأشياء والوقائع كما هو الإسلام. قال اهبطا منها جميعاً بعضكم لبعض عدو فإما يأتينكم مني هدىً فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى  ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكاً ونحشره يوم القيامة أعمى  قال رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيراً  قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى  وكذلك نجزي من أسـرف ولم يؤمـن بآيـات ربـه ولعذاب الآخـرة أشـد وأبقى (سورة طه 123-127).
إن طريق التغيير والنهوض تبدأ بالنظر والتفكير بحقائق الكون والإنسان والحياة، أي بالوعي الفكري وبالتمسك بالحقائق والتنبه للمغالطات التي تصرف عن الحقائق وتوقع في الضلال. وهذا التمسك بالحقائق طريق إلى الإيمان، وطريق بعد ذلك إلى إدراك كل الوقائع على حقيقتها، وهو ميزان لكل الناس ولكل المواقف ولكل الطروحات.
ورحم الله الشيخ تقي الدين النبهاني حيث قال: «لا بد من تصـحـيح المفـاهيـم للأشـياء عند الناس كافة» (التكتل الحـزبي ص20). وقال: «لا بد من لفت النظر إلى أمرين: أحدهما: المغالطات التي تحصل في الحقائق، والثاني: المغالطات التي تصرف عن الحقائق... ولذلك لا بد من الانتباه للمغالطات ولا بد من التمسك بالحقائق والقبض على الحقيقة بيد من حديد، ولا بد من العمق في الفكر والإخلاص في التفكير للوصول إلى الحقائق» (التفكير ص88).
فعلى المسلمين أن يتنبهوا لما يروَّج بينهم من أفكار وآراء ومناهج وخطط وتعريفات وأن ينقدوها ويمحصوها ليركلوا الخطأ والبـاطـل منـهـا. قـال تعـالى: قل انظـروا ماذا في السـماوات والأرض (سورة يونس 101). وقال: قل أندعو من دون الله ما لا ينفعنا ولا يضرنا ونُـرَدُّ على أعقابنا بعد إذ هدانا الله كالذي استهوته الشياطين في الأرض حيران له أصحاب يدعونه إلى الهدى ائتنا قل إن هـدى الله هو الهـدى وأُمرنا لنسـلم لرب العـالمين (سورة الأنعام 71).

نائل أبو محمد 03-03-2012 09:13 PM

رد: التغيير حتمية الدولة الإسلامية, كتاب للكاتب محمود عبد الكريم حسن
 
(3)
حقـائق وأباطيل
يخشى الطواغيت وأتباعهم اهتداء الأمة إلى الطريق الصحيح للتغيير والنهوض، فهذا نذير بالقضاء على باطلهم وظلمهم، والتضليل والقضاء على دعاة الحق مسألة مصيرية عندهم. ولذلك فبعد أن هدموا الدولة الإسلامية، مزقوا البلاد وأقاموا بدلاً منها دويلات كثيرة نصَّبوا عليها نواطير. وقاموا بأعمال سياسية روجوا فيها لعملائهم وصوروهم أبطالاً وزعماء تحرير ونهضة، وبطشوا بكل عمل وتحرّكٍ مخلص.
وقد عمل هؤلاء النواطير وزبانيتهم مع أسيادهم على المزيد من تضليل الأمة لأجل القضاء على الإسلام، فكثرت الحركات العلمانية والشيوعية، ومُنعت الدعوة إلى الإسلام إلا بشكل مدروس يهدف إلى تنفيس العمل المخلص الصحيح ويخدم التضليل. وعُرِضَ الكفر باسم الإسلام، وغُـيِّبتْ أفكار الإسلام ومفاهيمه المتعلقة بالحكم والسياسة، وطمست الأحكام المتعلقة بالطريقة، حتى صار الإسلام غريباً بين أبنائه. وصارت الأمة الإسلامية دولاً متباغضة، وظهرت العصبيات القومية والوطنية، وصار لكل دولة أو دويلة نظام وقضية متناقضة مع ما لغيرها، وأثيرت القضايا الخلافية والنـزاعات، وزُرعت دولة يهود كخنجر في قلب الأمة. وبما أن الإسلام عقيدة وشريعة وتؤمن به الأمة كلها، عمد الكافر وعملاؤه إلى التضليل بكثير من الأفكار والآراء: من ذلك أن الإسلام لا دخل له بالسياسة، وأنّ وحدة الأمة الإسلامية أمر غير عملي بل مستحيل. وأنّ إقامة الدولة الإسلامية، دولة الخلافة، أمر مستحيل.
وجوب العمل السياسي:
أما أن الإسلام لا دخل له بالسياسة، فقالوا إن الإسلام دين ولا دين في السياسة ولا سياسة في الدين، وإن السياسة كذب وغش وخداع وتقوم على الغدر والمؤامرات ومثل هذا يجب تنـزيه الدين عنه... وعليه فالتدين مسألة خاصة وفردية ولها رجالها وأماكنها الخاصة. والأعمال السياسية ونُظُم العلاقات تدار بمعزل عن الدين، ويتولى أمرها الكفار والعلمانيون والفسقة.
وهذا كله أباطـيل، فليس هذا هـو واقع السـياسـة، وإنما هو هكذا عند الدول القائمة على النفـعـيـة وعلى فلسـفة ميكيافيلّي التي تجعل الغاية تبرر الوسـيلة. وفي الحـقيقة فإن السياسة هي رعاية شؤون الناس، ورعاية الشؤون لا تتم إلا بحسب أفكار وأنظمة وقوانين. والسياسة في الإسلام هي رعاية شؤون الناس بتطبيق أحكام الإسلام عليهم.
وإذا كان واقع السـياسـة اليوم أنها تقوم على الكفـر والظـم وانعدام القيم والأخلاق، فهذا لا يعني ترك العمل السياسي أو تحريمه، وإنما يعني إنكار هذا المفهوم للسياسة، والإنكار على هكذا (سياسيين) والعمل لإزاحتهم، وإعطاء الولاء والتأييد للسياسيين المخلصين الذين يعملون لتطبيق الإسلام، ورعاية شؤون الناس بحسب أحكامه.
والسياسيون الذين يتحكمون اليوم برقاب الناس ويطبقون الكفر هم حفنة من أهل الباطل ومن الدجالين والمرتشين الذين يأكلون أموال الناس بالباطل ويرهقونهم ويقودونهم إلى الذل والهلاك والخضوع لعدوهم. وهؤلاء يروّج الإعلام لهم ولأباطيلهم لأنه لهم ومن جنسهم، والباطل يروّج لفصل الإسلام عن السياسة وعن الحياة من باب الحرب على الإسلام.
السياسة في الإسلام هي رعاية شؤون الناس بالإسلام، والإسلام هو أعظم شريعة لرعاية شؤون الناس، وهو وحده الحق والعدل لأنه من عند الله، وكل ما عداه فهو باطل وطاغوت. والإسلام هو من عند الله الذي خلق الإنسان ويعلم ما يُصلِحه ويَصلُح له وما يفسده ويضرّه. قال تعالى: ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسـوس به نفسـه ونحـن أقرب إليه من حبل الوريد (سورة ق 16). وقال: ألا يعـلـم مـن خـلـق وهـو اللطيـف الخـبيـر (سورة الملك 14). وقال: إن هـذا القـرآن يهـدي للتي هي أقوم (سورة الإسراء 9).
وكيف يقال بفصل الدين عن السياسة أو السياسة عن الدين، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم رئيساً للدولة الإسلامية، ورئيساً لرعاياها مسلمين وغير مسلمين ؟ ألم يكن سياسياً ؟ من الذي كان يرعى شؤون الناس ويفضّ المنازعات ويأمر بالمعالجات ويقضي بين الناس ويبين الحقوق وينفذ العقوبات ؟ من الذي كان يجهّز المجاهدين والجيوش ويقودها ؟ ومن الذي كان يعقد المهادنات أو الصلح أو يقرر الحرب ؟ وكذلك، ألم يكن أبو بكر  رئيساً للدولة الإسلامية يطبق الإسلام ويحمي المسلمين ويمنع من الخروج على النظام ويرسل الجيوش ؟ أَوَليس كذلك كان عمر بن الخطاب ، وكذلك عثمان بن عفان وعليّ بن أبي طالب رضي الله عنهما ؟
ونحن مأمورون بالاقتداء بالنبي  والتأسي به. قال تعالى: لقد كان لكم في رسول الله أسوةٌ حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيراً (سورة الأحزاب 21).
فعلى المسلمين أن يدركوا أن السياسة هي رعاية شؤون الناس بتطبيق الإسلام عليهم داخل دار الإسلام، وبحمل دعوته إلى الناس خارج دار الإسلام. وتطبيقُ الإسلام لا يمكن بغير دولة إسلامية. وتطبيق الإسلام فرض وهو عمل سياسي، والعمل لإيجاد الدولة الإسلامية التي تطبق الإسـلام فرض وهوعمل سياسي. فالسـياسـة جزء من الإسـلام والعمل السـياسـي فـرض من فروض الإسلام.
والعمل السياسي يجب أن يكون على أساس الإسلام. فلا يجوز أن يكون على أسس مثل الديمقراطية أو العلمانية أو الوطنية أو القومية، فهذه كلها مناقضة للإسلام. وهي من أفكار الكفر ودعوات الكفار.
وكون العمل السياسي على أساس الإسلام يعني أنه لا بد أن يشتمل على بيان الحقائق والدعوة إليها، والتحذير من الأكاذيب والأضاليل، وأن يشتمل على بيان واقع الحكام والسياسيين الكفرة والفجرة والفسقة والعمل لتغييرهم، وأن يشتمل على بيان واقع الأنظمة المطبقة على المسلمين والعمل لإزالتها، ووضع الإسلام مكانها موضع التطبيق.
أما المشاركة مع هؤلاء الحكام في أعمالهم، ومع هذه الأنظمة في حكمها فهو منكر. وإن زُعِمَ أنه لخدمة الإسلام والمسلمين فهذا تضليل. قال تعالى: وأنِ احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك (سورة المائدة 49)، وقال: فلا تطع الكافرين وجاهدهم به جهاداً كبيراً (سورة الفرقان 52).
وحدة الأمة الإسلامية:
ومن الأباطيل التي يروجها أهل الباطل فكرة استحالة وحدة الأمة الإسلامية، وذلك بهدف تيئيس الناس من هذه الحقيقة، وإذا يئس الناس من تحقيق أمر فإنهم لن يعملوا له وسيرضون بغيره وبما هو دونه. ولذلك أمعن حكامنا في التضليل والتقتيل، وأثاروا النـزاعات والعداوات بين المسلمين، وغذوا أفكار التجزئة تحت اسم الاستقلال وتقرير المصير، وصارت الأمة الإسلامية مزقاً وقطعاً عربية وتركية وفارسية... وتعددت الولاءات بثقافات وأصول مختلفة فرعونية وفينيقية وغير ذلك. وأثاروا أباطيل من ترهاتهم وجهلهم سموها فكراً وتنظيراً، مثل أن المسلمين تتعدد لغاتهم وتتعدد أصولهم العرقية والقومية، وتختلف مشاكلهم وقضاياهم التي أمعن الشياطين في افتعالها وتغذيتها، وتدخلوا لتكريس الانقسام والقضاء على فكرة الوحدة بحجج مثل حل النـزاع، وحقوق الإنسان وحق تقرير المصير والديمقراطية وما شاكل ذلك مما لا يحتاج إلى بيان.
وإن ما يجب أن يدركه كل مسلم ويعمل على أساسه هو أن الأمة الإسلامية أمة واحدة مهما اختلفت أعراقها أو لغاتها ومهما بلغ تعدادها، فهذه حقيقة وهي أمر واجب شرعاً. وإذا كان ذلك غير متحقق الآن، وتحول دونه عقبات، فالواجب العمل على تحقيقه وإزالة كل عقبة في سبيله. وإذا كان بعض المسلمين أو كثير منهم قد خُدعوا وحُمِّلوا أفكاراً تحمل على التباغض والتباعد، فيجب الدعوة إلى الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لإزالة هذه الأباطيل والأضاليل، ولغرس الأفكار الإسلامية الصحيحة. يقول تعالى: واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرّقوا (سورة آل عمران 103). ويقول: إنما المؤمنون إخوة (سورة الحجرات 10). ويقول: إن أكرمكم عند الله أتقاكم (سورة الحجرات 13). ويقول: وإنّ هذه أمتُكم أمةً واحدةً وأنا ربكم فاتقون (سورة المؤمنون 52). وإذا كان الدين واحداً والملة واحدةً، والدين عقيدة وشريعة تتناول كافة شؤون الفرد والجماعة، فهذا يجعل المسلمين أمةً واحدةً حتماً وآلياً. روى أحمد في مسنده عن النبي  قال: «المسلمون من قريش ويثرب ومن تبعهم فلحق بهم وجاهد معهم أمة واحدة من دون الناس» وقال : «مثل المؤمنين في توادّهم وتراحمهم وتعاطفهم مثلُ الجسد إذا اشتكى منه عضو تـداعى له سائر الجسـد بالسهر والحمى» (متفق عليه)، وقال: «المسلمون كرجل واحد إن اشتكى عينُه اشتكى كلُّه، وإن اشتكى رأسُه اشتكى كلُّه» (رواه مسلم)، وقال : «أيها الناس ألا إنّ ربكم واحد وإنّ أباكم واحد، ألا لا فضلَ لعربي على عجمي ولا عجمي على عربي ولا لأسود على أحمر ولا لأحمر على أسود إلا بالتقوى. ألا هل بلَّغتُ ؟ قالوا: نعم. قال: فليبلِّغ الشاهدُ الغائبَ» (ذكره القرطبي في تفسيره وقال خرّجه الطبري)، وقال : «... المسلم أخو المسلم لا يخذله ولا يحقره، التقوى ههنا (ويشير إلى صدره ثلاث مرات) بِحَسْبِ امرئٍ من الشر أن يحقر أخاه المسلم، كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه» (رواه مسلم وأخرجه ابن ماجه)، ويقول  عن العصبيات القبلية والوطنية والقومية وأمثالها: «دعوها فإنها منتنة» (رواه مسلم). وغير ذلك من شواهد النصوص والأحوال. ولكن أهل الباطل والضلال يريدون القضاء على أمتنا فينصحوننا مثل نصيحة إبليس لآدم، وقد أخبرنا الله تعالى عنهم بقـولـه: إن تمسسكم حسنة تسؤهم، وإن تصبكم سيئة يفرحوا بها (سورة آل عمران 120). وبقـولـه: قد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفي صدورهم أكبر قد بينّا لكم الآيات إن كنتم تعقلون (سورة آل عمران 118). ونحن نـلمس ونعـاني مما آل إليـه أمرنـا في ظـل هـيمنتهـم واستبداد عملائهم بنا.
فنحن نُـذبَح ونُشرَّد أفراداً وجماعات، ولا يجد المسلم قدرةً أو حيلة لتقديم العون لأخيه على بعد كيلومترات أو أمتار منه، يستضعفنا من شاء من الأنذال والأرذال في فلسطين ولبنان وسورية والعراق والبوسنة والهرسك وكوسوفا والشيشان وإندونيسيا وأوزبيكستان وغيرها، والحبل على الجرار إن لم نغير الحال. وتنقل لنا أنظمتنا وأجهزتها أخبار مذابحنا ومشاهدها وكأن لا علاقة للمسلمين ببعضهم. والله تعالى يقول: والمؤمنون والمؤمنات بعضـهم أولياء بعـض (سـورة التوبة 71). ويقول: وإن استنصروكم في الدين فعليكم النصر (سورة الأنفال 72).
على المسلمين في كل أنحاء العالم أن يدركوا ويؤمنوا بحقيقة أن المسلمين أمة واحدة من دون الناس. وأن يتمسكوا بهذه الحقيقة الشرعية والحتمية، وأن يعملوا على أساسها وأن ينبذوا كل أساس آخر مهما كان الأمر ومهما كلف الثمن.
المسلمون أمة واحدة، هذه حقيقة قطعية وحتمية طالما ظل المسلمون مسلمين. وهي حتمية وليست فقط ممكنة. ووحدتنا كمسلمين هي الأمر البدهي والعملي والضروري ويمكن تحقيقها بسرعة لا تخطر على بال، شرط أن يسار في الطريق الصحيح لذلك، لا أن نسير خلف تضليلات الدول المستعمرة الكافرة وتضليلات حكامنا وأجهزتهم وحركاتهم المصطنعة وأبواقهم، ولو خادعونا بالوحدة أو بالسير على طريقها.
أما اللغة والعرق واللون والأصل والمشكلات والقضايا الآنية، فهذه كلها لا تحدد أو تعـطـي أي فكر أو مفهوم أو موقـف، فهي لا تعطـي فكرة عن وجـود الخـالق أو عن نبـوة محمد صلى الله عليه وآله وسلم أو عن يوم القيامة أو الجنة أو النار. ولا يعـطـي أي منها حكماً للحـج أو الصـيام أو الصـدق أو الأمانة... ولا للخمر أو الخـنـزير، ولا يحـدد أي منهـا موقفاً من اليهود أو غيرهم، ولا تعطي أي تشريع.
والمشكلات والقضايا لا تحدد أي موقف أو تشريع، فهي ليست مصادر للتشريع أو المعالجات، وإنما هي تحتاج إلى معالجات. والمعالجات مصدرها الفكر الأساس والمنهج التشريعي ونصوصه، أي فقط نصوص القرآن والسنة.
إن الوحدة بين الناس تقوم على وحدة الأفكار والأنظمة والقوانين التي يؤمن بها الناس، وعلى وحدة المشاعر الكامنة في وجدانهم أو الظاهرة عليهم.

نائل أبو محمد 03-03-2012 09:16 PM

رد: التغيير حتمية الدولة الإسلامية, كتاب للكاتب محمود عبد الكريم حسن
 
السبت 10 ربيع الثاني 1433

يتبع إن شاء الله
الى هنا يكون وسط الصفحة 51 من الكتاب .. للعلم فقط .

نائل أبو محمد 03-03-2012 09:19 PM

رد: التغيير حتمية الدولة الإسلامية, كتاب للكاتب محمود عبد الكريم حسن
 
والأمة الإسلامية، رُغْمَ كل ما حل بها، فإن عوامل وحدتها أقوى من عوامل فرقتها. إن عوامل الوحدة هي العقيدة التي تفسر الكون والإنسان والحياة وتبين علاقة هذه الأشياء بما قبلها وما بعدها، والتي تعطي نظاماً للحياة، وهي متوفرة بتمامها وكمالها في الإسلام.
والمسلمون يؤمنون بالإسلام وبنبيه وبرسالته. وتاريخ الإسلام تاريخ لهم جميعاً، وسيرة نبيِّهم أسوة لهم يتذاكرونها ويحرصون عليها، ورجالات الإسلام كأبي بكر وعمر وعثمان وعلي وغيرهم، رضي الله عنهم، رجالاتهم. وهم جميعاً يمارسون شعائر الإسلام معاً، والأحكام الشرعية التي توحدهم لا تحصى. فكلهم ينتظرون رمضان معاً ويصومونه معاً، وتهوي أفئدتهم إلى البلد الحرام، يتوجهون إليه في زمن واحد وأيام واحدة، بل في ساعات واحدة، يلتقون من كافة أطراف الأرض يقومون بالشعائر نفسها، ويرددون الأقوال نفسها، يطوفون ويدعون وينحرون ويشدّون الرحال إلى مسجد رسول الله  للصلاة فيه وللتسليم على الرسول في المدينة المنورة أرض أول دولة إسلامية، ويتذكرون ويتذاكرون بدء دعوته وإصراره وصبره ونصره، ويعودون إلى بلادهم وذويهم يحدثون بالأخبار نفسها ويتلقون التهاني. فحال المسلمين واحدة في كل أنحاء العالم، ويرتفع فيهم أذان: (الله أكبر) بالطريقة نفسها والمنهج نفسه، وكلهم يتوقون إلى وحدة الأمة، وإلى عز الإسلام والمسلمين، وإلى تحرير المسجد الأقصى وفلسطين وسائر بلاد المسلمين. هذا غيض من فيض، وهو حال المسلمين في كل أنحاء العالم. ومن شذ منهم ممن استحوذ عليه الشيطان فشرذمة ارتدت على أعقابها فشذوذها إلى النار.
نعم إن الإسلام عقيدة عقلية وأفكار وأحكام تصنع أمة حقيقية واحدة، وتصهر أي شعب أو قوم ليكونوا جزءاً من الأمة ومن جنسها.
فلا يُغَرَّنَّ أحد بأكاذيب أهل الكفر والضلال ومزاعمهم، ولا بالإعلام المزوِّر أو التاريخ المزوَّر الذي يرفع الأنذالَ الأرذالَ ويحط الكرامَ الخيار.
إن سبب هذه التجزئة وهذه الهزائم هو وجود هذه الأنظمة وأجهزتها وأباطيلها. والوحدة الإسلامية تقوم على أنقاض هذه الأنظمة الطاغوتية، والمسلمون يملكون طاقة عظيمة لتحقيقها، وهي كامنةٌ اليوم بفعل الظلم والفتك والتضليل.
خذ مثلاً مشاعر المسلمين في كل أنحاء العالم تجاه ما يجري للمسلمين في أفغانستان والشيشان وكوسوفا وفلسطين وغيرها... وأقول مشاعرهم ولا أقول أعمالهم، لأنهم يملكون مشاعرهم وأحاسيسهم وإيمانهم، ولكنهم لا يملكون قوتهم وإرادتهم، فهذه مسلوبة وهي بأيدي أنظمة الكفر وشياطين الإنس. ولذلك رأينا المسلمين في كل أنحاء العالم يتوقون ويتحرقون لنصرة إخوانهم في كل مكان يتعرضون فيه للظلم والأذى. وقد رأيناهم في كل أنحاء العالم الإسلامي يثورون ويزمجرون يريدون نصرة إخوانهم في القدس وفلسطين أثناء انتفاضة المسجد الأقصى، ولكنهم كالأسود المكبَّلة، يزمجرون داخل أقفاص هؤلاء الحكام العملاء الخونة، أعداءِ الأمة، المشاركين في ذبح المسلمين وإذلالهم وفي تضييع بلادهم ومقدساتهم، وقد رأيناهم يشاركون الأميركان والإنجليز ورؤوس الكفر ضد العراق حرباً وحصاراً... ويتجاهلون ذبح المسلمين في شتى البقاع.
إن الأمثلة والشواهد كثيرة، وكلها تؤكد حتمية وحدة الأمة الإسلامية التي لا يقف في طريقها إلا هذه الأنظمة الكاذبة الدعية التي تتحول إلى كلاب مسعورة إذا أدركت الأمة حقائق الإسلام واستعدت للتضحية في سبيلها.
إقامة الدولة الإسلامية:
أما التضليل باستحالة إقامة الدولة الإسلامية واستمرارها، فالكفار لا يدّخرون في سبيل ذلك وسعاً. فيختلقون الأباطيل عن مفاسد الخلافة ويطمسون الحقائق ويزوّرون التاريخ ويبطشون بالدعاة، ويركزون عَبْرَ إعلامهم المضلِّل على فُرقة المسلمين وضعفهم، وعلى إمكانيات الكفار وقواهم الهائلة. ويجعلون من بعض عملائهم الذين رفعوا شعارات إسلامية للتضليل، وأوقعوا المسلمين في هزائم وتراجعات، يجعلون منهم نماذج بارزة وقيادات تحريف للإسلام وانحراف بالمسلمين، ما يساعدهم على تيئيس المسلمين وإشاعة أجواء الإحباط.
وإذا تمكن اليأس من قلوب بعض المسلمين فسينصرفون عن هذا العمل ولن يعملوا على إقامة الدولة الإسلامية.
ولما كانت النصوص الشرعية دالّة على عودة دولة الإسلام وسلطانه وعزه، فإن المسلمين يصدّقون بهذه العودة، ولكنا نلاحظ في الذين تمكن منهم اليأس أنهم يقولون إن هذا ليس في عصرنا، ولكن بعد مئات السنين أو بعد أجيال أو عندما يأتي المهدي... وهذا بدوره يساهم في الإحباط، وتروّج له الأنظمة بإعلامها وعملائها، ومن هؤلاء العملاء علماء السلاطين ومفتو الأنظمة، وعلماء الشاشات التلفزيونية المعتمَدون من هذه الأنظمة، الذين يوجهون أو يضللون المسلمين للاهتمام بشؤونهم الخاصة وبعباداتهم فقط. أما الدولة الإسلامية فهي مِنّة من الله تأتي عندما يريد دون عمل من الناس، وأما معاداة الأنظمة اليوم فهي من قبيل الجهل أو الإرهاب. ومن هؤلاء أيضاً (العلماء !) أو الحركات التي تزعم أنها إسلامية، وتقوم بأعمال التأييد للأنظمة والسكوت على منكراتها، وتقدم لها الولاء وتتظاهر بالمعارضة في أمور تافهة، وتسوِّغ أعمالها بحجج مثل المصلحة، أو العجز والواقعية، وبذلك كله، وبغيره، ينحرف المسلمون عن فكرة الدولة الإسلامية والعمل لإيجادها ويرضون ببدائل تزيد الضلال ضلالاً، والضعف ضعفاً وتضيف إلى الهزائم هزائم جديدة.
ولذلك لا بد أن يدرك المسلمون حقائق الواقع وحقائق الشرع، وأن يَزِنوا كل فكر أو منهج أو رأي أو رجُل بميزان الحق.
إن تطـبيق الإسـلام وحمل دعوته فرض. وهذا غير ممكن إلا بكيان سياسي يؤمن به ويطبقه ويمنع من الخروج عليه أو الانتقاص من سيادته. أضف إلى ذلك أن وجود هذا الكيان هو جزء من أحكام الإسلام. وقد حرم الإسلام تطبيق أي نظام أو قانون غير مأخوذ من الإسلام، وجعل ذلك احتكاماً إلى الطاغوت. والرضى به كفر. قال تعالى: ألم تَرَ إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أُمِروا أن يكفروا به ويريد الشـيطان أن يضلهم ضلالاً بعيداً (سورة النساء 60).
والأنظمة القائمة اليوم في العالم الإسلامي كلها من المنكر، بل هي رأس المنكر. ويجب شرعاً هدمها وإزالتها لتقام على أنقاضها الدولة الإسلامية، دولة الخلافة، التي هي دولة واحدة لكل المسلمين في العالم، قال : «من خلع يداً من طاعةٍ لقيَ اللّـهَ يومَ القيامة لا حُجّة له، ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتةً جاهلية» (رواه مسلم)، وقال أيضاً: «من أتاكم وأمركم جميع على رجل واحد يريد أن يشق عصـاكم أو يفـرّق جماعـتـكم فاقـتـلـوه»، وقال: «إنه سـتـكون هَنـات وهنـات، فمن أراد أن يفرق هذه الأمة، وهي جميع، فاضربوه بالسيف كائناً من كان» (رواهما مسلم وأبو داود والنسائي).
وتطبيق الإسلام وحمل دعوته لا يمكن إلا بقوة تؤمِّن سنداً وحماية للتطبيق والدعوة. ومجموع الكيان السياسي الذي يطبق الإسلام مع القوة التي تحافظ عليه وتحميه هو الدولة.
فالدولة الإسـلامية هي الكيان السياسي الذي يقوم بتطبيق الإسلام في الداخل، ونشره في العالم عن طريق الدعوة والجهاد. أي أن الدولة الإسلامية هي الكيان التنفيذي لإقامة الدين الإسـلامي كاملاً. ولذلك فإيجـاد الدولـة الإســلامية يعـني بإجمـال إيجاد أمرين:
الأول: إيجاد رأي عام يسوده الإيمان بالإسلام ويمتلك وعياً عاماً على وجوب الالتزام به وتطبيقه وإيجاد دولته وحمايتها.
والثاني: إيجاد قوة أو سلطة تحقق تطبيق الإسلام وحمايته وتمكينه من نشر دعوته في العالم.
وهذان الأمران هما محور العمل الإسلامي الجاد لإقامة الدولة الإسلامية، وهما محور الصراع مع الكفر وأنظمته وزبانيته.
ولا بد من الإشارة هنا إلى أنه لا يمكن العمل على إيجاد القوة لتطبيق الإسلام قبل إيجاد وعي عام عليه في المجتمع، وأجواء له واستعداد لتطبيقه. وكذلك لا يمكن إعلان دولة إسلامية قبل وجود رأي عام إسلامي يريد وجودها ويدعمه، ويراها حقاً وواجباً وحلاً صحيحاً لواقعه وقضاياه. ولا يقال إن المسلمين موجودون وهم الأمة الإسلامية قاطبة وعقيدتهم إسلامية، لأن المطلوب أن يكونوا مسلمين واعين على الإسلام، غير مضللين بشأن وجوب تطبيقه أو وجوده السياسي أو شكل هذا الوجود. فإذا كان المسلمون ينادون بوطنياتهم أو قومياتهم أو بفصل الدين عن الحياة أو بالديمقراطية... وينخدعون بحكامهم أو بأنظمتهم أو بعلماء السلاطين أو ما شابه ذلك، فهم بذلك غير جاهزين ومخدوعون بأباطيل تفقدهم طاقتهم الإسلامية الروحية الهائلة.
فإذا وُجِدَ الوعي العام الصحيح بشأن إقامة الدولة الإسلامية، وصار استئناف الحياة الإسلامية ووجود الدولة الإسلامية مطلباً للمسلمين، وجب حينئذٍ إيجاد القوة التي يُقام بها كيان دولة الإسلام، ويُزال سند الكفر وقوته، ويطبق الإسلام.
وهذا يعتمد على مدى انتشار الفكرة الإسلامية، وفكرة وجود دولة تطبقها. وهذا يحتم على حَمَلَة الدعوة للإسلام، أي لإيجاد دولة الخلافة، أن تكون أفكارهم ومشاعرهم ومواقفهم متعاونة في كافة أنحاء العالم، والعالم الإسلامي بشكل خاص، والعالم الذي يحضِّرون لإقامة دولة الخلافة فيه بشكل أخص. وهذا بدوره يوجب وجود حزب سياسي إسلامي يجعل إقامة الدولة الإسلامية أي الخلافة، هدفاً له، ويتخذ أفكاراً وأحكاماً شرعية موحدة له، ويعمل لإيجادها في الأمة وإيجاد وعي عام عليها وأجواء لها، ويجب أن يستمر في ذلك ليجعلها مفاهيم ومطلباً للأمة الإسلامية وخاصة في المجال أو الأماكن التي يحددها لتكون نقطة ارتكاز للدولة الإسلامية.
أما الأمر الثاني وهو القوة الانقلابية وإمكانياتها، فإنه يشترط فيها القدرة على حماية تطبيق الإسلام من الداخل والخارج واستمرار هذا التطبيق. وبمقدار النجاح في تحقيق الأمر الأول يكون النجاح في تحقيق الأمر الثاني.
وهذا كله ليس مستحيلاً كما يصوِّر شياطين الأنظمة وأسيادهم وعملاؤهم، بل إن معظم هذه الأنظمة الكافرة الموجودة لم تصل إلى الحكم إلا عن طريق انقلابات أو قوى عسكرية فرضت نفسها على الناس، والفارق فيها أنها لم تكن تعتمد على أفكار المواطنين وقواهم، وإنما كانت، وما زالت، تستند إلى قوى دول كافرة استعمارية. ولذلك فأمثال هذه الدول الطاغوتية لم تحتجْ إلى عمل سياسي في الأمة لتحميلها أفكاراً ما، لأنها استندت إلى قوى من خارج الأمة فكانت عميلة وخائنة. أما الدولة الإسلامية فتستند إلى قوى المسلمين، ولذلك وجب العمل السياسي لتحميل الأمة الفكر الإسلامي الذي يدفعها لتقديم الولاء للخلافة والتضحية في سبيلها. وحتى تكون الدولةُ إسلاميةً حقاً وتمتلك إرادتها، فيجب أن يكون المسلمون هم مصدر قوتها وأداة حفظها وحمايتها.
ونكرر القول: إن الدولة الإسلامية هي كيان تنفيذي للإسلام. ولا يمكن تنفيذ شيء في الدنيا إلا بقوة قادرة على ذلك. ولإيجاد هذه القوة قد تتعدد الآراء. والواقع أنه قد كثرت التجارب، منها الساذج ومنها غير ذلك، ومنها المخلص ومنها غير ذلك. والضروري المحتَّم أنه لا بد من الاعتناء بهذا الأمر والتفكير فيه بإخلاص وصدق مع دوام التمسك بالهدف من إيجاد هذه القوة. فليس المطلوب، مثلاً، إيصال حزب أو حركة أو جماعة أو رجل إلى الحكم، وإنما المطلوب هو إيصال الإسلام إلى الحكم وتطبيق الإسلام، والحكم بما أنزل الله، وإقامة الدين الإسلامي كاملاً من غير تحريف أو تنازل بحجة الظروف أو التطوير أو التجديد أو ما شاكل.
والعمل لإيجاد هذه القوة، وهو الأمر الثاني، يعني الحصول عليها من مصادرها ومواقع وجودها المختلفة في الأمة، ودفعها بالعقيدة وبأفكار الإسلام لتكون خادمةً للإسلام وتطبيقه وحمل دعوته. فلا تُطلَب هذه القوة حيث لا توجد، فلا تطلب من المستضعفين من المسلمين، ولا يُركن في ذلك إلى أعداء الإسلام والمسلمين أو الخونة ومواضع الريبة.
هذا البحث عن القوة وطلبها لتكون خادمة لتطبيق الإسلام وخاضعة لأحكامه هو ما يسمى طلب النصرة. وهو يعني القيام بتغيير انقلابي وتطبيق الإسلام في المجال الذي يحصل فيه إعطاء النصرة تطبيقاً كاملاً شاملاً.
وهذا الطريق عملي وفعَّال، ولا سبيل غيره شرعاً، ولا سبيل غيره عملياً، وهو ما فعله النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وبه أعلن الدولة الإسلامية. أما كيفية إيجاد هذه القوة أو النصرة، وكيفية حصول النبي  عليها، وهو جانب أهمله المسلمون بفعل تضليل الأنظمة وعملائها وبخاصة (علماء) السلطة ووعاظ السلاطين، فهذا ما سنبينه بالتفصيل في الحلقة التالية إن شاء الله.

تعالى: وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنّهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكننَّ لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدِّلنّهم من بعد خوفهم أمناً يعبدونني لا يشركون بي شيئاً (سورة النور 55).
وقال عزَّ من قائل: ونريد أن نمنَّ على الذين اسـتـضـعفـوا في الأرض ونجعلـهم أئمـة ونجعلـهم الوارثين  ونمكِّـنَ لهم في الأرض ونُريَ فرعونَ وهامانَ وجنودَهما منهم ما كانوا يحذرون (سورة القصص 5ــ6).

نائل أبو محمد 03-03-2012 09:20 PM

رد: التغيير حتمية الدولة الإسلامية, كتاب للكاتب محمود عبد الكريم حسن
 
السبت 10 ربيع الثاني 1433
يتبع إن شاء الله
مسألة طلب النصرة ص 61 ، للعلم فقط .

نائل أبو محمد 03-03-2012 09:23 PM

رد: التغيير حتمية الدولة الإسلامية, كتاب للكاتب محمود عبد الكريم حسن
 
(4)
طلـبُ النُّصْـرَة
قلنا في الحلقة السابقة إن الدولة الإسلامية هي كيان تنفيذي للإسلام. ولا يمكن تنفيذ شيء في الدنيا إلا بقوةٍ قادرةٍ على ذلك. فإلزام الناس بنظام أو قانون، وحماية دولة سواء من الداخل أو من الخارج يلزمه قوة قادرة على ذلك.
وإذا كانت الأفكار التي يراد إيجاد دولة على أساسها قد صار لها وجود وانتشار، وصار الناس يرون أن حَمَلَة الدعوة إلى إقامة الخلافة وتطبيق الإسلام هم أهل الحق، وأن أعداءهم هم أهل الباطل، فيجب إذاً إيجاد القوة التي تسند وتحمي تطبيق الإسلام. والتفكير الجاد والمخلص يجب أن يتركز على كيفية إيجاد هذا السند. وتشير الوقائع والمحاولات إلى طُرُقٍ نُجْمِلها بثلاث:
الأولى: أن يتم استمداد الدعم والقوة من جهة تملكهما ضمن صفقة يتم التنازل فيها عن بعض الأفكار أو الأحكام الشرعية، أو يتم فيها تحقيق مصالح لتلك الجهة تجعل تطبيق الإسلام مشروطاً أو منقوصاً، أو تجعل الدولة خاضعة لمن يقدم لها القوة والحماية، وذلك كأن يُعتمَد على الدعم من دولة أخرى لإسقاط النظام. ومثل هذا ـ إذا حصل ـ يجعل الدولة الجديدة مسـتندة إلى الكفار أو العملاء، وبالتالي فهي لن تطـبق الإسـلام إلا بمقدار ما يسمح به الكفار أو العملاء. وستطبق الكفر، وتنتهي وتزول عندما ينتهي دورها الذي يحدده لها من قدم لها القوة والحماية.
وهذه الطريقة خطأ وباطلة. إذ الهدف أن يصل الإسلام إلى الحكم، وليس رجال ظاهرهم إسلامي. والتنازل عن تطبيق الإسلام أو بعضه هو استبدال كفر بكفر. ووضع شروط على الدولة من أية جهة يعني أن لهذه الجهة سلطاناً عليها. وهذا حرام، قال تعالى: ولن يجعل الله للكافريـن على المؤمنيـن سـبيـلاً (سورة النسـاء 141) وقال: ولا تركنـوا إلى الذين ظلموا فتمَسَّـكم النار وما لكم من دون الله من أوليـاء ثم لا تنصـرون (سـورة هـود 113). وقال : «لا تستضيئـوا بنار المشركين» (رواه أحمد والنسائي).
وقد رفض النبي صلى الله عليه وآله وسلم مثل هذه الصفقات كأن يجعلوه ملكاً ويسوِّدوه. أو أن يعبدوا إلهه سنة ويعبد آلهتهم سنة.
ونجد الذين استندوا إلى أنظمة الكفر في مواجهة الكفر آل أمرهم إلى هزائم أكبر. فالمجاهدون في أفغانستان ركنوا إلى دعم من أميركا بواسطة باكستان والسعودية، فحققوا لأميركا مصلحتها في طرد الروس وأخفقوا في ما نادوا به من دولة إسلامية، ووقعوا في شراك الشيطان وبراثنه.
والمنظمات الفلسطينية التي استمدت القوة والدعم من الأنظمة العميلة والكافرة، زعمت أنها تثور لأجل فلسطين وصدقتها غالبية أهل فلسطين، فإذا هم يتنازلون عن الأرض ويعترفون بسيادة دولة يهود عليها وبحقها في الوجود الآمن ويعملون شرطة عند اليهود.
وتلك الصفقة بين المسمى الشريف حسين بن علي مع الإنجليز مقابل إعلانه خليفة بدل الخليفة العثماني، فانخدع وأعلن الثورة على الخليفة وعلى جيوش المسلمين وساهم في إسقاط الخلافة، فحقق للإنجليز هدفهم ولم يحصل الخائن على شيء، بل رُفِعت أعلام بريطانيا وفرنسا فوق البلاد الإسلامية، ومُزِّقت دولة الخلافة، وخلَّفَ لنا الشياطينُ وأولياؤهم هذه الدويلات الهزيلة العميلة، وهؤلاء الحكام الأنذال الخونة.
لهذا، ولغيره، فإن هذه الطريقة في إيجاد القوة محرَّمة وباطلة وخطِرة، ويجب أن تدرك الأمة واقعها لتنصرف عنها. وهي طريق الشيطان فلا تتبع خطواته ولا تقع في أحابيله بل تحْذره وتحاربه، ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدوٌّ مبين (سورة البقرة 168).
الطريقة الثانية: هي أن يعمد حَمَلَة الدعوة أو تعمد الحركة إلى بناء قوةٍ مادية ذاتية ليواجهوا بها قوة الباطل ليهزموها ويقيموا دولة الإسلام. وهذه الطريقة وهمية وغير ممكنة، فالمال والسلاح والعسكر والإعلام والأدوات والأجهزة هي بأيدي دولة الباطل. وما يمكن بناؤه ذاتياً ضئيل جداً بالنسبة لما تملكه دولة الباطل، إضافة إلى ما يأتيها من مدد في مقابل حصار دعوة الحق، إذ الدول كلها عدوة للإسلام.
وهذه الأنظمة ليس ثمة ما يمنعها من قصف المدن والناس وإبادتهم إذا أحست بخطر الإسلام، ويتم هذا بتشجيع وتعتيم من كل الأنظمة القائمة.
ومثل هذا الصراع المادي العسكري يجعل حَمَلَة الدعوة بحاجة إلى مدد مالي وعسكري وفني دائم يحول دونه الضعفُ وأعباءُ الحياة. والحصول عليه يرهن من يقوم به لمن يقدم له العون، ويفتح طريق الشيطان لتسويغات لا وجود لها شرعاً. ويحرك العملاء المتظاهرين بالتدين ليقدّموا مثل هذا العون فتقع الدعوة في شراك الكفر. وهذا ما حصل في أفغانستان ومصر والجزائر وفلسطين ولبنان وسورية...
إن مثل هذه الطـريقة في بناء القـوة لتطـبيق الإسـلام وحمايته مبنيةٌ على حماسةٍ تفتقر إلى حسن النظر، أو على أوهامٍ وحساباتٍ موغلة في الخطأ، أو نصائح من المضللين الذين يهمهم تحويل الصراع إلى صراع قوى مادية، تتغلب فيه دولة الباطل، ويهمهم تحييد الصراع العَقَدي والفكري الذي تنكشف فيه أضاليل دولة الكفر وزعمائها وأكاذيبهم وخياناتهم.
لذلك كان من الخطأ والسذاجة أن يقع حَمَلَة الدعوة في فخ تحويل الصراع إلى صراع مادي أو عسكري، أو إدخال هذا العنصر فيه. ونحن نرى النبي صلى الله عليه وآله وسلم طوال فترة الصراع في مكة، حيث كانت السلطة بيد زعماء الكفر، نراه حيّد الصراع المادي والتزم بالصراع الفكري والكفاح السياسي رغم تعذيب المشركين لأتباعه، ورغم تجمد المجتمع في وجه دعوته، ورغم ميل بعض الصحابة أحياناً إلى استعمال القوة. وعندما عُرض عليه هذا العمل عند بيعة العقبة قال: «لم نؤمر بذلك» (سيرة ابن هشام). وقد بيّن الله تعالى أن المسلمين كانوا ممنوعين من هذا العمل في مكة، قال تعالى: ألم تر إلى الذين قيل لهم كفوا أيديكم وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة (سورة النساء 77).
ولا يقال هنا: إن أهل الإيمان يُعِدّون ما يستطيعون معتمدين على إيمانهم: كم من فئة قليلةٍ غلبت فئة كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين (سورة البقرة 249)، ولا يحسب أي حساب للفرق في القوى المادية مهما كان شاسعاً. لا يقال ذلك لأن هذا ليس موضع هذا القول. فالرسول  رفض استعمال القوى المادية في مثل هذا الواقع، فيكون عمل الرسول  هو الحكم الشرعي لهذا الواقع. ولقد أكدت وقائع كثيرة أن مثل هذا العمل إما أن ينتهي إلى اليأس والخمود وإما أن يتسلم زمامه دخلاء مدسوسون ويستمرون به ليؤدي خدمات للكفار باسم الإسلام والدعوة. وتستغل الأنظمة القائمة هذا الأمر بشكل خبيث يبرئها ويشوه الحقائق وحَمَلَة الدعوة ويضلل المسلمين.
وعلى ذلك فإن هذه الطريقة في إيجاد القوة لإعلان الدولة الإسلامية خطأ وخطر، وهي تستهلك حَمَلَة الدعوة وتشوِّه الدعوة، وفيها منكرات، وتؤدي إلى اليأس.
الطريقة الثالثة: وهي تحويل القوى الموجودة في المجتمع أو بعضها لتصبح سنداً لدعوة الحق بدل أن تكون سنداً للباطل ونظامه. وذلك بأن يقوم أهل القوة والمنَعة في المكان الذي يتم التحضير والإعداد لإقامة الدولة فيه، أو بعضهم، بوضع قواهم وإمكانياتهم لتكون سنداً للحق ولتطبيق الإسلام. فكما أن الحقائق تؤثر في أفكار الناس ومفاهيمهم وولاءاتهم، والدعوة إلى الإسلام تخرج الناس من الظلمات إلى النور، وتحولهم إلى مؤيدين ومناصرين لدعاة الحق، وإلى حَمَلَة دعوة، وإلى أعداء ومبغضين للأنظمة الحاكمة، كذلك الأمر نفسه حيث يتم تحويل هذه الفئة من الناس إلى حماة لتطبيق الإسلام. وهذا يحتاج إضافة إلى استمرار الدعوة إلى الإسلام بالصراع الفكري والكفاح السياسي، وسقي الأمة بمفاهيم الإسلام وأفكاره، يحتاج إلى أن توجَّه الدعوة إلى هذه الفئة توجيهاً مركزاً وفق برنامج خاص ليكونوا مستعدين لتقديم ولاء كامل لتطبيق الإسلام كاملاً بلا أي شرط. وهذا هو طلب النصرة. والقوة المطلوب أخذ ولائها لهذه الفكرة هي بالقدر اللازم والكافي لإعلان الدولة وبسط سلطانها ومنع الخروج عليها وحمايتها من الداخل والخارج.
وهذه القوى التي يراد تحويلها هي من قوى الأمة أصلاً، جرى تضليلها فكرياً حتى صارت ترى الحق باطلاً والباطل حقاً، أو لا ترى. فبالدعوة والمثابرة، وبالحكمة، والصبر، وببيان الحقائق يتم تغيير الأفكار وتبديل الولاءات، وباستمرار المد الفكري الإسلامي في الأمة، وربط الأمة بعقيدتها وبدينها، وبدعوتها إلى اتباع طريقة النبي  في إقامة الدولة الإسلامية، يحصل الانقلاب في ولاء ذوي القوة والمنعة ويندفعون لإعطاء ولائهم ونصرتهم للإسلام وللحزب الذي يقوم على أساس عقيدة الإسلام ويهدف إلى إقامة الخلافة.
وهذه الطريقة، أي طلب النصرة، لا تعتمد على خوارق أو معجزات، ولا على وسائل أو أدوات غير متوفِّرة، ولذلك فهي حل واقعي أي عملي، وهي السبيل الفعال والموصـل إلى الغاية، ولا سبيل غيره.
وهذا الطريق لا يجعل إرادة الدولة الناشئة مرهونة لجهة تعطيها القوة والسند، ولا يجعل طالب النصرة مرهوناً لمن ينصره، ولا يجعل تطبيق الإسلام مشروطاً أو منقوصاً. وقد رأينا النبي صلى الله عليه وآله وسلم، رغم كل ما تحمّله مع صحبه من معاناةٍ وأذىً، ورغم تجمُّد المجتمع في وجه الدعوة، لم يتنازل عن شيء ولم يبدِّل وإنما لجأ إلى طلب النصرة، وظل يطلبها حتى حصل عليها من أهل المدينة المنورة. فهاجر صلى الله عليه وآله وسلم إليها، وكان وصوله إعلاناً للدولة الإسلامية.
وطلبُ النصرة هذا ليس مجرد عمل سياسي ناتج عن فهم دقيق للحقائق، وإنما هو حكم شرعي دلت عليه النصوص، فهو الطريقة الشرعية لإقامة الدولة الإسلامية. وهذا ما سنعرضه الآن ـ إن شاء الله ـ بشيء من التفصيل.
بعد أن أعلن النبي صلى الله عليه وآله وسلم الدعوة في مكة ثار المشركون على المسلمين يعذبونهم ويفتنونهم عن دينهم، فهاجر بعض المسلمين إلى الحبشة فراراً بدينهم، وعُذِّبَ بلال وعمار وضرب أبو بكر حتى كاد يموت، وجاء عقبة بن أبي معيط إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يصلي فخنقه بردائه لولا أن أبا بكر خلصه منه. (رواه البخاري 3678، فتح الباري 7/22).
وهكذا أُعلنت الحرب على النبي  ودعوته وصحبه. وتجمد مجتمع مكة في وجه الدعوة، ولم يعد يؤمن إلا من قد آمن.
ومما جاء في صعوبة هذه المرحلة أن سعيد بن جبير سأل عبد الله بن عباس: أكان المشركون يبلغون من أصحاب رسول الله ما يُعذَرون به في ترك دينهم ؟ فقال: «نعم والله إنْ كانوا ليضربون أحدهم ويجيعونه ويعطشونه حتى ما يقدر أن يستوي جالساً من شـدة الضر الذي نزل به...». (سيرة ابن هشام. الروض الآنف ج2).
وجاء في صحيح البخاري: «عن خَبّاب بن الأَرَتّ قال: شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو متوسد بردة في ظل الكعبة، فقلنا: ألا تستنصر لنا ؟ ألا تدعو لنا ؟ فقال: قد كان من قبلكم يؤخذ الرجل فيحفر له في الأرض فيجعل فيها، فيجاء بالمنشار فيوضع على رأسه فيجعل نصفين، ويمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه وعظمه فما يصده ذلك عن دينه، والله ليتمن الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله والذئب على غنمه ولكنكم تستعجلون».
وهكذا يتجمد المجتمع في وجه الدعوة، ويبلغ الأذى حداً لا يحتمل، ويمضي النبي  بدعوته، لا تبديل ولا تغيير ولا مهادنة ولا مساومة بتثبيت ورعاية من الله سبحانه وتعالى: ولولا أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئاً قليلاً  إذاً لأذقناك ضعف الحياة وضعـف الممات ثم لا تجـد لك علينا نصـيراً (سـورة الإسـراء 74ــ75)، يمضي مطبقاً شعاره «والله لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر حتى يظهره الله أو أهلك فيه ما تركته» (سيرة ابن هشام).
وينتفخ زعماء قريش بتجمد الاسـتجـابة للدعوة، ويعلن أبو جهل لقريش: «امضوا على دين آبائكم حتى يحكم الله بيننا وبينه» (سيرة ابن هشام، الروض الآنف ج2).
في هذا الحال أمر الله تعالى نبيه بطلب النصرة. جاء في فتح الباري (ج7/ ص220): أخرج الحاكم وأبو نعيم والبيهقي عن عليِّ بن أبي طالب  قال: «لما أمر الله نبيه أن يعرض نفسه على القبائل خرج وأنا معه وأبو بكر إلى منى» وروى ابن كثير عن علي  قال: «لما أمر الله نبيه أن يعرض نفسه على قبائل العرب خرج وأنا معه وأبو بكر حتى دفعنا إلى مجلس من مجالس العرب» والعرض على القبائل يعني أن يعرض النبي صلى الله عليه وآله وسلم نفسه ودعوته على رؤساء القبائل ليقدموا الحماية والسند له ولدعوته. فطلب النصرة هذا ليس مجرد رأي أو أسلوب، وإنما هو حكم شرعي أمر الله به نبيه فهو العلاج الشرعي أو الطريقة الشرعية لتحقيق هدف شرعي.

نائل أبو محمد 03-03-2012 09:25 PM

رد: التغيير حتمية الدولة الإسلامية, كتاب للكاتب محمود عبد الكريم حسن
 
السبت 10 ربيع الثاني 1433
يتبع إن شاء الله
وبهذا وصلنا الى ص 70 وسطها ..
ولا زلنا في مسألة طلب النصرة .

نائل أبو محمد 03-03-2012 09:28 PM

رد: التغيير حتمية الدولة الإسلامية, كتاب للكاتب محمود عبد الكريم حسن
 
وطلب النصرة هو السبيل الشرعي ولا سبيل غيره، يدل على ذلك قيام الرسول  به، واستمراره في ذلك، وعدم الحيد عنه إلى أي طريق آخر، رغم ما كان يلقاه فيه من صدٍّ وردٍّ، ورغم أن كل السبل الدنيوية المنظورة قد سدت في وجهه .
ويخبرنا النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن ذلك وعن حال الدعوة عندما أمره تعالى بطلب النصرة وما كان يلقاه من الناس ومن الذين كان يطلب منهم النصرة. سألته عائشة رضي الله عنها ذات يوم عن أصعب يوم في حياته وهي تظن أنه يوم أُحد. قالت: هل أتى عليك يوم كان أشد عليك من يوم أحد ؟ فقال لها: «لقد لقيت من قومك ما لقيت وكان أشدَّ ما لقيت إذ عرضت نفسي على ابن عبد ياليل بن عبد كلال وهو من أكابر أهل الطائف. فلم يجبني إلى ما أردت، فانطلقت وأنا مهموم على وجهي فلم أستفق إلا وأنا بقرن الثعالب» (رواه البخاري). فهو كان يطلب الحماية والدعم من أهل النفوذ والمنعة (أكابر أهل الطائف)، ولكنهم ردوه شر رد وأغروْا به غلمانهم وسفهاءهم وأدموْا قدميه الشريفتين بالحجارة. ولم يجد  نصيراً ولا حامياً فهام على وجهه وهو لا يستطيع دخول مكة. وهنالك دعا دعاءه المشهور: «اللهم إليك أشكو ضعف قوتي وقلة حيلتي وهواني على الناس. يا أرحم الراحمين أنت رب المستضعفين وأنت ربي. إلى من تكلني ؟ إلى بعيد يتجهمني أم إلى عدو ملكته أمري، إن لم يكن بك عليَّ غضب فلا أبالي، ولكن عافيتك هي أوسع لي، أعوذ بنور وجهك الذي أشـرقت له الظلمات وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة من أن تنـزل بي غضبك أو يحل علي سخطك، لك العتبى حتى ترضى ولا حول ولا قوة إلا بك» (سيرة ابن هشام).
وهكذا يعلن النبي  أن لا عدول عن طاعة الله واتباع أمره ولو كانت السبل والأسباب الدنيوية مسدودةً بنظر العبد. وقد بينت النصوص بوضوح أن النبي  كان يطلب النصرة لأمرين: الأول: أن يحموه ويمنعوا عنه الأذى حتى يستطيع أن يبلغ الرسالة ويدعو إلى الله في جو من الطمـأنينة. والثاني: أن يبذلوا له ما لديهم من قوة وإمكانية ليتمكن بها من إقامة دولته.
أمّا الأمر الأول فيتبين من وقائع عدة: يقول ابن إسحاق: «فكان رسول الله يعرض نفسه في المواسم على قبائل العرب يدعوهم إلى الله وإلى نصرته ويخبرهم أنه نبي مرسل ويسألهم أن يصدّقوه ويمنعوه حتى يبين عن الله ما بعثه به» (سيرة ابن هشام) ويقول ابن القيم في زاد المعاد: إن النبي  لبث عشر سنين يتبع الناس في منازلهم في المواسم ومجنة وعكاظ يقول: «من يؤويني وينصـرني حتى أبلغ رسالات ربي وله الجنة فلا يجد أحداً ينصـره ولا يؤويه».
ومن هذه النصوص أيضاً ما رواه الحاكم عن جابر في المستدرَك على الصحيحين قال: «كان رسول الله  يعرض نفسه على الناس... فيقول: هل من رجل يحملني إلى قومه فإن قريشاً قد منعوني أن أبلغ كلام ربي ؟ قال: فأتاه رجل من بني همدان فقال: أنا. فقال: وهل عند قومك منعة ؟ قال: نعم. وسأله من أين هو فقال: من همدان. ثم إن الرجل خشي أن يخفره قومه ـ أي ينقضوا عهده ـ فاتى رسول الله  فقال: آتي قومي فأخبرهم ثم ألقاك من عام قابل. قال: نعم». فهذا طلب النصرة بمعنى الحماية لنفسه ليتمكن من الدعوة والتبليغ.
وأما الأمر الثاني: وهو طلب النصرة من أجل الحكم وليس التبليغ فقط فتدل عليه نصوص، منها: (لما قدمتْ بكر بن وائل للحج قال رسول الله  لأبي بكر: «ائتهم فاعرضني عليهم» فأتاهم فعرض عليهم فقال لهم: كيف العدد فيكم. قالوا: كثير مثل الثرى. فقال: كيف المنعة فيكم ؟ فقالوا لا مَنَعَة، جاورنا فارس فنحن لا نمنع منهم ولا نجير عليهم. فاكتفى رسول الله  بتذكيرهم بالله وأخبرهم أنه رسول الله).
ومن ذلك أيضاً المفاوضة التي جرت بين النبي  وبين أشراف بني عامر بن صعصعة حيث قال أحدهم: (جاءنا فتى من قريش يزعم أنه نبي يدعونا إلى أن نمنعه ونقوم معه ونخرج به إلى بلادنا) وقال المفاوض من بني صعصعة: (أرأيت إن نحن تابعناك على أمرك ثم أظـهرك الله على من خالفـك أيكـون لنا الأمر من بعدك ؟) قال: «الأمر لله يضـعه حيث يشـاء». فقال له: (أَفَنُهْدِفُ نحورنا للعرب دونك فإذا أظهرك الله كان الأمر لغيرنا لا حاجة لنا بأمرك فأبوا عليه) (سيرة ابن هشـام والسيرة الحلبية ج2 وتاريخ الطبري ج2). وهذا يدل على عدم قبول النصرة المشروطةً إذا كانت نصرة لأخذ الحكم.
ومن ذلك أيضـاً الحـوار الذي جرى بين النبي  وأبي بكر من جهة وزعماء بني شـيبـان من جهةٍ أخرى. وهذه جمل من ذلك الحوار كما جاء في كتاب الروض الانف في تفسير السيرة النبوية لابن هشام:
أبو بكر يسأل: كيف العدد فيكم ؟
يجيب أحد زعمائهم واسمه مفروق: إنا لنـزيد على الألف ولن تغلب ألف من قلة.
أبو بكر: كيف الـمَنَعَة فيكم ؟
مفروق: علينا الجهد ولكلّ قومٍ جد.
أبو بكر: كيف الحرب بينكم وبين عدوكم ؟
مفروق: إنا لأشد ما نكون غضباً لحين نلقى. وإنا لأشد ما نكون لقاءً حين نغضب. وإنا لنؤثر الجياد على الأولاد والسلاح على اللقاح. والنصر من عند الله يديلنا مرة ويديل علينا. لعلك أخو قريش؟
أبو بكر: أَوَ قد بلغكم أنه رسول الله ؟ فها هو ذا.
مفروق: قد بَلَغنا أنه يذكر ذلك. ثم يتجه نحو الرسول  قائلاً: فإلامَ تدعو يا أخا قريش ؟ فتقدم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: «أدعو إلى شهادة أن لا إله إلا الله وحده لا شـريك له وأني رسـول الله وأن تؤووني وتنصروني فإن قريشاً قد ظاهرت على أمر الله وكذبت رسوله...» فقال مفروق: والله لقد أفك قوم كذبوك وظاهروا عليك.
ثم تكلم المثنى بن حارثة أحد شيوخهم فقال: ... إنا نزلنا على عهد أخذه علينا كسرى أن لا نحدث حَدَثاً ولا نؤوي مُحْدِثاً، وإني أرى هذا الأمر الذي تدعونا إليه مما تكرهه الملوك، فإن أحببت أن نؤويك وننصرك مما يلي مياه العرب فعلنا. فقال : «ما أسأتم بالرد إذ أفصحتم بالصدق وإن دين الله لن ينصره إلا من حاطه من جميع جوانبه» فهذا الحوار واضح أنه لأجل الحكم، وواضح أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يقبل النصرة منقوصةً.
وهذه الأفعال من النبي صلى الله عليه وآله وسلم هي بيان لكيفية العمل لإقامة حكم الله في الأرض في واقع تكون السلطة فيه للكفر ويكون الدعاة إلى الله مستضعفين. وإقامة حكم الله فرض، والعمل لأجل ذلك فرض، فيكون الفعل المبيِّن لذلك فرضاً مُلْزِماً. وإن كانت محاولات عديدة من النبي  لم تؤت ثمارها، كما بينا آنفاً فإن النبي  لم يحِدْ عن تلك الطريقة، واستمر يأتي القبائل ويطلب النصرة حتى أخذها من مسلمي يثرب.
جاء في كتب السيرة كالروض الانف وتاريخ الطبري، وفي زاد المعاد وغيره: في أحد مواسم الحج قدم رهط من الخزرج إلى مكة. فلقيهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم ودعاهم فصدّقوه وأسلموا ثم عرض عليهم ـ كما كان يعرض على غيرهم ـ أن يحملوه إليهم وينصروه حتى يبلّغ رسالة الله. ولكنهم كانوا على خلاف مع الأوس بسبب ما كان بينهم من حرب، وأحسوا أن خروجه معهم سيدفع الأوس إلى رفض دعوته، فقالوا له: «... إنا اليوم متباعدون متباغضون، فإن تقدم علينا اليوم ولم نصطلح لم يكن لنا جماعة عليك ونحن نواعدك الموسم من العام القابل»، فرضي النبي صلى الله عليه وآله وسلم. ورجعوا إلى قومهم يدعونهم سراً. وفي العام التالي جاؤوا في موسم الحج حسب الموعد. وكانوا عشرة من الخزرج واثنين من الأوس، واجتمع النبي صلى الله عليه وآله وسلم بهم وعقد معهم بيعة العقبة الأولى وهي المسماة بيعة النساء. ولما انصرفوا بعث معهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مصعب بن عمير يقرئهم القرآن ونجح مصعب في هداية كثير من أهل المدينة، وكَسْبِ عددٍ من قياداتها، وصار الإسلام معروفاً فيها، ولم يبق عشيرة إلا وفيها مسلم أو مسلمون. بل إن سعد بن معاذ أدخل كل عشيرته في الإسلام رجالاً ونساءً. هذا في المدينة. أما في مكة فالحال كما نعلم. وعلم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بذلك فَسُرَّ به. وبدأ يفاوض مسلمي المدينة للقدوم إليهم ليس فقط للتبليغ، وإنما لتسلُّم الحكم. وقد كانوا يعلمون أن النصرة التي يطلبها منهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم تعني الحرب على الجميع، ولذلك كانوا في البداية غير مستعدين لها. إلا أن وضع النبي والمسلمين في مكة دفعهم لأن يبحثوا هذا الأمر. فعقدوا مؤتمراً في المدينة وقرروا أن يذهبوا إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم ويبايعوه على كل ما يطلب ويشترط. روى البيهقي عن جابر قال: «فائتمرنا واجتمعنا سبعين رجلاً منا، فقلنا: حتى متى رسول الله  يُطَرَّدُ في جبال مكة ويخاف. فرحلنا حتى قدمنا عليه». وضرب لهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم موعداً سِرِّياً وذلك في أوسط أيام التشريق بعد ثلث الليل عند العقبة بعد فراغهم من الحج ليبايعوه. قال كعب بن مالك رضي الله عنه: «فلما فرغنا من الحج وكانت الليلة التي واعدَنا رسول الله  لها... فنِمنا تلك الليلة مع قومنا في رحالنا، حتى إذا مضى ثلث الليل خرجنا لميعاد رسول الله  نتسلّل تسلل القطا مستخفين حتى إذا اجتمعنا في الشعب عند العقبة ونحن ثلاثة وسبعون رجلاً ومعنا امرأتان... اجتمعنا ننتظر رسول الله  حتى جاءنا...» ولما جاء النبي صلى الله عليه وآله وسلم كلموه وكلمهم وسألوه وأجابهم ثم بايعهم وبايعوه وتكلم كثير من الأنصار في هذا الاجتماع المهم. ومما قيل فيه: قال صلى الله عليه وآله وسلم: «أبايعكم على أن تمنعوني مما تمنعون منه نساءكم وأبناءكم» فأخذ البراء بن معرور يده وقال: «نعم والذي بعثك بالحق لنمنعنك مما نمنع منه أزرنا، فبايعنا يا رسول الله فنحن والله أهل الحروب وأهل الحلقة ورثناها كابراً عن كابر». وتحدث العباس بن نضلة فقال: «هل تدرون علامَ تبايعون هذا الرجل ؟ قالوا: نعم. قال: إنكم تبايعونه على حرب الأحمر والأسود من الناس» وجاء في زاد المعاد لابن القيِّم ما نصه: «عن جابر: إن النبي  لبث بمكة عشر سنين يتبع الناس في منازلهم في المواسم ومجنة وعكاظ، يقول: من يؤويني، من ينصرني حتى أبلغ رسالات ربي وله الجنة ؟ فلا يجد أحداً ينصره ولا يؤويه حتى إن الرجل ليرحل من مضر إلى اليمن إلى ذي رَحِمِهِ، فيأتيه قومه فيقولون له: احذر غُلام قريش لا يفتنك، ويمشي بين رجالهم يدعوهم إلى الله عز وجل وهم يشيرون إليه بالأصابع، حتى بعثنا الله من يثرب فيأتيه الرجل منا فيؤمن به ويقرئه القرآن فينقلب إلى أهله فيسلمون بإسلامه، حتى لم يبقَ دار من دور الأنصار إلا وفيها رهط من المسلمين يظهرون الإسلام. وبعثنا الله إليه فائتمرنا واجتمعنا وقلنا: حتى متى رسول الله يطرَّد في جبال مكة ويخاف. فرحلنا حتى قدمنا عليه في الموسم فواعَدنا بيعة العقبة... فقلنا يا رسول الله عَلامَ نبايعك ؟ قال: تبايعوني على السمع والطاعة في النشاط والكسل، وعلى النفقة في العسر واليسر، وعلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وعلى أن تقولوا في الله لا تأخذكم لومة لائم، وعلى أن تنصروني إذا قدمت عليكم، وتمنعوني مما تمنعون منه أنفسكم وأزواجكم وأبناءكم ولكم الجنة. فقمنا نبايعه فأخذ بيده أسعد بن زرارة وهذا أصغر السبعين فقال: رويداً يا أهل يثرب ! إنا لم نضرب إليه أكباد المطيِّ إلا ونحن نعلم أنه رسول الله، وإنَّ إخراجه اليوم مفارقة العرب كافة وقتل خياركم وأن تعضكم السيوف، فإما أنتم تصبرون على ذلك فخذوه وأجركم على الله، وإما أنتم تخافون من أنفسكم خيفةً فذروه فهو أعذر لكم عند الله. فقالوا: يا أسعد ! أَمِطْ عنا يدك، فوالله لا نذر هذه البيعة ولا نستقيلها، فقمنا إليه رجلاً رجلاً، فأخذ علينا وشرط يعطينا بذلك الجنة» أخرجه أحمد والبيهقي وصححه الحاكم ووافقه الذهبي وقال ابن كثير في السيرة: هذا إسناد جيد على شرط مسلم. وصححه ابن حبان.
وقد عرفت هذه البيعة باسم بيعة الحرب لأنها قررت استعمال القوة والسيف لحماية تطبيق الإسلام ولحماية النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه.
وبعد تمام هذه البيعة أمر النبي  أصحابه بالهجرة إلى المدينة، فخرجوا أرسالاً، وهاجر النبي  ومعه أبو بكر في يوم كان اتفق زعماء مكة على قتله فيه. وكان وصوله إلى المدينة إعلاناً للدولة الإسلامية ولسيادة الشرع. وكانت المدينة المنورة نقطة ارتكاز الدولة الإسلامية، وتحقيق حاكمية الله في الأرض.
بهذا يتبين واقع طلب النصرة وأهميتها لإقامة الدولة الإسلامية، وأنه عملي، وأنه أمر من الله، وبه أقام النبي صلى الله عليه وآله وسلم الدولة الإسلامية. وهو ليس مجرد أسلوب اختياري لتسلُّم الحكم، بل هو حكم شرعي من أحكام الطريقة.
ويتبين أيضاً أنه لا يوجد في الواقع طريق صحيح غيره.
وإذا كانت الفكرة الإسلامية أو غاية المسلم هي إخراج الناس من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة، ولا يتحقق ذلك إلا بالدولة الإسلامية، دولة الخلافة، فإن النصرة وبذلها من الذين يملكونها لإقامة هذا الأمر هي أعظم أمر في الدين بعد العقيدة. والجزاء الذي ذكرته كل الروايات لمن يعطي النصرة هو الجنة، سواء أكانت نصرةً للتمكين من التبليغ أم نصرةً لأخذ الحكم. وهذا يدل على أهمية الذين يعطون النصرة وكرامتهم ومكانتهم عند الله. وقد تبين هذا في الروايات المذكورة آنفاً. ومن هذه الروايات أيضاً ما حسّنه الطبراني عن عقبة بن عامر قال: «واعدَنا رسول الله  في أصل العقبة... فأتانا... فقال: أوجزوا في الخطبة فإني أخاف عليكم كفار قريش، فقلنا: يا رسول الله سلنا لربك وسلنا لنفسك وسلنا لأصحابك وأخبرنا ما لنا من الثواب على الله تبارك وتعالى وعليك ؟ قال: أما الذي أسألكم لربي: أن تؤمنوا به ولا تشركوا به شيئاً، وأما الذي أسألكم لنفسي: أسألكم أن تطيعوني أهدِكم سبل الرشاد، وأسألكم لي ولأصحابي أن تواسونا في ذات أيديكم وأن تمنعونا مما تمنعون منه أنفسكم، فإذا فعلتم ذلك فلكم على الله الجنة وعَلَيَّ. قال: فمددنا أيدينا فبايعناه».
نسأل الله تعالى أن يهيئ لنا نصرة قريبةً قادرةً نقيم بها دولة الإسلام التي تطبق الإسلام وتعز الإسلام والمسلمين، وترفع الظلم والضيم عنهم، وتزيل دولة يهود الغاصبة، وتطرد الكفر والاستعمار، وتجاهد في سبيل الله. وما ذلك على الله بعزيز.
وما كان الله ليـذر المؤمنـين على ما أنتـم عليـه حتى يَمـِيزَ الخـبيثَ من الطـيّـب وما كـان الله لِيُطْـلِـعَـكُـمْ على الغيـب (سورة آل عمران 179).

نائل أبو محمد 03-03-2012 09:32 PM

رد: التغيير حتمية الدولة الإسلامية, كتاب للكاتب محمود عبد الكريم حسن
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة نائل أبو محمد (المشاركة 25683)
السبت 10 ربيع الثاني 1433


كانت هذه البداية :
صدر الكتاب بـ رجب 1421هـ ـ تشرين الأول 2000م .

عدد صفحات الكتاب من الحجم الصغير : 80 صفحة .

الكتاب مطبوع موجود عندي الحمد لله وهو كتاب جيد وبعجالة قمت بالبحث عليه بالنت فوصلت لعرض لا يمكن إنزاله إلا للمشتركين وحتى أني رأيت هناك التزام مادي ..

الهدف المطلوب ممن يقدر محاولة عرض الكتاب هنا أو عرض الصفحة 59 لأهميتها وهذا جزء منها :

إن الدولة الإسلامية هي كيان تنفيذي للإسلام ولا يمكن تنفيذ شيءفي الدنيا إلا بقوة قادرة على ذلك . ولإيجاد هذه القوة قد تتعدد الآراء .



شكراً سلف لمن يقدر وأنتظر .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

وجاء الجواب من الأخ الفاضل :

إسماعيل بلال وكانت المشاركة في منتدى العقاب .







بسم الله الرحمن الرحيم
مقـدمة وإهـداء
التغيير المقصود هو تغيير الأوضاع الحالية السائدة في البلاد الإسلامية من أنظمة علمانية، وأفكار وأذواق غربية فاسدة، وحكام كفرة أو فسقة عملاء لدول الغرب الاستعمارية الكافرة.
التغيير المقصود هو إنقاذ الأمة الإسلامية من حال التمزيق والإذلال المفروض عليها من الدول الاستعمارية الكافرة، ومن حال الضياع والتيه والتبعية لتلك الدول المتكالبة على المسلمين.
التغيير المقصود هو إعادة ثروات المسلمين للمسلمين بدل أن تنهبها الدول الاستعمارية الكافرة التي تتمتع بهذه الخيرات وتترك المسلمين في الفقر المدقع يرزحون تحت مليارات الديون لهذه الدول الجشعة.
التغيير المقصود يكون بنهضة الأمة الإسلامية على أساس الإسلام، ونبذ كل فكر غير إسلامي، ويكون بإزالة أنظمة الكفر وإقامة الخلافة التي تحكم بما أنزل الله، وتوحد الأمة الإسلامية والبلاد الإسلامية بقيادة خليفة واحد تحت راية: (لا إله إلا الله محمد رسول الله)، وتحمل رسالة الإسلام للعالم.
الموضـوع الأول من هذه الرسـالة (العـقـيدة... أساس التغيير) يبين أهمية المفاهيم والقناعات في عملية التغيير، إذ إن تغيير المجتمعات من حال إلى حال أصعب من نقل الجبال من مكان إلى مكان، ولذلك لا يسـتطـيع أن يقـوم به إلا من كانت عنده القـناعة التامـة به، وكان مستنداً إلى العقيدة الإسلامية وما ينبثق منها من أحكام وما ينبني عليها من أفكار، بحيث إنه يبيع نفسه وماله لله سبحانه.
والموضوع الثاني (طريق التغيير والنهوض) يُبرز أهمية معرفة الحقائق والقبض عليها بيد من حديد، لأن الذي لا يميز الحقائق من التضليلات والأوهام لا يمكن أن ينجح في التغيير.
والموضوع الثالث (حقائق وأباطيل) هو استطراد للموضوع الثاني، وذلك بلفت النظر إلى بعض المسائل (الحقائق) الأساسية التي ركّزت عليها الدول الاستعمارية الكافرة لتضليل المسلمين وإبعادهم عنها، لأنها شديدة التأثير في عملية التغيير وعودة الأمة الإسلامية خير أمة أخرجت للناس. ومن هذه المسائل (الحقائق): (وجوب العمل السياسي) و(وحدة الأمة الإسلامية) و(إقامة الدولة الإسلامية).
وأما الموضوع الرابع (طلب النصرة) فإنه يبيّن الكيفية العملية الشرعية التي تؤدي بشكل حتمي إلى نقل السلطة من أيدي الحكام العملاء إلى يد الطائفة المنصورة التي تقيم الدولة الإسلامية (الخلافة). وهذا الموضوع هو من أهم الموضوعات وأكثرها خطراً ودقة.
إننا نهدي هذه الرسالة إلى الأمة الإسلامية في كل مكان، وبخاصة إلى حملة الدعوة الإسلامية العاملين لإقامة الدين الإسلامي في الأرض، وإلى المعتقلين والملاحقين من أجل ذلك، الصابرين على الحق دون تبديل أو تحريف، وإلى جيل الشباب المتشوق إلى عز الإسلام والمسلمين، وإلى الأهل والأقارب والأصحاب، عاملين ومنتظرين، نهديها إليكم من القلب آملين أن تتلقاها عقولكم وقلوبكم وجوارحكم.
والله معكم ولن يَتِرَكُمْ أعمالَكم.

السبت 10 ربيع الثاني 1433


الى هنا وصلنا الى نهاية الكتاب الطبعة الأولى
أي الى صفحة 80 .
تم بحمد الله
يتبع نشر الجزء الجديد المضاف في الطبعة الثانية
إن شاء الله

نائل أبو محمد 03-03-2012 09:36 PM

رد: التغيير حتمية الدولة الإسلامية, كتاب للكاتب محمود عبد الكريم حسن
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة نائل أبو محمد (المشاركة 25684)
السبت 10 ربيع الثاني 1433

بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة الطبعة الثانية
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين وعلى من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد،
فقد كانت مواضيع هذا الكتيِّب في الأصل مما بُحثَ مع بعض حَمَـلَة الدعوة من العاملين لإقامة حكم الله في الأرض، نوقش فيها حال الأمة، وما اعتراها من تردٍّ وانحدار، وما تعانيه في سبيل صحوتها ونهوضها، وما الذي أُنجز على طريق إقامة الدولة الإسلامية، وما الذي ينبغي إنجازه لكي يتحقق وجود هذه الدولة، فيُطبق الإسلام وتُحمل دعوته إلى العالم. وبناءً على ذلك، ما الذي ينبغي أن تخاطب به الأمة وتُدعى إليه وتعـيـه؟
الدولة الإسلامية كيان سياسي لتنفيذ الإسلام وحمله إلى العالـم، وهذا يحتاج إلى قدرةٍ وصلاحية شرعية. وقد جعل الشرع هذه الصلاحية للأمة. ولا يملك هذه القدرة ولا هذه الصلاحية الشرعية جماعةٌ أو طائفة وحدها، ولا حزبٌ سياسي وحده. وإنما يقيم الدولةَ الإسلاميةَ الأمةُ بقيادة هذه الطائفة أو هذا الحزب الذي يُحيي في الأمة إيمانَها بهذه الفريضة العظيمة، وإيمانها بوجوب العمل لها والتضحية في سبيلها.
فالدولة الإسلامية كيان ينبثق من رَحِم كيان الأمة لينفِّـذَ بالأمة وعليها نظام الإسلام، وليحمله بها ومعها إلى الناس جميعاً. فالدولة الإسلامية تلدها الأمة الإسلامية.
وكيان الأمة لا يكتمل ولا يتميز إلا بما تكون به الأمةُ أمةً، وبعيشها على أساسه. وأمتنا الإسلامية لا تكون كذلك إلا بدينها عقيدةً ونظاماً. ولا تكون لها فاعليتها أو وجودها العملي المؤثر إلا بوجودها كجماعة واحدة موحدة تحت إمرة أمير واحد. فلا يكتمل كيان الأمة ولا يتميز تمام التميز إلا بانبثاق كيان دولتها، ومبايعة خليفتها على الحكم بما أنزل الله.
ومن هنا، فلا سبيل إلى إنهاض الأمة إلا بأن تعرف معنى لا إله إلا الله محمد رسول الله، وأن تلتزم بهذا المعنى، فتعرف معنى وجودها في الحياة وغاية هذا الوجود، وتسعى إلى تحقيق هذا الوجود وهذه الغاية.
وكذلك فإن هذه المعرفة لا تكفي، والسعي إلى تحقيق هذه الغاية لا يبرئ الذمة إلا إذا كان على المستوى المطلوب شرعاً. فلا بد بعد تحديد الغاية أن يُسعى إلى تحقيقها بالأعمال التي تؤدي إليها، بحسب ما خلق الله في الكون من سنن، ومنها ربط الأسباب بالمسببات، واعتبار خصائص الأشياء وشروط العلاقات.
ولقد عرض أحد الإخوة الأفاضل أن تُكتَب هذه الأفكار وتوزَّعَ على الناس، وأن يكون ذلك على نفقته الخاصة طمعاً بالأجر والثواب. وهكذا كان، فصدر الكُتـيِّب بحمد الله، وفيه أربعة مواضيع. وقد جعل الله سبحانه وتعالى له قبولاً، فنفدت نسـخه واستمر طلبه وشعر أخٌ فاضلٌ آخر بهذا الطلب فعرض أن يُطبع على نفقته من جديد، فصدرت هذ الطبعة الثانية بإضـافة موضوع خامس إليه بعنوان: الأمانة والإيمان.
إن حب الدنيا وكراهية الموت، والمغالطات الفكرية، والضعف والتيئيس، وتغييب مفاهيم العـقيـدة المتعلقة بالرزق والأجل والنصر والتوكل والخير والشر وغيرها، قد تصرف كثيراً من المسلمين عن غايتهم في الحياة التي هي عبادة الله، أي الالتزام بأوامره ونواهيه سبحانه وتعالى، وبخاصة حينما يتأثرون بفتاوى أو آراء يَـنْـفُـثُها علماءُ سوءٍ يروّجون لسلاطين الجوْر والفجور والخيانة، وأحزابٌ لهم أو أتباعٌ يحرِّمون الدين ويفترون على الله الكذب، فيحلون الحرام ويحرمون الحلال ويُلهون أبناء الأمة بتوافه الأمور ويصرفونها عن طريق التغيير وإقامة الدولة الإسلامية.
ولأجل التنبيه على هذا الأمر وخطره، والتحذير منه، كان موضوع: الأمانة والإيمان.
وإنني إذ أقدم هذا الكتيب إلى الأمة الإسلامية فإنني أناشد قارئيه من المهتمين والعاملين لأجل قضية لا إله إلا الله، أن يتلقوه ويدرسوه بعقولهم وقلوبهم، كما قدمته إليهم من عقلي وقلبي. وأسأله تعالى الثواب والأجر الجزيل لكل من أعان فيه بتوجيه أونصح، أو بمالٍ أو جهد، ولكل من دعا لي ولوالدَيَّ.
اللهم من أراد بالإسلام والمسلمين خيراً فوفقه لكل خير، ومن أراد بالإسلام والمسلمين شراً فخذه أخذ عزيز مقتدر.

يتبع إن شاء الله
إضافة موضوع الطبعة الثانية .

نائل أبو محمد 03-03-2012 09:38 PM

رد: التغيير حتمية الدولة الإسلامية, كتاب للكاتب محمود عبد الكريم حسن
 
السبت 10 ربيع الثاني 1433
(5)
الأمـانـة والإيمـان
الأمانة ووجوب حملها:
خلق الله سبحانه وتعالى الناسَ لعبادته وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ (الذاريات 56) هذا هو قصد الشارع من الخلق، فيجب أن يكون هو قصد المكلف في الحياة وغايته فيها. وعبادة الله تعالى لا تقتصر على أعمال المكلف في العبادات، أي فيما هو علاقة خاصة بينه وبين ربه، ولا على أعمال دون أعمال، وإنما هي في كل ما أمر الله تعالى به أو نهى عنه، فهي تتعلق بكل أعمال الناس، أفراداً وجماعات، وبكل علاقاتهم. ولذلك وجب على كل إنسانٍ عاقلٍ بالغٍ أن لا يرضى بحكمٍ غير حكم الله، فلا يَحكم إلا بما أنزل الله، ولا يُحكم إلا بما انزل الله، ولا يتحاكم إلا إلى ما أنزل الله سبحانه وتعالى، ووجب عليه أن يعمل لتحقيق هذا الأمر فهذا هو ما خُلِقَ لأجله، وهذه هي غايته في الحياة، وعليها سيحاسَب يوم القيامة. وهذا في كل مسألة، صغيرة أو كبيرة، سواء كانت من قضايا السياسة والحكم، أي من القضايا العامة، أو من القضايا الخاصة أو الجزئية. وقد جعل الله سبحانه الإيمان موقوفاً على الإيمان بهذا الواجب والقيام به. قال تعالى: فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (النساء 65)، وجعل إيمان الذين يريدون التحاكم إلى غير ما أنزل الله تعالى مجرد زعم تعارضه الحقيقة، قال تعالى: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ ءَامَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّـيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيدًا (النساء 60).
وقد كان هذا التكليف هو الأمانة التي عرضها سبحانه وتعالى على الإنسان، فقبِلَ حملها غير عالمٍ بعجزه وحده، بعد أن عجز عنها وأبى حملها غيرُه من المخلوقات. قال تعالى: إِنَّا عَرَضْـنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولاً (الأحزاب 72).
وتبين هذا العجز مع أول إنسانٍ خلقه الله تعالى، آدم عليه السلام، حيث أسكنه الله سبحانه وتعالى وزوجَه الجنة وأذن لهما أن يأكلا منها ويتمتعا بما فيها طولاً وعرضاً إلا شجرةً واحدةً نهاهما عنها. ولكنهما اتبعا ما وسوس لهما به الشيطان وأكلا منها، فخرجا من الجنة. وكان هذا هو شأن الإنسان دوماً، المعصية والضلال، والتفريط بالأمانة، إلا أن يعينه الله ويوفقه ويهديه ويرسل له رسالات الهدى والرحمة يهتدي بها ويرعى شؤونه ويقوّم أموره فيعبد الله وحده، ويرسل له الأنبياء والرسل، يحملون الأمانة حق الحمل فيأمرون بالمعروف وينْهَوْن عن المنكر، ويتحملون في سبيل ذلك ما شاء الله أن يتحمّلوا، ويحملون الناس على الصراط المستقيم، ويردونهم من التيه والضلال إلى الإيمان بالله وطاعته.
وقد تجلى هذا الأمر فيما قصه علينا القرآن الكريم من قَصص الأنبياء منذ أن أُهبِط آدم عليه السلام إلى الأرض إلى أن أُرسل خاتم النبيين محمد  برسالة الإسلام الخالدة والمحفوظة، حيث يتبيّن خلال ذلك كله، بشكل قاطع، أن قضية الخلق، القضية المصيرية دائماً، والتي لأجلها خلق الله تعالى ما خلق، هي قضية الحقيقة المطلقة: لا إله إلا الله، وأن يُعبَدَ اللهُ وحده، ولا يعبدَ أحدٌ سواه والتي لا يمكن أن تُفْهم على حقيقتها بعد بعثة النبي محمد ، واليوم، ولا يمكن أن تصبح واقعاً محققاً إلا بأن تقترن بحقيقة أن محمداً رسول الله.
قال تعالى في شأن آدم عليه السلام وزوجه: قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ ءَايَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى (طه 123-126). وقال تعالى عن سيدنا نوح عليه السلام: وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَاقَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلا تَتَّقُونَ (المؤمنون 23) وقال تعالى: وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَاقَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلا تَتَّقُونَ (الأعراف 65). وقال تعالى: وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَاقَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ (الأعراف 73) وقال تعالى: وَإِبْرَاهِيمَ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (العنكبوت 16) وقال تعالى: وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ  إِلاَّ الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ  وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (الزخرف 26-28) وقال: أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ ءَابَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (البقرة 133). وقال تعالى: إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلَّهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ (يوسف 40) وقال تعالى: وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ (الأعراف 85).
وهكذا تتابع الأنبياء والرسل لهداية الناس وردِّهم إلى عبادة الله وحده. قال تعالى: وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلاَّ خَلا فِيهَا نَذِيرٌ (فاطر 24)، وكانت دعوتهم جميعا: يَاقَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ. قال تعالى: وَمَا أَرْسَـلْـنَـا مِـنْ قَـبْـلِكَ مِنْ رَسُـولٍ إِلاَّ نُوحِـي إِلَيْهِ أَنَّـهُ لا إِلَهَ إِلاَّ أَنـَا فَاعْـبُـدُونِ (الأنبياء 25) وكان كل نبي يأتي إلى قومه خاصة فيقول: إِنِّي لَكُمْ رَسُـولٌ أَمِينٌ  فَاتَّـقُـوا اللَّهَ وَأَطِـيعُـونِ  وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْـرِيَ إِلاَّ عَلَى رَبِّ الْعَالَمِـينَ (الشـعراء 143-145) ثم يكرر قوله: فَاتَّـقُـوا اللَّهَ وَأَطِيـعُـونِ (الشعراء)، إلى أن بعث الله تعالى خاتم النبيين محمداً  فكان رسولاً إلى الناس كافة. قال تعالى: وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ كَافَّـةً لِلنَّـاسِ بَشِـيـرًا وَنَذِيــرًا (سبأ 28). وقال: قُـلْ يَاأَيُّـهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُـولُ اللَّهِ إِلَيْكُـمْ جَمِيـعاً (الأعراف 158) وقـال: وَمَـا أَرْسَــلْنَـاكَ إِلاَّ رَحْمـَـةً لِلْعَالَمِيـنَ (الأنبياء 107).
حمل الأمانة لا ينقطع:
وإذا كان من شأن الأقوام والناس بعد هلاك أنبيائهم أن يتبعوا خطوات الشيطان، فيبدلوا الدين ويحرفوا الرسالة ويضيعوا الأمانة، فيضلوا ويعبدوا غير الله، فلا يكون لهم سبيل إلى الهدى والنجاة وإلى حمل الأمانة إلا بنبيٍّ جديد وبرسالة جديدة من عند الله تعالى، فما هو سبيل أمة النبي محمدٍ  إذا ضيَّعت الأمانة واتبعت سنن من كان قبلها في الغِواية والضلالة، وقد علمنا يقيناً أنه ليس بعد هذه الرسالة رسالة ولا بعد هذا النبي نبي .
إن الحصن الذي لا يزول في حفظ هذه الأمة ورسالتها وحملها للأمانة هو عون الله وتكفله بأنه لن تضيع هذه الرسالة ولن تندرس مهما ابتعد عنها المسلمون ومهما صرف الصارفون وحرَّف المحرِّفون. قال تعالى: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (الحجر 9). فالرسالة باقية، ولن يندثر سبيل الإيمان والهدى، وستظل الرسالة نوراً يبدِّد كل ظلام، وسيظل الطريق واضحاً إلى يوم القيامة.
وإذا كانت الرسالة باقيةً ومحفوظةً إلى يوم القيامة، فمن الذي سيحملها إذا تقاعس عنها الناس أو تنكروا لها، فقد كان شأن الأمم السابقة إذا ضلّت أن يرسل الله تعالى لهم رسالةً ورسولاً، فمن سيحمل رسالة الإسلام إذا ضل الناس ولم يكن هناك رسول؟
والجواب هو أنه كما تكفَّل الله بعصمة هذه الرسالة من الضياع والتحريف، فقد تكفَّل أيضاً -برحمته- بأن لا تضل الأمة، وأن لا تقعد كلها عن حمل الرسالة، مهما كثر الضالون والمحرِّفون والمنكرون، فكما ستظل الرسالة كلها محفوظة فسيظل في الأمة من يحملها كلَّها. قال : «لا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي قَائِمَةً بِأَمْرِ اللَّهِ لا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ أَوْ خَالَفَهُمْ حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ ظَاهِرُونَ عَلَى النَّاسِ» (متفق عليه واللفظ لمسلم).
وهكذا فمهما ابتعدت الأمة عن الإسلام، ومهما غوت وشذَّت في اتباع خطوات الشيطان، ومهما غذَّت وشدَّت في سبل الظلام والعثار، فسيظل في الأمة طائفة متمسكة بالكتاب والسنة، تستنير بهما وتقتدي بهدي الأنبياء، وتقوم بعملهم الذي استخلفهم الله لأجله، وتحمل إرث الأنبياء فتكون الطائفة التي استخلفها الله في حفظ أمانته وحملها، وهي قضية لا إله إلا الله، حتى يأتي الله بأمره. قال تعالى: كَتَبَ اللَّهُ لأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي (المجادلة 21) وقال: إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ ءَامَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ (غافر 51).
وبهذا تكون الأمةُ الإسلامية، أمةُ المسلمين، مهما عصَوْا وغووا، أو ظلموا وبغَوْا، بما فيها من طائفةٍ تقوم بعمل الأنبياء، تكون خير أمة أخرجت للناس، لأنها أمة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والإيمان بالله. وستظل الأمة المستخلفة لتقوم بما استخلفها الله فيه، ولتقوم بمسؤوليتها عن البشرية. قال تعالى: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ (آل عمران 110) وقال أيضاً عز من قائل: وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا (البقرة 143).
وعلى كل مكلَّف أن يسعى لأن يفهم هذه الأمانة ولأن يحملها ويسير بها في طريقها الواضح، فيسعى لأن يكون من هذه الطائفة، بإيمانه وعمله وسعيه معها لإقامة حكم الله في الأرض.
حفظ الأمانة لا يتم إلا بالدولة الإسلامية (الخلافة):
ولا يمكن أن تقوم الأمة الإسلامية بهذه الوظيفة التي استخلفها الله لأجلها، وكلَّفها بها ما لم تكن مدركةً لوظيفتها، ومجتمعةَ القوى لأجل القيام بها، فتَحكم وتُحكم بشرع الله، وتجاهد في سبيل الله لتكون كلمة الله هي العليا. لذلك وجب أن يكون لها كيانها التنفيذي الخاص بها، وأن تكون لها قيادتها وأميرها الذي يطبق عليها وبها شريعة الإسلام. فوجب لأجل حمل الأمانة والشهادة على الناس، أن تقوم دولة الإسلام؛ الخلافة. وأن يوجد أمير الأمة؛ الخليفة، أميراً واحداً، يبايع الأمة وتبايعه على الحكم بالإسلام. قال : «ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية» (رواه مسلم) وقال: «ومن بايع إماماً فأعطاه صفقة يده وثمرة قلبه فليطعه إن استطاع فإن جاء آخر ينازعه فاضربوا عنق الآخر» (رواه مسلم وغيره) وقال: «إذا بويع لخليفتين فاقتلوا الآخَرَ منهما» (رواه مسلم). وبغير هذه الخلافة لن تستطيع الأمة حمل الأمانة وتطبيق الإسلام، ولن تستطيع ردّ أذىً عن نفسها. قال : «وإنما الإمام جُنَّة يقاتَل من ورائه ويُتَّقى به» (متفق عليه واللفظ للبخاري) ومن لم يعرف معنى الخلافة وأهمية الخليفة، فليخضع عقله وقلبه لمعنى هذا النص النبوي: «وإنما الإمام جُنَّة يُقاتَل من ورائه ويُتَّقى به».
بهذا تقوم الأمة بعمل النبي  بحمل الرسالة إلى الناس كافة، وتقوم الطائفة المؤمنة بعملها لإيجاد هذه الخلافة بعمل الأنبياء في دعوة أقوامهم إلى عبادة الله وحده. قال : «كَانَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ تَسُوسُهُمْ الأَنْبِيَاءُ كُلَّمَا هَلَكَ نَبِيٌّ خَلَفَهُ نَبِيٌّ وَإِنَّهُ لا نَبِيَّ بَعْدِي وَسَيَكُونُ خُلَفَاءُ فَيَكْثُرُونَ قَالُوا فَمَا تَأْمُرُنَا قَالَ فُوا بِبَيْعَةِ الأَوَّلِ فَالأَوَّلِ أَعْطُوهُمْ حَقَّهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ سَائِلُهُمْ عَمَّا اسْتَرْعَاهُمْ» (رواه البخاري ومسلم واللفظ للبخاري).
وعلى ذلك فإن الواجب على كلِّ مكلف أن يعمل عملاً جاداً لأجل إقامة الدولة الإسلامية لأجل أن تكون الحاكمية لله، فتستأنف الحياة الإسلامية وتطبق الإسلام على المسلمين داخل كيان هذه الدولة، وهذه هي الغاية الأولى التي تمكن من تحقيق الغاية التالية وهي حمل الدعوة الإسلامية إلى العالم بالدعوة والبيان والجهاد هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (التوبة 33 والصف 9). قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ (التوبة 29)، قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً (التوبة 123). وهذه الغاية، إقامة الخلافة، هي الطريقة الشرعية التي أمر بها تعالى لتحقيق الغاية من الخلق: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإنْسَ إِلاّ لِيَعْبُدُونِ (الذاريات 56)، يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَـقَـكُـمْ وَالَّذِيـنَ مِنْ قَبْلِـكُـمْ لَعَـلَّـكُمْ تَتَّقُونَ (البقرة 21)، قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُـولُ اللَّهِ إِلَـيْـكُـمْ جَمِيعًا (الأعراف 158).
الخط العريض في كيفية حمل الأمانة وشروطها:
إن تحقيق هذ الغاية التي خلق الله تعالى الناسَ لأجلها تقتضي القيام بأعمال من شأنها أن تؤدي إليها بحسب السنن الكونية وخصائص الأشياء والمجتمعات والعلاقات، وبحسب الأحكام الشرعية التي تعيِّن الحلال والحرام. وبهذا تكون خطوات السير أو مراحله عمليةً وشرعية، ويكون الساعون إلى تحقيق هذه الغاية صادقين جادِّين ملتزمين.
إن الغاية هي إيجاد كيان سياسي تنفيذي للإسلام، أي: دولة إسلامية، ولا يمكن أن يتحقق هذا الأمر بغير أسبابه أو بما هو ليس سبباً له، أي بما ليس من شأنه أن يؤدي إلى إقامة دولة فضلاً عن دولة إسلامية. فلا يصح مثلاً في ذهن مفكر أو جاد أن هذا يتحقق بأعمال تعليمية أو غيرها كإنشاء مدارس أو روضات، أو بناء معاهد أو مستشفيات، أو من خلال جمع أموال من الأغنياء لتوزيعها على الفقراء. فهذه وغيرها، وإن كانت بنيةٍ سليمة، ومن أعمال البر والخير المندوبة، فإنها لا تؤدي إلى إزالة الطواغيت ونظمهم ولا تؤدي إلى إقامةِ دولةٍ إسلامية أو غير إسلامية. وإنما هي، في أحسن الأحوال أعمال تقف عند حد ذاتها. فهي كمن يريد دفع عدو يهاجمه بإعانة الفقراء أو بإقامة مستشفى أو مدرسة، وكمن يريد أن يمنع الكفار من الاعتداء على دماء المسلمين وأعراضهم وثرواتهم بالجمعيات الخيرية. وهذا ليس عملياً ولا شرعياً، فوق أنه محكوم بنظم الكفر وقوانينه وشروطه.

نائل أبو محمد 03-03-2012 09:40 PM

رد: التغيير حتمية الدولة الإسلامية, كتاب للكاتب محمود عبد الكريم حسن
 
السبت 10 ربيع الثاني 1433
فكما أن الصلاة والصيام لا يغني أحدهما عن الآخر، وكذلك الزكاة والحج والجهاد، لا يغني أيٌّ من هذه الثلاثة عن الآخر ولا يقوم مقامه، فكذلك أيضاً أعمال الجمعيات الخيرية والمؤسسات المالية والتعليمية فإنها لا تغني عن الطريق الشرعي العملي والجاد لإقامة الحكم بما أنزل الله، ولا تقوم مقامه. بل إنها إذا اتُّخذت طريقاً إلى إقامة شرع الله، أو إذا زُعِمَ ذلك، فإن في هذا خطراً على الأمة بما يؤدي إليه من تضليل وتنفيس، وما يلي ذلك من تيئيس وتحريف للدين. وفيه خطر بما يؤدي إليه من تضييع للجهود، ومن مزيدٍ من التردّي وتمكين الكفار وعملائهم من الأمة. والطريق العملي إلى ذلك، -بشكل إجمالي- هو تقصد أخذ السلطة من الذين يحكمون بغير ما أنزل الله عبر إيجاد جماعة تتخذ هذا الأمر هدفاً لها، فتعمل في الأمة لإقناعها بهذا الهدف، وتقوم بتغيير الأفكار المتعلقة بطريقة العيش، وبنظام الحياة وبنظام الحكم وبالحكام، وبإيجاد الرأي العام الصالح لصالح هذا الهدف، فتتهيأ الأمة لرفض النظم القائمة بتشريعاتها وقوانينها وبحكامها، ولإسقاطها وتغييرها، ولدعم الإسلام ودولته وحمايتهما.
وكما أن الطريقة يجب أن تكون عملية، فيجب كذلك أن تكون شرعية، لأن الهدف هو إقامة الحكم بما أنزل الله وليس أي حكم، فلا يجوز انتهاك حرمة الشريعة ومخالفة أمر الله بحجة إقامة أحكام الشريعة، ومثل هذا كذب متهافت وتبرير ممجوج. فلا يصح تحريف أحكام الإسلام والتضليل فيها أو العمالة للأجنبي بحجة تبادل المصالح أو حفظها، وبحجة الضرورات أو الضعف أو المحافظة على المكتسبات، فكل هذا محرَّم شرعاً، وتبريره بغاية خدمة المسلمين أو إقامة الدولة الإسلامية فرية على الدين وكذب على الأمة وخيانة بكل المقاييس. قال تعالى: وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ (هود 113) وقال تعالى: وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ (النحل 116).
وقد علمنا من طريقة النبي  أنه أنشأ جماعة تؤمن بإقامة المجتمع الإسلامي وبإقامة شرع الله وتعمل لأجل ذلك، وأنه عمل لإزالة عقائد الكفر والأفكار الفاسدة والعادات البالية، وحمل على الكفر وزعمائه، وطلب النصرة مرات عديدة لأجل أخذ الحكم، وشاء الله تعالى أن يوفقه إليها في المدينة المنورة، وأقام الدولة الإسلامية، ورفض أثناء ذلك كله التنازلات والمساومات والمداهنات، رغم انسداد السبل وصعوبة الدعوة والتعرّض للمقاطعة والتعذيب، وكان أثناء ذلك كله واضحاً صريحاً صادقاً هادفاً جاداً ثابتاً. يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (البقرة 21)، إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (الأعراف 54)، أَفَرَأَيْتُمُ اللاَّتَ وَالْعُزَّى  وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الأُخْرَى  أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الأُنْثَى  تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيزَى  إِنْ هِيَ إِلاَّ أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَءَابَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ (النجم 19-23) مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلاَّ أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَءَابَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلَّهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (يوسف 40)، إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ (الأنبياء 98)، قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ  لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ  وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ  وَلا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ  وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ  لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ (سورة الكافرون). «والله يا عم لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر ما تركته حتى يظهره الله أو أهلك دونه». وقد كان هذا شأن الأنبياء قبله عليه وعليهم السلام أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ (الأنعام 90) قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ (الممتحنة 4).
نعم إنّ على مريدي التغيير وتطبيق فكرة أن الحاكمية لله وحده إدْراكَ أن ذلك لا يكون إلا بالدولة الإسلامية؛ دولة الخلافة، وأن الطريق إلى ذلك لا بد أن يكون شرعياً، وبذلك يكون عملياً، والتفكير في ذلك لا يكون إلا بالخطوات العملية الشرعية، وبذلك تكون الطريقة طريقة، وبهذه الطريقة تحمل الأمانة.
ضعف الإيمان أخطر عوامل التنكب عن حمل الأمانة:
وإن من موانع سلوك هذا الطريق وحمل الأمانة، ومن أسباب تبرير الانحراف والتحريف، ضعفَ الإيمان الذي يورث القلب زيغاً ومرضاً، ويجعل منطقة الإيمان غير آمنة فيؤدي إلى اتباع الهوى وإلى الضلال والعياذ بالله.
إنه ضعف الإيمان الذي يجعل الإيمان بأن الأمر كله بيد الله تعالى، وأنه هو تعالى الذي يحيي ويميت، وأنه هو تعالى الذي يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر وأنه هو تعالى وحده الذي يملك النفع والضر، وأنه هو تعالى وحده المعز والمذل، وأن النصر من عنده وحده، وأنه مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلاّ فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ  لِكَيْ لا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِمَا آتاكُم (الحديد 22-23) يجعل هذا الإيمان مجرد كلماتٍ يرددها اللسان، وتنطلق على المنابر وفي الدروس، ولكنها لا تتجلى في الأعمال والمواقف في أوقات الضيق والشدائد وعند الامتحان والابتلاء.
وإنه الزيغ الذي يجعل هذا كله مباحث كلامية، مباحث في الصفات وتتبع للمتشابهات، وليس مفاهيم حقيقية صادقة ماثلة تتجلى مواقف إيمانية في أعمال، دالةً على حضور الإيمان بأن الله أكبر، وأنه قدير، وأنه مع الذين آمنوا. ولذلك ترى التساقط عند الابتلاء، بل قبل وقوعه، من متزعمي التنظير للعقيدة، والشرح لمعانيها، الذين حوَّلوا المفاهيم العقدية الإيمانية إلى أبحاث منطقية وتكفيرية. لذلك فهي وإن نطق بها اللسان، أو وقرت في القلب، فإنها لم يصدقها العمل. جاء في الأثر: «إن الإيمان ما وقر في القلب وصدَّقه العمل». لذلك نرى زعماء هذا المنهج في عصرنا يعتلون منابر السلاطين، وينتصبون للفتاوى التي ترضي الحكامَ وأسيادَهم وتغضب الله تعالى، يحرفون الأحكام الشرعية، ويؤولون النصوص خدمة لهم، ويبدلون مواقفهم بحسب متطلبات نظم الكفر ومَنْ خَلْفَها من شياطين الإنس والجن. وبذلك يضللون المسلمين ويفتنونهم عن العمل الصحيح الذي يؤدي إلى قلع الكفر وسلاطينه. قال تعالى هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ ءَايَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ ءَامَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُولُو الأَلْبَابِ (آل عمران 7).
لذلك لا يستغرب على أصحاب هذا النهج أن لا يثبتوا على قول الحق وفعل الحق إذا اقتضى هذا الثبات صبراً على بلاء ومصادمةً للأهواء وتضحية بالمناصب والمنابر والشهوات.
وضعف الإيمان هو مرض في القلب يصرف عن الإيمان بأن الأمر كله بيد الله وحده، وأنه هو النافع وحده، وبيده الضر وحده، إنه ضعف في الإيمان بالقضاء والقدر، فيرى المريض أن عدوّه كبير وينسى أن الله أكبر، ويرى أن الطريق إلى الله فيه مخاطر، وينسى أنه مخلوق لكي يعبد الله تعالى، وأنه ممتحن ويجب أن ينجح في الامتحان بثباته في الموقف والعمل، وينسى أن الإيمان هو أن تتولى الله عز وجل فيتولاك، فتكون آيات القرآن الكريم وسنة النبي  وقصص الأنبياء وسِيَرُهم، عند هؤلاء المرضى، مجرد آيات تتلى وتحفظ من غير تدبر، وقصص تتلى وتُردَّد من غير اعتبار، وروايات يحاضر فيها من غير اتباع، فإذا داهم الخطر أو لاح الابتلاء، أو سرح الفكر في الرزق أو الأمن وفي شهوات الدنيا وحطامها، تزاحمت المبررات وتوالى النكوص، وتعاظمت المكتسبات التي ينبغي الحفاظ عليها، ولو كان الطريق إلى ذلك سعياً في إرضاء الكفار على حساب أوامر الله ونواهيه. قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ  فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ (المائدة 51-52).
لذلك لا يستغرب على هذا الفريق أن يتنكَّب عن الطريق العملي الصحيح، أي الشرعي، وأن يجترح السيئات ويخترع المبررات لتمرير زعمه. فليس غريباً على ضعاف الإيمان هؤلاء من الذين في قلوبهم زيغ أو مرض أن يزعموا أنهم إن يريدون إلا الإصلاح، وأن يؤكدوا أنهم من الناصحين، ثم بعد ذلك أن يقدموا لأجل هذا الإصلاح أو التغيير طرقاً أو مناهج يخجل من النطق بها من بقي عنده مسكة عقل أو رجح خيره على شره، أو مَن عرف قدرَ الله تعالى وصدق إيمانه به. لذلك نرى ونسمع من هؤلاء طروحات تافهة كالدعوة إلى مصالحة الحكام وكتجميل صورتهم وتبرير مواقفهم وإضفاء الشرعية على أعمالهم. أو كزعم الضعف والضرورة والحرص على الأمة، وليس الأمر كذلك وإنما هو الهوى والتمسك بحطام الدنيا وبالشهوات، ولذلك فإن هؤلاء يفضحون أنفسهم ولا يشعرون. قال تعالى: أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلاً  أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلاَّ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً (الفرقان 43-44) وقال أيضاً: أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلا تَذَكَّرُونَ (الجاثية 23).
أخي القارئ، إن حمل الأمانة هو بسلوك طريق الأنبياء وأتباعهم المؤمنين، وهو طريق الابتلاء والامتحان وتمحيص المؤمنين وتمييز الخبيث من الطيب، وسلوك هذا الطريق يتطلب الإيمان الصادق بالله وبكل ما أخبر به تعالى. ويتطلب خشية الله تعالى والخوف منه وحده وعدم الخوف من أحد سواه. ويتطلب الإيمان بالقضاء والقدر خيرهما وشرهما من الله تعالى وحده، وأن صاحب هذا الإيمان الذي يصدقه العمل هو من أولياء الله تعالى أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (يونس 62) وأن أصحاب هذا الإيمان منصورون ومستخلفون في الأرض إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ ءَامَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ (غافر 51)، وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ ءَامَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا (النور 55).
وإن انخلاع القلب أمام المخوفـات، والخـوف من المصيـر في الدنيا، والرهبة والتحسب من سلوك الطريق إلى رضـا الله تعالى، هو من تخويف الشيطان وهو نتيجة لاتبـاع خطـواته وتوليه، وهذا بدوره نقص في الإيمان. قال تعالى: إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّـيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (آل عمران 175) وقـال تعـالى: أَتَخْـشَـوْنَـهُمْ فَاللَّهُ أَحَـقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (التوبة 13).
وقد جعل تعالى النصر حليف المؤمنين الصابرين، والأمن والطمأنينة لهم ولقلوبهم في كل حال وفي كل حين. قال تعالى: وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ (الروم 47). وقال: الَّذِينَ ءَامَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ (الأنعام 82) وقال: إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (الأنفال 29). وقال: وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا (العنكبوت 69). وقال: وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ (المنافقون 8).
إن قلب المؤمن إن امتلأ بخوف الله فلن يبقى فيه مكان لخوف أحد سواه. وإن صدق إيمانه بأن كل شيء بأمر الله فسيظهر ذلك، ليس على اللسان وحسب، وإنما في السلوك وفي المواقف مهما كان شأنها وليس في حالات السعة والرخاء فقط، وحينذاك ينجح المؤمن في الامتحان، فيتولاه الله سبحانه وتعالى ويفيض عليه من نعم الدنيا والآخرة. قال تعالى: أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ ءَامَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ (البقرة 214) وقال: مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِـيـنَ عَلَى مَـا أَنْـتُـمْ عَلَـيْـهِ حَـتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ (آل عمران 179).وقال: لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ (آل عمران 186) وقال: الم  أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا ءَامَنَّا وَهُمْ لا يُفْـتَـنُـونَ  وَلَقَدْ فَـتَـنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبـْـلِـهِمْ فَلَـيَعْـلَمَـنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْـلَمَـنَّ الْكَاذِبِينَ (العنكبوت 1-3).

نائل أبو محمد 03-03-2012 09:41 PM

رد: التغيير حتمية الدولة الإسلامية, كتاب للكاتب محمود عبد الكريم حسن
 
السبت 10 ربيع الثاني 1433

وإنما على الإنسان أن يعمل طائعاً لله متجنباً معصيته فاهماً لسنن الله في مخلوقاته، عازماً على إقامة حكم الله في نفسه وفي الأرض، وعازماً على الثبات في الشدة وفي الرخاء، عالماً بأن الله مبتليه ومراقبه، فعليه أن لا يُرِي اللهَ من نفسه إلا ما يحب، وإلا فسيضل ولو كان ذا علم، وستستهويه الشياطين. وما أكثر العبر فيما قصه علينا القرآن الكريم من قصص النبيين وأخبار السابقين وأن العاقبة للمتقين. لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لأُولِي الأَلْبَابِ (يوسف 111).
قال تعالى: إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلاَ فِي الأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ  وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ  وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ (القصص 4-6).
وقال تعالى: وَلَقَدْ كَـتَـبْـنَـا فِي الزَّبـُـورِ مِنْ بَـعْـدِ الذِّكْـرِ أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّـالِحُونَ (الأنبياء 105) وقال: وَاذْكُـرُوا إِذْ أَنْـتُـمْ قَـلِيــلٌ مُسْـتَـضْـعَـفُـونَ فِي الأَرْضِ تَخَـافُـونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْـرِهِ وَرَزَقَـكُـمْ مِنَ الطَّـيِّـبَـاتِ لَعَلَّـكُمْ تَشْـكُـرُونَ (الأنفال 26).
ولقد طمأن الله أولياءه المؤمنين ووعدهم وعد الحق: قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (آل عمران 26) قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلاَّ مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (التوبة 51) وَلا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَنْفَعُكَ وَلا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِينَ  وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِـبَـادِهِ وَهُـوَ الْغَـفُورُ الرَّحِـيـمُ (يونس 106-107) إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ ءَامَنُوا (الحج 38). وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا  وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْـبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا (الطلاق 2-3).
أخي المؤمن، أخي المسلم، جدد إيمانك، وخلص قلبك من المرض والزيغ ومن نقص الإيمان، وأثبت إيمانك بالعمل الصالح والموقف الثابت المرضي لله عز وجل، والتحق بالمؤمنين العاملين لإقامة حكم الله في الأرض، وصبِّر نفسك عاملاً معهم، واعلم أن الأجل مكتوب والرزق مقسوم، وما كتب الله أن يصيبك أصابك، خيراً كان أو شراً، وما لم يكن في كتاب الله ليصيبك فلن يصيبك ولو اجتمع على ذلك الإنس والجن، وأن الذي لك أو عليك هو الذي عند الله، وأن أهل الأرض جميعاً لو اجتمعوا على أمر واحد ما كان لهم من الأمر شيء، وإنما هي أعمالك يحصيها الله فإما أن تكون لك وإما أن تكون عليك. وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (التوبة 105).
فأدرك نفسك والحق بالمؤمنين العاملين لإقامة الخلافة وللشهادة على الناس بحمل الدعوة إليهم، فإن النصر آت، ودينَ الله ظاهر، وأمرَ الله غالب. هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (التوبة 33 –الصف 9) كَتَبَ اللَّهُ لأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي (المجادلة 21) وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (الأعراف 128- القصص 83)، أما أعداء دين الله من الذين كفروا ومن عملائهم وأذنابهم وجواسيسهم ومخابراتهم فهم موتورون مهزومون، إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ (الأنفال 36) الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ أَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ (محمد 1) مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (العنكبوت 41).
واصبر أخي المسلم فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ (غافر 55) وقرر في نفسك موقفاً ثابتاً، تصدق فيه مع نفسك ومع الله سبحانه وتعالى: إِنَّ وَلِـيِّـيَ اللَّهُ الَّذِي نَـزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ  وَالَّذِيـنَ تَدْعُـونَ مِنْ دُونِهِ لا يَسْتَطِيـعُونَ نَصْرَكُمْ وَلا أَنْـفُسَهُمْ يَـنْـصُـرُونَ (الأعراف 196-197).



 أَلَـيْـسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَـبْـدَهُ وَيُـخَـوِّفُـونَـكَ بِالَّذِيــنَ مِـنْ دُونِهِ وَمَنْ يُضْـلِـلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِـنْ هَـادٍ  وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَمَا لَـهُ مِــنْ مُضِــلٍّ أَلَـيْـسَ اللَّهُ بِعَـزِيـزٍ ذِي انــتِـقَـامٍ  وَلَــئِـنْ سَـأَلـتَـهُمْ مَـنْ خَـلَقَ السَّـمَوَاتِ وَالأَرْضَ لَـيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلْ أَفَرَأَيــْتُمْ مَا تَـدْعُـونَ مِـنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُـرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِـفَـاتُ ضُـرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْـمَـةٍ هَـلْ هُـنَّ مُـمْـسِــكَـاتُ رَحْـمَـتِهِ قُــلْ حَسْــبِـيَ اللَّهُ عَـلـَـيْـهِ يَـتَـوَكَّلُ الْمُــتَـوَكِّــلُـونَ 
(الزمر 36-38)

نائل أبو محمد 03-03-2012 09:44 PM

رد: التغيير حتمية الدولة الإسلامية, كتاب للكاتب محمود عبد الكريم حسن
 
السبت 10 ربيع الثاني 1433
إقتباس(إسماعيل بلال @ Mar 3 2012, 03:48 PM)
انتهى

وتم بحمد لله


الأخ الطيب إسماعيل بلال ... من لا يشكر الناس لا يشكر الله

أشكرك شكر خاص وأجرك على الله الدال على الخير كفاعله ..

ونشر العلم الصالح صدقة ... الخ .

أشكرك مرة أخرى ولا شك أني سعيد على ردك السريع ونشر الكتاب و المختصر المفيد تأكد أن لك الأخر إن شاء الله بكل حرف وكلمة إن شاء الله

لأني قرأت الكتاب ( مطبوع محمول باليد ) من قبل وتمتعت به ويلزمه وقفات وبيان ونشر واسع وهذا ما سأفعله بأكثر من منتدى فلك الأجر إن شاء الله

ومعذرة للإطالة فأطباع الناس تختلف ، تقبل شكري .

والحمد لله وهكذا كان وتم ... لا ندري ما الجديد وما الردود وسيستمر التفاعل إن شاء الله .

ابو البراء الشامي 02-05-2013 09:26 AM

رد: التغيير حتمية الدولة الإسلامية, كتاب للكاتب محمود عبد الكريم حسن
 
للرفع
رفع الله مقام العاملين لاعادة مجد الاسلام واقامة الخلافة

نائل أبو محمد 08-16-2013 07:07 PM

رد: التغيير حتمية الدولة الإسلامية, كتاب للكاتب محمود عبد الكريم حسن
 
الجمعة 10 شوال 1434

للتذكير .

نائل أبو محمد 05-07-2014 11:47 PM

رد: التغيير حتمية الدولة الإسلامية, كتاب للكاتب محمود عبد الكريم حسن
 
الأربعاء 8 رجب 1435

إن الدولة الإسلامية هي كيان تنفيذي للإسلام ولا يمكن تنفيذ شيءفي الدنيا إلا بقوة قادرة على ذلك . ولإيجاد هذه القوة قد تتعدد الآراء .

نائل أبو محمد 10-03-2014 08:44 PM

رد: التغيير حتمية الدولة الإسلامية, كتاب للكاتب محمود عبد الكريم حسن
 
الجمعة 9 ذو الحجة 1435
ـــــــــــــــــ
التغيير حتمية الدولة الإسلامية ...
al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=13943 Cached
التغيير حتمية الدولة الإسلامية, كتاب للكاتب محمود عبد الكريم حسن المنتدى الفكري


جميع الأوقات بتوقيت GMT +3. الساعة الآن 07:19 PM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.2
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.