عرض مشاركة واحدة
 
  #31  
قديم 02-28-2011
الصورة الرمزية admin
admin admin غير متواجد حالياً
Administrator
 
تاريخ التسجيل: May 2009
المشاركات: 14,425
افتراضي تقدير الواجب بالخرص

تقدير الواجب بالخرص
شرعية الخرص وفوائده
سن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في النخيل والأعناب: تقدير النصاب ومقدار الواجب فيها بالخرص دون الكيل أو الوزن.
ومعنى الخرص في اللغة: الحزر والتخمين، فهو إذن تقدير ظني يقوم به رجل عارف مجرب أمين، وذلك إذا بدا صلاح الثمار، فيحصى الخارص ما على النخيل والأعناب من الرطب والعنب ثم يقدِّره تمرًا وزبيبًا، ليعرف مقدار الزكاة فيه، فإذا جفت الثمار أخذ الزكاة التي سبق تقديرها منها.
وفائدة الخرص مراعاة مصلحة الطرفين: رب المال والمستحقين، فرب المال يملك بالخرص التصرف في نخيله وعنبه بما شاء، على أن يضمن قدر الزكاة.
والعامل على الزكاة -وهو وكيل المستحقين- قد عرف الحق الواجب فيطالب به المهذب مع المجموع: 5/477.
قال الخطابى: وفائدة الخرص ومعناه: أن الفقراء شركاء أرباب الأموال في الثمر، فلو منع أرباب المال من حقوقهم ومن الانتفاع بها، إلى أن تبلغ الثمرة غاية جفافها، لأضر ذلك بهم، ولو انبسطت أيديهم فيها لأخلّ ذلك بحصة الفقراء منها، إذ ليس مع كل أحد من التقية (التقوى) ما تقع به الوثيقة في أداء الأمانة، فوضعت الشريعة هذا العيار، ليتوصل به أرباب الأموال إلى الانتفاع، ويحفظ على المساكين حقوقهم، وإنما يفعل ذلك عند أول وقت بدو صلاحها، قبل أن يؤكل ويستهلك، ليعلم حصة الصدقة منها، فيخرج بعد الجفاف بقدرها: تمرًا وزبيبًا معالم السنن: 2/210.
وممن كان يرى الخرص عمر بن الخطاب وسهل بن أبى حثمة، ومروان والقاسم بن محمد والحسن وعطاء والزهري وعمرو بن دينار، ومالك والشافعي وأحمد وأبو عبيد وأبو ثور وأكثر أهل العلم.
وأنكره أبو حنيفة؛ لأنه رجم بالغيب، وظن وتخمين لا يلزم به حكم، كما أنكر القرعة انظر: الأموال ص492،493، واحتج الجمهور بالأحاديث التالية:
1- ما رواه سعيد بن المسيب رواه أبو داود والترمذي وابن ماجة، وفيه انقطاع، لأن سعيد بن المسيب لم يسمع من عتاب، فالحديث مرسل، ولكنه اعتضد بغيره من الأحاديث وبعمل الصحابة، وعمل أكثر أهل العلم، كما قال النووي (التلخيص ص181) عن عتاب بن أسيد: " أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يبعث على الناس من يخرص عليهم كرومهم وثمارهم ".
2- وعن سعيد بن المسيب -في رواية عنه- قال:"أمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يُخرص العنب كما يُخرص النخل، وتؤخذ زكاته زبيبًا، كما تؤخذ زكاة النخل تمرًا " رواه أبو داود والنسائي والترمذي وابن حبان والدارقطني، وفيه الانقطاع الذي ذكرناه (المصدر السابق).
3- وقد عمل به النبي -صلى الله عليه وسلم- فخرص على امرأة بوادي القرى حديقة لها -عام تبوك- وكان خرصه عشرة أوسق، وقال للمرأة: أحصي ما يخرج منها، فأحصته فكان كما قال -صلى الله عليه وسلم- متفق عليه من حديث أبى حميد الساعدي (المصدر نفسه).
4- وروى أبو داود عن عائشة قالت -وهى تذكر شأن خيبر-: "كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يبعث عبد الله بن رواحة إلى يهود، فيخرص النخل حين يطيب، قبل أن يؤكل منه" قال المنذري: في إسناده رجل مجهول (مختصر السنن للمنذري: 2/213).
5- وعن سهل بن أبى حثمة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "وإذا خرصتم فخذوا ودعوا الثلث، فإن لم تدعوا الثلث فدعوا الربع" رواه الخمسة إلا ابن ماجة، ورواه ابن حبان والحاكم في المستدرك: 1/402، وأبو عبيد في الأموال ص485، والبيهقي في السنن: 4/123، وابن حزم في المحلى: 5/255 وقد سكت عنه أبو داود والمنذري، وصححه ابن حبان والحاكم ووافقه الذهبي قال الحاكم: "وله شاهد بإسناد متفق على صحته: أن عمر بن الخطاب أمر به" ولم يحكم الترمذي عليه بشىء، ولكنه ذكر أن العمل عليه عند أكثر أهل العلم (انظر مختصر السنن: 2/213).
قال الخطابى -في معالم السنن-: في هذا الحديث إثبات الخرص والعمل به، وهو قول عامة أهل العلم، إلا ما روى عن الشعبي: الخرص بدعة، وأنكر أصحاب الرأي الخرص، وقال بعضهم، إنما كان ذلك الخرص تخويفًا للأكرة (الزراع) لئلا يخونوا فأما أن يلزم به حكم فلا وذلك أنه ظن وتخمين، وفيه غرر وإنما كان جوازه قبل تحريم الربا والقمار.
قال الخطابى ردًا عليهم: " العمل بالخرص ثابت، وتحريم الربا والقمار والميسر متقدم، وبقى الخرص يعمل به رسول الله -صلى الله عليه وسلم- طول عمره، وعمل به أبو بكر وعمر -رضى الله عنهما- في زمانهما، وعامة الصحابة على تجويزه، ولم يُذكر عن أحد منهم فيه خلاف.
"فأما قولهم: إنه ظن وتخمين فليس كذلك، بل هو اجتهاد في معرفة مقدار الثمار، وإدراكه بالخرص الذي هو نوع من المقادير والمعايير، كما يعلم ذلك بالمكاييل والموازين، وإن كان بعضها أحصر من بعض.
وإنما هذا كإباحة الحكم بالاجتهاد عند عدم النص، مع كونه معرَّضا للخطأ، وفى معناه تقويم المتلفات عن طريق الاجتهاد، وباب الحكم بالظاهر باب واسع لا ينكره عالم معالم السنن: 2/212.

وقت الخرص
ووقت الخرص: حين يبدو صلاح الثمر، لقول عائشة: "كان -صلى الله عليه وسلم- يبعث عبد الله بن رواحة فيخرص عليهم النخل حين يطيب "ولأن فائدة الخرص معرفة ما يجب بالزكاة، وإطلاق أرباب الثمار في التصرف فيها، والحاجة إنما تدعو إلى ذلك حين يبدو الصلاح وتجب الزكاة المغنى: 2/707.

خطأ الخارص
إذا أخطأ الخارص التقدير -فزاد أو نقص- فقد روى عن القاسم بن محمد -أحد الفقهاء السبعة بالمدينة- أن رجلاً سأله في ذلك فقال: إنما عليك ما خرص، إنما هو الخراص كاسمه الأموال ص494، 495.
وإلى هذا ذهب مالك، قال: إذا كان الخارص مأمونًا سالمًا فتحرى الصواب فزاد أو نقص، فهو جائز على ما خرص الأموال ص494، 495 (يذهب مالك إلى أنه حكم واقع لا نقض له).
قال أبو عبيد - معقبًا على هذا القول:" وإنما وجه هذا عندي، إذا كان ذلك الغلط مما يتغابن الناس في مثله، ويغلطون به، فإذا جاء من ذلك ما يفحش، فإنه يرد إلى الصواب وليس هذا بالمفسد لأمر الخرص؛ لأن هذا الغلط الفاحش لو وقع في الكيل لكان مردودًا أيضًا، كما يرد في الخرص، إلا أن يكون ما زاد أو نقص بقدر ما يكون بين الكيلين، فيجوز حينئذ" الأموال ص494، 495.
وقال ابن حزم: إذا غلط الخارص أو ظلم فزاد أو نقص: رد الواجب إلى الحق، فأعطى ما زيد عليه، وأخذ منه ما نقص، لقول الله تعالى: (كونوا قوَّامين بالقسط)النساء: 135 والزيادة من الخارص ظلم لصاحب الثمرة، ونقصان الخارص ظلم لأهل الصدقات، وإسقاط لحقهم، وكل ذلك إثم وعدوان قال: فإن ادعى أن الخارص ظلمه أو أخطأ لم يصدق إلا ببينة إن كان الخارص عدلاً عالمًا " المحلى: 5/256 ولكن تفصيل أبى عبيد أرفق وأقرب إلى الواقع وأولى بالاختيار.

هل يخرص غير النخيل والأعناب؟
والجمهور على أنه لا يخرص غير النخيل والكرم، فلا يخرص الزيتون مثلاً، لأن حبه -كما قالوا- متفرق في شجره، مستور بورقه، ولا حاجة بأهله إلى أكله، بخلاف النخل والكرم، فإن ثمرة النخل مجتمعة في عذوقه، والعنب في عناقيده، فيمكن أن يأتي الخرص عليه، والحاجة داعية إلى أكلهما في حال رطوبتهما، وبهذا قال مالك وأحمد المغنى:2/710، 711.
وقال الزهري والأوزاعى والليث: يخرص الزيتون ونحوه، لأنه ثمر تجب فيه الزكاة ويخرص كالرطب والعنب البحر الزخار: 2/172.
والذي أختاره في هذا: أن يكون مدار الجواز هو إمكان الخرص والحاجة إليه، وأن يترك الرأي فيه لأهل الاختصاص والخبرة، فما رأوا أن تقديره ميسور لهم بوسائلهم الفنية، وكانت إدارة الزكاة تحتاج إلى ذلك، لضبط أمورها، وتحديد إيراداتها، أو كان أرباب المال محتاجين أيضًا إليه ليمكنهم التصرف في الثمر رطبًا، أخذ به قياسًا على ما ورد به النص من خرص الرطب والعنب، وما لا فلا.
__________________
اللهم علمنا ما ينفعنا - وإنفعنا بما علمتنا
اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا إتباعه - وأرنا الباطل باطلا وأرزقنا إجتنابه
اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك
اللهم إجعل عملنا خالصا لوجهك الكريم
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبة وسلم
رد مع اقتباس