عرض مشاركة واحدة
 
  #49  
قديم 02-17-2014
نائل أبو محمد نائل أبو محمد غير متواجد حالياً
عضو بناء
 
تاريخ التسجيل: May 2009
المشاركات: 6,651
افتراضي رد: كتاب : الفرية الكبرى صفين والجمل

فإن قيل بأنه ثبت بالدليل الصحيح وقوع قتلى كثيرون، وهو ما رواه البزار وغيره عن ابن عباس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لنسائه: "أيتكن صاحبة الجمل الأدبب، تخرج فينبحها كلاب الحوأب يقتل عن يمينها وعن يسارها قتلى كثير ثم تنجو بعد ما كادت" .
الجواب عليه: أولا: هذا خبر آحاد والآحاد لا يفيد إلا الظن عند جمهور علماء الحديث والفقه والأصول ، فلا يقاوم القطعي في عدالة الصحابة وأنهم من أهل الجنة كما تقرر في بحث عدالة الصحابة آنفاً، ثانياً: هذا الحديث مما اختلف في صحته، فأنكره القاضي أبو بكر بن العربي ، وقال ابن أبي حاتم وأبو زرعة: حديث منكر، لم يُرو إلا من طريق عصام بن قدامة ، وفي الإسناد أيضاً عكرمة مولى ابن عباس، مختلف عليه، فكذبه مجاهد وابن سيرين ويحيى بن سعيد ومالك بن أنس وغيرهم، ووثقه آخرون ، وهذا يجعله أقل من الظن إلى مستوى الشك في موضوع لا يصلح له إلا الأدلة المتواترة، وكفى الله المؤمنين القتال، ثالثاً: إن أحق من يروي هذه الرواية هو أُمهات المؤمنين رضي الله عنهن، لأنها تبين أن الخطاب لهن وفيهن، وربما لم يكن ابن عباس معهن أيضاً، فلمّا لم يروها أحد منهن دل ذلك على غرابة هذه الرواية، فإن قيل قد وردت رواية في كلاب الحوأب عن عائشة رضي الله عنها تعضد رواية ابن عباس كما في مسند أحمد وغيره: "أنها رضي الله عنها لما بلغت بعض مياه بني عامر ليلاً نبحت الكلاب عليها، فقالت: أي ماء هذه؟ قالوا: هذا ماء الحوأب، فوقفت وقالت: ما أظنني إلا راجعة، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لنا ذات يوم: {كيف بإحداكن تنبح عليها كلاب الحوأب} ، فهذه الرواية فوق كونها ليست في موضوع عدد القتلى الهائل الذي زعمه كذبة المؤرخين، فهي أيضاً مما اختلف عليه، فهي من طريق قيس بن أبي حازم، قال علي بن المديني عن يحيى بن سعيد القطان: قيس بن أبي حازم: منكر الحديث، ثم ذكر له حديث كلاب الحوأب ، وقال عنه يعقوب بن شيبة السدوسي: وكان يحمل على علي وعلى جميع الصحابة ، ومن المعلوم عند أهل الجرح والتعديل أن المتطاول على الصحابة ليس بثقة ولا تقبل روايته ، ثم إن تفرده بها عن بقية عدد الجيش الهائل حسب رواياتهم المزعومة، يخالف قاعدة "عموم البلوى" المعمول بها عند أئمة المسلمين ، لأن الدواعي متوفرة أن يروي هذه الرواية عدد التواتر، فلما لم يكن، دل ذلك على كذبها ولو كان الراوي ثقة، هذا هو مفهوم تلك القاعدة، ولعل هذا هو سبب قول القطان عنه: منكر الحديث، ومما يؤكد نكارته أيضاً، أن قيس ابن أبي حازم لم يشارك في موقعة الجمل ولا هو من الرواة عن عائشة رضي الله عنها، فكيف حصلت له هذه الرواية عنها؟!!.
رد مع اقتباس