عرض مشاركة واحدة
 
  #84  
قديم 04-01-2011
الصورة الرمزية admin
admin admin غير متواجد حالياً
Administrator
 
تاريخ التسجيل: May 2009
المشاركات: 14,425
افتراضي كل مال نام فهو وعاء للزكاة

كل مال نام فهو وعاء للزكاة
وبهذا الشرط - شرط النماء - نتبين أن كل مال نام يصلح لأن يكون "وعاءً" أو "مصدرًا" للزكاة. ولو لم ينص النبي - صلى الله عليه وسلم - على وجوب الأخذ منه بذاته. فيكفينا أنه يدخل في العمومات القرآنية والنبوية.
وهذا يخالف ما ذهب إليه بعض الفقهاء المضيِّقين في إيجاب الزكاة كابن حزم وغيره من وجوب الاقتصار على الأصناف التي أخذ منها النبي - صلى الله عليه وسلم -. وحصرها في "المحلى" في ثمانية: الإبل والبقر والغنم والقمح والشعير والتمر، والفضة والذهب
(المحلى: 5/209)
. حتى الزبيب لم يثبت عند ابن حزم فيه حديث صحيح، فلم يقل به. فلا زكاة عنده في الثروة الحيوانية إلا في الأنعام الثلاثة: الإبل والبقر والغنم. ولا في الثروة الزراعية إلا في الحنطة والشعير والتمر. ولا في المعادن والنقود إلا في الذهب والفضة. ولا زكاة عنده في عروض التجارة.
ومن الفقهاء من يُضيِّق حتى يقترب من هذا الرأي ومنهم من يُؤسِّع، حتى يشمل كل مال نام في عصره. وأوسع الفقهاء في إيجاب الزكاة هو أبو حنيفة، فهو يوجبها في كل ما أخرجت الأرض مما يُقصد بزراعته النماء. حتى إنه لا يشترط في ذلك نصابًا. ويوجبها في الخيل من الحيوانات، ويوجبها في الحلي، ولكنه لم يوجبها إلا على مكلَّف فأخرج مال الصبي والمجنون من وجوب الزكاة فيه. كما أنه لم يوجب العُشر في أرض خراجية، فأخرج بذلك كثيرًا من أراضي المسلمين من وعاء الزكاة.
ونظرية ابن حزم ومن وافقه أخيرًا -كالشوكاني وصديق حسن خان- في تضييق "وعاء" الزكاة، تقوم على أصلين:
الأول:
حُرمة مال المسلم، التي ثبتت بالنصوص، فلا يجوز أن يؤخذ شيء من ماله إلا بنص.
الثاني:
أن الزكاة تكليف شرعي، والأصل براءة الذمم من التكاليف إلا ما جاء به نص، حي لا نُشرِّع في الدين ما لم يأذن به الله. أما القياس فلا يجوز إعماله، وخاصة في باب الزكاة.
هذا هو منطلق ابن حزم ومن تبعه وأساس تفكيرهم واجتهادهم في هذا الباب.
أما نظريتنا فهي مغايرة لذلك تمامًا. وهي تعتمد على أصول أخرى تعارض هذين الأصلين وسنوضحها بإيجاز فيما يلي:
1- إن عمومات القرآن والسنة تثبت أن في كل مال حقًا أو صدقة وزكاة، كما في قوله تعالى: (والذين في أموالهم حق معلوم)(المعارج: 24)، وقوله: (خذ من أموالهم صدقة)(التوبة: 103) وقوله -صلى الله عليه وسلم-: "أعلمهم أن الله افترض عليهم في أموالهم صدقة، تؤخذ من أغنيائهم فتَرد على فقرائهم"، وقوله: "أدوا زكاة أموالكم"
من غير فصل بين مال ومال في ذلك كله. وعرفنا من السنة أن المقصود من كلمة "الأموال" في هذه النصوص وأمثالها هو "الأموال النامية" لا الأشياء المعدة للانتفاع الشخصي. فلم يجز استثناء بعض الأموال من هذا الحق أو الزكاة أو الصدقة، إلا بدليل ولا دليل.
2- إن كل غني في حاجة إلى أن يتزكَّى ويتطهر، يتزكى بالبذل والإنفاق، ويتطهر من رذيلة الشح، وحب الأنانية، ولهذا قال تعالى: (خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها)(التوبة: 103)
ولا يعقل أن يكون هذا التزكَّي والتطهر واجبًا على زارع الحنطة والشعير. دون صاحب البستان الفسيحة من التفاح و"المانجو" ونحوها. أو مالك المصانع والعمارات الضخمة التي قد تدر من الأرباح والإيرادات أضعاف أضعاف ما تدره الأرض الزراعية.
3- إن كل مال في حاجة إلى أن يتطهر، لما قد يشوبه من شبهات في أثناء كسبه، وطهارة المال إنما تكون بإخراج زكاته كما جاء في الصحيح عن ابن عمر: "إن الله فرض الزكاة طهرة للأموال". وكما روى في بعض الأحاديث: "إذا أديت زكاة مالك فقد أذهبت عنك شره"(رواه ابن خزيمة والحاكم عن جابر مرفوعًا وموقوفًا، وصححه على شرط مسلم، وأقره الذهبي في التلخيص، لكن قال في المهذب: والأصح أنه موقوف. انظر الفيض: 1/253)
. ولا يعقل أن يكون هذا التطهير مقصورًا على الأنواع الثمانية التي ذكرها ابن حزم، دون غيرها من الأموال التي أصبحت هي الآن عماد الثروة الأهلية والحكومية. فكل الأموال في حاجة إلى أن تتطهر ويذهب شرُّها بالزكاة.
4-
إن الزكاة إنما شُرعت لسد حاجة الفقراء والمساكين والغارمين وابن السبيل، ولإقامة المصالح العامة للمسلمين كالجهاد في سبيل الله، وتأليف القلوب على الإسلام والولاء لأهله، وإعانة كل غارم لإصلاح ذات البَيْن، ونحو ذلك مما يعتز به دين الإسلام ودولته.
وسد هذه الحاجات وتحقيق هذه المصالح واجب على كل ذي مال. ومن المستبعد أن يكون الشارع قد قصد إلقاء هذا العبء على من يملك خمسًا من الإبل أو أربعين من الغنم أو خمسة أوسق من الشعير، ثم يعفي كبار الرأسماليين الذين يملكون أعظم المصانع، وأضخم العمارات، أو الأطباء والمحامين وكبار الموظفين ورجال المهن الحُرةَّ الذين يكسبون في اليوم الواحد ما يكسبه صاحب الخمسة من الإبل أو الخمسة من أوسق الشعير في سنوات.
وفكرة الإسلام في المال أنه في الحقيقة مال الله، وأن الإنسان مستخلف فيه، أو نائب عن مالكه الأصلي، وأن لإخوانه الفقراء وذوي الحاجات حقًا في هذا المال باعتبارهم عيال الله. وكذلك المصالح العامة لله باعتبارها "في سبيل الله" وهذه الفكرة تشمل كل مال، وتنطبق على كل غني سواء أكان ماله من الزراعة أو الصناعة أو التجارة، أو غيرها من الأعمال الحرة.
5-
إن القياس أصل من أصول الشريعة عند جمهور الأمة، وإن خالف في ذلك ابن حزم وإخوانه من الظاهرية، ولهذا نرى قياس كل مال نام على الأموال التي أخذ منها الرسول وأصحابه الزكاة.
فنحن نقطع بأن الشرعية لا تفرِّق بين متماثلين، كما لا تجمع بين مختلفين في الحكم. فنحن حين نحكم بوساطة القياس بوجوب الزكاة في مال إنما نُحكِّم الشرع نفسه، فليس هذا من الشرع في الدين بما لم يأذن به الله، وخاصة إذا عرفنا ما ذكرناه في المقدمة: أن الزكاة ليست من أمور العبادة المحضة، بل هي جزء من النظام المالي والاجتماعي في الإسلام.
6-
إننا لا نعارض في حُرمة مال المسلم، وحقه في ملكيته الخاصة، ولكننا نرى أن حق الله - وبعبارة أخرى حق الجماعة - في ماله، وكذلك حق ذوي الحاجة - من الفقراء والمساكين - ثابت أيضًا بنصوصه.
وقد أيد ابن حزم نفسه ذلك، فأوجب في المال حقوقًا سوى الزكاة، وجعل من حق أولي الأمر إجبار الأغنياء على أدائها للفقراء، وجعل من حق الفقير أن يقاتل من أجل ذلك ولا يُعرِّض نفسه للهلكة.
ولكن الأولى من إيجاب حقوق سوى الزكاة: أن يستوفي أولاً من كل مال حق الزكاة، حتى يستوي جميع الأغنياء في هذا التكليف، ثم - إذا بقيت حاجة لم تُسدَ - رجعنا إلى الأغنياء كافة فقلنا لهم: في أموالكم حق سوى الزكاة.
بقيت شُبهة عدم أخذه - صلى الله عليه وسلم - الزكاة من بعض الأموال النامية في عصره. وردي عليها من ناحيتين:
الأولى:
أن نماءها كان ضعيفًا، فعفا عنها تخفيفًا عن أصحابها، وتشجيعًا لهم.
الثانية: أنه تركها لإيمان أصحابها وضمائرهم، فعدم أخذه لا يستلزم أنهم لا يخرجون هم منها ما يطهرهم ويزكيهم. وقد علموا من دينهم أن في الأموال حقًا، وأنه لا خير في مال لا يُزكَّى
__________________
اللهم علمنا ما ينفعنا - وإنفعنا بما علمتنا
اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا إتباعه - وأرنا الباطل باطلا وأرزقنا إجتنابه
اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك
اللهم إجعل عملنا خالصا لوجهك الكريم
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبة وسلم
رد مع اقتباس