عرض مشاركة واحدة
 
  #5  
قديم 02-17-2014
نائل أبو محمد نائل أبو محمد غير متواجد حالياً
عضو بناء
 
تاريخ التسجيل: May 2009
المشاركات: 6,651
افتراضي رد: كتاب : الفرية الكبرى صفين والجمل

وأول أمر نتناوله: إخبارهم عن عدد من حضر هذه الوقعة، فهو كذلك مضطرب المتن لا تقوم به حجة على أن الصحابة اقتتلوا فيما بينهم أو قتل بعضهم بعضاً، فقد روى البيهقي في الدلائل بإسناد منقطع عن صفوان بن عمر قال " كان عدد أهل الشام ستين ألفاً، قُتل منهم عشرون ألفاً، وكان أهل العراق ماية وعشرين ألفاً قُتل منهم أربعون ألفاً" ، وفي كتاب صفين لابن مزاحم "عدد جيش علي ماية وخمسون ألفاً من أهل العراق، وعدد جيش معاوية نحو ذلك" ، وفي تاريخ خليفة "كان علي في مائة ألف يوم صفين وكان معاوية في سبعين ألف" ، ومنه أيضاً "جيش علي خمسون ألفاً" ، وفي مروج الذهب للمسعودي "عدد جيش علي يوم صفين تسعين ألفاً" ، وفي البداية والنهاية "كان عدد جيش علي خمسة وستين ألفاً وكمل في ثمانية وستين ألف فارس" ، وفي نفس المصدر" عدد كل فريق أكثر من مائة ألف" .
فهذا الاختلاف والاضطراب في عدد من شارك عموماً، أما اضطرابهم فيمن شارك في هذه الفتنة من الصحابة خصوصاً وهو ما يعنينا أكثر في هذه العجالة، فحدث ولا حرج أيضاً، وستجد فيه استماتة كذبة المؤرخين من شيعة وغير شيعة على إدخال ذكر الصحابة في هذه الفتن كما ستراه، للنيل من عدالتهم، لكنّ الحمد كله لله على نعمة الإسناد الذي كشف كذبهم وافتراءهم.
ففي تاريخ خليفة بن خياط من طريق يزيد بن عبد الرحمن وجعفر ابن أبي المغيرة وفيهما مقال ، عن عبد الرحمن بن أبزي قال "شهدنا مع علي ثمانمائة ممن بايع بيعة الرضوان" ، وفي بغية الطلب بتاريخ حلب بسند ضعيف من طريق أبي إسرائيل العبسي عن الحكم بن عتيبة "شهد صفين مع علي رضي الله عنه ثمانون بدرياً وخمسون ومائة ممن بايع تحت الشجرة" ، فأبو إسرائيل العبسي تركوه لأنه رافضي يشتم أصحاب النبي محمد صلى الله عليه وسلم ، والحكم بن عتيبة لم يدرك علياً ولا صفين، لأنه ولد سنة خمسين للهجرة أي بعد الفتنة بأربعة عشر عاماً ، كما وقد اتهم بالتدليس والتشيع ، ورواه الحاكم في المستدرك وسكت عنه من طريق الحكم أيضاً بلفظ " ومائتان وخمسون ممن بايع تحت الشجرة" ، وهذا يعني أضافة إلى انقطاعه أنه مضطرب المتن، وفي مستدرك الحاكم عن ابن سيرين قال: " ثارت الفتنة والصحابة عشرة آلاف لم يخفّ فيها منهم إلا أربعون رجلاً، ووقف مع علي بن أبي طالب مئتان وبضع وأربعون رجلاً من أهل بدر منهم أبو أيوب وسهل بن حنيف وعمار" ، فهذا خبر لا يصح سنداً ولا متناً، فأما سنداً: ففيه اسحق بن ابراهيم بن عباد الديري وهو ضعيف ، وأما متناً: ففيه اضطراب بين كونهم أربعين أو مائتين وأربعين، وأيضاً فإن في اشتراك أبي أيوب في هذه الفتنة اختلاف ، وفي تاريخ دمشق وبغية الطلب بتاريخ حلب أيضاً عن محمد بن علي وزيد بن حسن "شهد مع علي من أصحاب بدر سبعون رجلاً، وشهد معه ممن بايع تحت الشجرة سبعماية رجل فيما لا يحصى من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم" ، وفي إسناد هذه الرواية: عمرو بن شمر وجابر الجعفي كذابان ، إضافة إلى انقطاع سندها بين الرواة وبين علي بن أبي طالب، فلم يعاصروا الوقعتين، وفي بغية الطلب عن خباب بن يونس قال" شهد مع علي بن أبي طالب يوم صفين ثمانون بدرياً" ، خباب بن يونس هذا كذبه أهل الجرح والتعديل ، وفي كتاب صفين لابن مزاحم من طريق عمرو بن شمر وجابر الجعفي وهما كذابان: أن الأشتر النخعي قام يخطب ويحرض الناس على قتال أهل الشام، وكان مما قال: "واعلموا أنكم على الحق وأن القوم على الباطل يقاتلون مع معاوية، وأنتم مع البدريين قريب من مائة بدري ومن سوى ذلك من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم" ، وفي تاريخ اليعقوبي من غير إسناد "وكان مع علي يوم صفين من أهل بدر سبعون رجلاً وممن بايع تحت الشجرة سبعماية رجل ومن المهاجرين والانصار أربعماية رجل" ، وفي الإمامة والسياسة من غير إسناد أيضاً "شخص معه تسعماية راكب من وجوه المهاجرين والأنصار" ، وفي مروج الذهب من غير إسناد أيضاً : وكان ممن شهد صفين مع علي من أصحاب بدر سبعة وثمانون رجلاً، منهم سبعة عشر من المهاجرين وسبعون من الأنصار، وشهد معه من الأنصار ممن بايع تحت الشجرة تسعماية، وكان جميع من شهد معه من الصحابة ألفين وثمانمائة" ، وفي مسند الشاميين وتاريخ دمشق بإسناد ضعيف عن عبادة بن نسي قال: "خطبنا معاوية فقال: شهد معي صفين ثلاث مائة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم" ، ففي إسناد هذه الرواية عمرو بن هزان عن أبيه وهما مجهولان ، وفيها أيوب بن سويد الرملي ضعفه أحمد والنسائي وغيرهما ، وقال الذهبي عن هذه الرواية: إسنادها لين ، وفي ميزان الاعتدال وغيره عن حبة العرني قال "كان مع علي في صفين ثمانون بدرياً" وحبة العرني متفق على ضعفه ، وفي تاريخ الطبري من طريق سيف بن عمرو عن الشعبي قال "بالله الذي لا إله إلا هو ما نهض في تلك الفتنة إلا ستة بدريين ما لهم سابع أو سبعة ما لهم ثامن" ، وفي وقعة الجمل لسيف "أن علياً استنفر أهل المدينة فلم يجبه إلا رجلان أحدهما من الأنصار وهو أبو الهيثم بن التيهان وخزيمة بن ثابت" ، وفي العلل ومعرفة الرجال لأحمد والسنة لأبي بكر الخلال بسند صحيح عن ابن سيرين قال "هاجت الفتنة وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عشرة آلاف، فما خفّ لها مائة بل لم يبلغوا ثلاثين" ، وفي السنة للخلال وتاريخ بغداد وغيرهما بسند حسن أنه قيل لشعبة وهو من كبار التابعين: إن أبا شيبة روى عن الحكم عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال" شهد صفين من أهل بدر سبعون رجلاً، قال: كذب والله- يعني أبا شيبة- ذاكرنا الحكم فما وجدنا شهد صفين غير خزيمة بن ثابت" ، فتكذيب شعبة هو لأبي شيبة لأنه ضعيف ومنكر الحديث ، وفي السنة للخلال بسند صحيح عن سعيد ابن المسيب قال: "وقعت الفتنة ولم يبق من أهل بدر أحد، ولم يبق من المهاجرين أحد" .
فهذا الاضطراب في متن هذه الروايات حتى ولو زعموا صحة إسنادها جميعها فهو موجب لضعفها وعدم اعتبارها وكأنها لم تكن، ومن ثم يعني أن أحداً من الصحابة لم يشارك في هذه الفتن، حالها كحال أي رواية مضطربة المتن لا يمكن الجمع بين رواياتها المختلفة المضطربة، حيث لا يمكن إصدار حكم على ما تناقض واضطرب، وأكثر ما يمكن فعله في الروايات المضطربة متناً إن جاز لنا ذلك هو الترجيح بينها مع شرط التسليم بأن فيها الصحيح والضعيف، فيرجح الصحيح على الضعيف، والمتفق على صحته على المختلف فيه، والمسند على غير المسند، وما طابق الواقع والأُصول على ما لم يطابق، فترجح روايات النفي على الإثبات، ولأنها أيضاً بأسانيد صحيحة كما قد علمت.
ثم لو سلمنا جدلاً أن بعض الصحابة شاركوا في هاتين الفتنتين مع المختلف في صحبتهم، على أكثر الروايات الصحيحة آنفاً فإنه لا يتجاوز عددهم ثلاثين من بين ثلاثمائة ألف مقاتل في الجمل وصفين حسب مجموع الروايات المزعومة، أي بنسبة واحد لعشرة آلاف، وبالنسبة لعدد الصحابة الذين مات عنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم على طريقة بعض أهل الحديث في معرفة الصحابي على ما تقدم ذكره بأنه كل من رأى النبي صلى الله عليه وسلم ومات على الإسلام، فهم قرابة مائة ألف عدد من حج معه حجة الوداع، أي بنسبة ثلاثة لكل عشرة آلاف، وبالنسبة لعدد الصحابة على طريقة جمهور أهل الحديث والفقه والأُصول واللغة في معرفة الصحابي بأنه كل من لازم وعاشر النبي صلى الله عليه وسلم، فهم في أكثر ما يمكن ثلاثون ألفاً عددهم في غزوة تبوك، وكانت آخر غزوة للنبي صلى الله عليه وسلم، أي واحد لكل ألف.
رد مع اقتباس