تحقيق القول في المال المستفاد ومن المهم جدًّا -بالنظر لعصرنا- أن نحقق حكم المال المستفاد، ونصل فيه إلى رأى مقنع، لما يترتب عليه من آثار خطيرة، إذ يدخل فيه كثير من ألوان الإيراد والدخل مثل كسب العمل والمهن الحرة وإيراد رؤوس الأموال غير التجارية.
فأما ما كان فيه المال المستفاد نماء لمال مزكى من قبل، كربح مال التجارة، ونتاج الماشية السائمة فهذا يُضم إلى أصله، ويعتبر حوله بحوله، وذلك لتمام الصلة بين النماء والأصل.
وعلى هذا فالذي يملك نصابًا من السائمة أو من أموال التجارة، يزكى آخر الحول الأصل وفوائده جميعًا، وهذا لا كلام لنا فيه.
ويقابل ذلك المال المستفاد إذا كان ثمنًا لمال مزكى لم يحل عليه الحول، كما إذا باع محصول أرضه وقد زكاه بإخراج عُشره أو نصف عُشره، وكذلك إذا باع ماشية قد أخرج زكاتها، فما استفاده من الثمن لا يزكيه في الحال، منعًا للثني في الصدقة، وهو ما يسمى في الضرائب "الازدواج".
وإنما الكلام في المال المستفاد الذي لا يكون نماء لمال عنده، بل استفيد بسبب مستقل كأجر على عمل، أو غلة رأس مال، أو هبة، أو نحو ذلك، سواء أكان من جنس مال عنده أم من غير جنسه.
هل يُشترط في هذا المال مرور حول كامل عليه في ملك صاحبه منذ استفاده ؟ أو يُضَم إلى ما عنده من جنسه إن كان عنده مال من جنسه، فيعتبر حَوْله حَوْله؟ أو تجب فيه الزكاة حين استفادته إذا تحققت شروط الزكاة المعتبرة من بلوغ النصاب، والسلامة من الدين، والفضل عن الحوائج الأصلية؟
الحق أن كل احتمال من هذه الاحتمالات الثلاثة قد ذهب إليه بعض الفقهاء، وإن كان المشهور المتداول بين المشتغلين بالفقه أن مرور الحول شرط في وجوب الزكاة في كل مال، مستفاد أو غير مستفاد، مستندين في ذلك إلى بعض الأحاديث التي رويت في اشتراط الحول، وتعميمهم إياها على المال المستفاد.
ولهذا كان مما لا بد منه ههنا بيان درجة الأحاديث الواردة في اشتراط الحول، ومبلغ ثبوتها لدى أئمة الحديث.