عرض مشاركة واحدة
 
  #74  
قديم 02-28-2011
الصورة الرمزية admin
admin admin غير متواجد حالياً
Administrator
 
تاريخ التسجيل: May 2009
المشاركات: 14,425
افتراضي نصاب كسب العمل والمهن الحرة

نصاب كسب العمل والمهن الحرة


مقدمة
من المعلوم أن الإسلام لم يوجب الزكاة في كل مال قلَّ أو كثر، وإنما أوجبها فيما بلغ نصابًا فارغًا من الدَيْن وفاضلاً عن الحاجات الأصلية لمالكه، وذلك ليتحقق معنى الغنى الموجب للزكاة، فإنها إنما تؤخذ من الأغنياء، وليتحقق معنى العفو الذي جعله القرآن وعاء الإنفاق (والعفو ما فضل عن الحاجة) قال تعالى :(ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو)(البقرة: 219) وقال عليه الصلاة والسلام:"لا صدقة إلا عن ظهر غنى" ، "وابدأ بمن تعول" وقد حققنا ذلك في شروط المال الذي تجب فيه الزكاة.
وإذا كانت الزكاة لا تجب إلا في نصاب، فما مقدار النصاب هنا؟
مال الأستاذ الغزالي في كلامه السابق إلى اعتباره هنا بنصاب الزروع والثمار، فمن له دخل لا يقل عن دخل الفلاح الذي تلزمه الزكاة تؤخذ منه الزكاة، ومعنى هذا بلغة الفقه: أن من بلغ دخله قيمة خمسة أوسق أو (50 كيلة مصرية) أو (647) كيلو جرامًا وزنًا، من أدنى ما تخرجه الأرض كالشعير أخذت منه الزكاة ؛ وهذا رأى له وجهه.
ولكن ربما كان للشارع قصد خاص في تقليل نصاب الزرع، لأن به قوام معيشة الإنسان.
وأولى من ذلك أن يكون نصاب النقود هو المعتبر هنا، وقد حددناه بما قيمته (85) جرامًا من الذهب، وهذا القدر يساوى العشرين مثقالاً التي جاءت بها الآثار.
كما أن الناس يقبضون رواتبهم وإيراداتهم بالنقود، فالأولى أن يكون المعتبر هو نصاب النقود.

بقي هنا بحث
فإن ذوى المهن الحرة يأتيهم إيرادهم غير منتظم، فقد يكون كل يوم كدخل الطبيب، وقد يكون على فترات كدخل المحامي والمقاول والخياط وهكذا، وبعض العمال يقبضون أجورهم كل أسبوع أو أسبوعين، وجمهور الموظفين يقبضون رواتبهم كل شهر، فكيف نعتبر النصاب في هذه الأحوال؟
وهنا نجد أمامنا اتجاهين أو احتمالين:
الأول: أن يعتبر النصاب في كل مبلغ يقبض من الدخل أو المال المستفاد فما بلغ منه نصابًا كالرواتب العالية، والمكافآت الكبيرة للموظفين والعاملين، والدفعات الكبيرة لذوى المهن الحرة ففيه الزكاة، وما لم يبلغ نصابًا منها فلا زكاة فيه.
وهذا الاحتمال له وجهه، فهو يعفى ذوى الرواتب الصغيرة، ويقصر وجوب الزكاة على كبار الموظفين ومن في حكمهم ؛ وفي هذا تحقيق للتقارب والعدل الاجتماعي.
كما أن هذا هو الظاهر من قول الصحابة والفقهاء الذين قالوا بتزكية المال المستفاد عند قبضه إذا بلغ نصابًا.
وإنما تجب الزكاة على هذا الاحتمال، إذا بقى عند نهاية الحول ما يبلغ نصابًا.
ولكننا لو اعتبرنا النصاب بكل دفعة يقبضها المسلم من أجره أو راتبه أو إيراده لكان معنى ذلك إعفاء جمهور ذوي المهن الحرة الذين يأتيهم إيرادهم على دفعات متقاربة، وقلَّما تبلغ الدفعة منها نصابًا، ولو جُمِعت هذه الدفعات في زمن متقارب لبلغت نصابًا بل نُصُبًا، وكذلك كثير من الموظفين والعمال (هذا على تقديرنا النصاب بعشرين مثقالاً من الذهب أما لو قُدِّر بالفضة فقلَّما يوجد راتب لا يبلغ النصاب) وهنا يبرز الاتجاه أو الاحتمال الثاني، وهو ضم الدخل أو المال المستفاد على فترات في مدة متقاربة.
وقد وجدنا الفقهاء قالوا مثل ذلك في نصاب المعدن، أن ما خرج على دفعات في مدة متصلة لم يحصل بينها انقطاع كامل بغير عذر، يضم بعضه إلى بعض في إكمال النصاب.
وكذلك اختلفوا في ضم زرع العام الواحد وثمره بعضه إلى بعض، وقال الحنابلة: يُضم أنواع الجنس بعضها إلى بعض في تكميل النصاب من زرع عام واحد أو ثمرته، ولو تعدد البلد ولو كان الثمر من شجر يحمل في السنة حملين ضُم بعضه إلى بعض في تكميل النصاب ؛ لأنها ثمرة عام واحد، كالذرة التي تنبت مرتين (انظر شرح غاية المنتهى: 2/ 59).
وعلى هذا الأساس نستطيع أن نقول: إن السنة تُعتبر وحدة في نظر الشارع -وكذلك في نظر رجال الضرائب الحديثة - ولهذا كان اعتبار الحول في الزكاة.
والمعروف أن الحكومات تقدر رواتب موظفيها باعتبار السنة، وإن كانت لا تدفعها إلا مجزأة على دفعات شهرية نظرًا لحاجة الموظف المتجددة.
وبناء على ذلك تؤخذ الزكاة من صافي دخل الموظف وغيره من ذوي المهن الحرة في سنة كاملة إذا بلغ الصافي نصابًا.
ولعل مما يعيننا على تكوين رأي محدد هنا، أن نذكر ما روى عن بعض الفقهاء القائلين بتزكية المال المستفاد، وطريقة تزكيته.

كيف يُزكى المال المستفاد؟
القائلون بتزكية المال المستفاد من السلف، روى عنهم في طريقة تزكيته مسلكان:
الأول: ما قاله الزهري: إذا استفاد الرجل مالاً فأراد أن ينفقه قبل مجيء شهر زكاته فليزكه ثم ينفقه، وإن كان لا يريد أن ينفقه فليزكه مع ماله (المصنف لابن أبى أبى شيبة: 4 / 30).
ونحوه أو قريب منه ما جاء عن الأوزاعي فيمن باع عبده أو داره، أنه يزكي الثمن حين يقع في يده، إلا أن يكون له شهر يعلم، فيؤخره حتى يزكيه مع ماله (المغنى: 2 / 626 - الطبعة الثالثة).
ومعنى ذلك: أن من كان له مال زكّاه من قبل، وأصبح له حول معروف فله أن يؤخر إخراج زكاة المال المستفاد حتى يزكيه مع ماله الآخر، إلا إذا خشي أن ينفقه قبل مجيء الحول فعليه أن يبادر بتزكيته.
المسلك الثاني: ما قاله مكحول: إذا كان للرجل شهر يزكي فيه، فأصاب مالاً فأنفقه فليس عليه زكاة ما أنفقه، ولكن ما وافى الشهر الذي يزكى فيه ماله زكاه، فإن كان ليس له شهر يزكي فيه فاستفاد مالاً فليزكه حين يستفيده (المصنف: 4/ 30).
ولكن هذا القول يعطى من له مال يزكى في شهر معلوم ميزة لا يحظى بها غيره ممن ليس له هذا المال، إذ أجاز للأول أن ينفق المال المستفاد دون أن يزكيه إلا إذا وافى الشهر المعلوم منه شئ فيزكيه مع بقية ماله، أما من ليس له مال آخر فيزكيه حين يستفيده، والنتيجة: التخفيف عمن له مال آخر، والتشديد على من ليس له مال سوى هذا المستفاد.
والذي يترجح لي في ذلك: أن ما بلغ من المال المستفاد نصابًا أُخِذَ فيه بما قال الزهري والأوزاعي، إما بإخراج الزكاة عقب القبض (وهذا متعين فيمن ليس له مال آخر ذو حول) وإما بتأخيره إلى الحول ليزكى مع بقية ماله، ما لم يخش إنفاقه وإلا فعليه المبادرة، ولو أنه أنفقه بالفعل كانت زكاته في ذمته وإن كان دون النصاب أخذ فيه بقول مكحول، فما وافى الشهر الذي يزكي فيه ماله زكاه معه، وما احتاج إليه في نفقته ونفقة عياله فليس عليه زكاة ما أنفق، فإذا لم يكن له مال آخر يزكيه في وقت معلوم، وكان المستفاد دون النصاب، فلا شئ فيه حتى يتم -مع مال آخر- له نصاب فيزكيه حينئذ، ويبدأ حوله من هذا الحين.
ومقتضى هذا الترجيح التخفيف عن أصحاب الرواتب الصغيرة التي لا تبلغ نصابا، وكذلك الدفعات القليلة التي تدفع لذوي المهن الحرة، ولا تبلغ الدفعة منها نصابًا.

الزكاة في صافى الإيراد والراتب
وإذا كنا قد اخترنا القول بزكاة الرواتب والأجور ونحوها، فالذي نرجحه ألا تؤخذ الزكاة إلا من "الصافي".
وإنما قلنا: "تؤخذ من صافي الإيراد أو الرواتب" ليطرح منه الدين إن ثبت عليه، ويعفى الحد الأدنى لمعيشته ومعيشة من يعوله ؛ لأن الحد الأدنى لمعيشة الإنسان أمر لا غنى له عنه، فهو من حاجاته الأصلية، والزكاة إنما تجب في نصاب فاضل عن الحاجة الأصلية كما حققناه في موضعه (انظر شرط "الفضل عن الحوائج الأصلية" في الفصل الأول من هذا الباب، وفي الفصل الثالث " زكاة النقود"منه أيضًا) كما تطرح النفقات والتكاليف لذوى المهن قياسًا على ما اخترناه في الأرض والنخيل ونحوها: أنه يرفع النفقة ويزكى الباقي، وهو قول عطاء وغيره.
فما بقي بعد هذا كله من راتب السنة وإيرادها تؤخذ منه الزكاة إذا بلغ نصاب النقود، فما كان من الرواتب والأجور لا يبلغ في السنة نصابًا نقديا -بعد طرح ما ذكرناه- كرواتب بعض العمال وصغار الموظفين، فلا تؤخذ منه زكاة

تنبيه
إذا زكى المسلم كسب عمله أو مهنته أو نحو ذلك، من كل مال مستفاد زكى عند استفادته، فلا يجب عليه أن يزكيه مرة أخرى عند الحول، إذا كان له حول معلوم، حتى لا تجب عليه زكاتان في مال واحد في عام واحد ولهذا قلنا عند حديثنا عن المال المستفاد: إن له أن يؤخر زكاته حتى يخرجها مع بقية ماله الحولي ما لم يخش إنفاقها قبل الحول.
ونضرب لذلك مثلا: رجل له مال يزكيه كل حول في أول شهر المحرم فإذا استفاد مالا -راتبه مثلاً- في صفر أو ربيع الأول أو ما بعده من الشهور، وأخرج زكاته حين الاستفادة، فإنه لا يخرج زكاته مرة أخرى في آخر الحول مع ماله، بل يخرج عنه أو عما بقى منه في الحول الثاني، حتى لا نشق عليه بكثرة الأحوال، وقد أقام الله شرعه على التيسير.
__________________
اللهم علمنا ما ينفعنا - وإنفعنا بما علمتنا
اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا إتباعه - وأرنا الباطل باطلا وأرزقنا إجتنابه
اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك
اللهم إجعل عملنا خالصا لوجهك الكريم
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبة وسلم
رد مع اقتباس