عرض مشاركة واحدة
 
  #32  
قديم 12-08-2010
الصورة الرمزية admin
admin admin غير متواجد حالياً
Administrator
 
تاريخ التسجيل: May 2009
المشاركات: 14,425
افتراضي تفسير غرائب القرآن و رغائب الفرقان/القمي النيسابوري (ت 728 هـ) مصنف و مدقق 51-60 من 65

تفسير غرائب القرآن و رغائب الفرقان/القمي النيسابوري (ت 728 هـ) مصنف و مدقق 51-60 من 65



" نعم المال الصالح للرجل الصالح " وكيف لا تعم نعم الله تعالى وقد قال على العموم:

{ يَاأَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُم لَعَلَّكُم تَتَّقُونَ } * { الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشاً وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ } [البقرة2: 21 - 22]

وقال:

{ وَكُنتُم أَمْوَاتاً فَأَحْيَاكُم } [البقرة2: 28]

كل ذلك في معرض الامتنان وشرح النعم. وقال:

{ وَقَلِيلٌ مِن عِبَادِيَ الشَّكُورُ } [سبأ34: 13]
{ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُم شَاكِرِينَ } [الأعراف7: 17]

والشكر لا يكون إلا بعد النعمة.

الثالثة: ما المراد بالنعمة المذكورة في قوله " أنعمت عليهم "؟ قلنا: يتناول كل من كان لله عليه نعمة دينية ودنيوية. ثم إنه يخرج بقوله { غير المغضوب عليهم ولا الضالين } كل من عليه نعمة دنيوية فقط ويبقى الذين أنعم الله عليهم في الدنيا والآخرة من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين. وكما أن أصل النعم الدنيوية هي الحياة المستتبعة لكل المنافع، فكذلك أصل النعم الدينية هو الإيمان المستلزم لجميع الخيرات والسعادات. وكما أن كمال البدن بالحياة فكمال النفس بالإيمان وموتها بفقده

{ إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى } [النمل27: 80]
{ وَمَا أَنتَ بِمُسْمِعٍ مَن فِي الْقُبُورِ } [فاطر40: 22]

وكما أن حياة البدن من الله فكذا الإيمان منه وبتوفيقه. وإضافة الإيمان إلى العبد إضافة الأثر إلى القابل وبذلك القبول يستأهل الثواب. والمؤمن لا يبقى مخلداً في النار، فإن من شرفه الله تعالى بأعظم الأنعام لن يعاقبه بأشد الآلام، فما الإنعام إلا بالإتمام. قيل: لو كان رعاية الأصلح على الله واجباً لم يكن ذلك إنعاماً لأن أداء الواجب لا يسمى إنعاماً. قلت: النزاع لفظي لأن الأصلح لا بد أن يصدر عنه، ولا يليق بحكمته وكماله خلاف ذلك ثم ما شئت فسمه.

الثاني عشر في فوائد قوله { غير المغضوب عليهم ولا الضالين } الأولى: من المغضوب عليهم ومن الضالون؟ قلت: المغضوب عليهم هم المائلون في كل خلق أو اعتقاد إلى طرف التفريط ومنهم اليهود، والضالون هم المائلون إلى طرف الإفراط ومنهم النصارى. وإنما خص الأولون بالغضب عليهم لأن الغضب يلزمه البعد والطرد، والمفرّط في شيء هو المعرض عنه غير مجد بطائل فهو بعيد عن ذلك. وأما المفرط فقد أقبل عليه وجاوز حد الاعتدال، فغاب عن المقصود ومني بالحرمان

{ كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّيَاطِينُ فِي الْأَرْضِ حَيْرَانَ } [الأنعام6: 71]

فاليهود فرطوا في شأن نبي الله ولم يطيعوه وآذوه حتى قالوا بعد أن نجاهم الله من عدوّهم

{ يَمُوسَى اجْعَل لَنَا إِلَهاً كَمَا لَهُمْ ءَالِهَةٌ } [الأعراف7: 138]
{ لَن نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً } [البقرة2: 55]

ولهذا قال عز من قائل

{ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ ءَاذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا }[الأحزاب33: 69]

-51-

والنصارى أفرطوا وقالوا

{ الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ } [التوبة9: 30]
{ إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ } [المائدة5: 73]

روي عن عدي بن حاتم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " غير المغضوب عليهم اليهود والضالون النصارى " وتصديق ذلك من كتاب الله حيث قال في اليهود

{ وَبَاءُو بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ } [آل عمران3: 112]

وفي النصارى

{ وَضَلُّوا عَن سَوَاءِ السَّبِيلِ } [المائدة5: 77]

هذا شأن الفريقين. وأما المؤمنون فطلبوا الوسط بين المنحرفين وذلك من لطف الله تعالى بهم وفضله عليهم

{ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُم أُمَّةً وَسَطاً } [البقرة2: 143]
{ كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَت لِلنَّاسِ } [آل عمران3: 110]

وخير الأمور أوسطها.

الثانية: الآية تدل على أن أحداً من الملائكة والأنبياء ما أقدم على عمل أو اعتقاد يخالف الحق وإلا لكان ضالاً لقوله تعالى

{ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ } [يونس10: 32]

يصلح للاقتداء به والاهتداء بطريقه.

الثالثة: ما الفائدة في أن عدل من أن يقول اهدنا صراط الذين أنعمت عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين إلى ما عدل؟ قلت: الإيمان إنما يكمل بالرجاء والخوف كما قال صلى الله عليه وسلم: " لو وزن خوف المؤمن ورجاؤه لاعتدلا " فقوله { صراط الذين أنعمت عليهم } يدل على الرجاء، وباقي الآية يدل على الخوف، فيكمل الإيمان بطرفيه وركنيه.

الثالث عشر: في تفسير السورة مجموعة وفيه مناهج:

المنهج الأول نسبة عالم الغيب إلى عالم الشهادة، ونسبة الأصل إلى الفرع، والنور إلى الظلمة، فكل شاهد. فله في الغائب أصل وإلا كان كسراب زائل وخيال باطل، وكل غائب فله في الشاهد مثال وإلا كان كشجرة بلا ثمرة ومدلول بلا دليل، وكل شريف فهو بالنسبة إلى ما دونه مطاع كما قال عز من قائل

{ ذِي قُوَّةٍ عِندَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ } * { مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ } [التكوير81: 20 - 21]

والمطاع في عالم الروحانيات مطاع في عالم الجسمانيات، والمطاع في عالم الأرواح هو المصدر، والمطاع في عالم الأجسام هو المظهر. ولا بد من أن يكون بينهما ملاقاة ومجانسة وبهما تتم سعادة الدارين لأنهما يدعوان إلى الله بالرسالة. وحاصل الدعوة أمور سبعة تشتمل عليها خواتيم سورة البقرة، أربعة منها تتعلق بالمبدأ وهي معرفة الربوبية أعني معرفة الله تعالى وملائكته وكتبه ورسله

{ ءَامَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ ءَامَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِن رُسُلِهِ } [البقرة2: 285]

واثنان منها تتعلق بالوسط أحدهما مبدأ العبودية

{ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا } [البقرة2: 285]

والثاني كمال العبودية وهو الالتجاء إلى الله وطلب المغفرة منه

{ غُفْرَانَكَ رَبَّنَا } [البقرة2: 285]

وواحد يتعلق بالمعاد وهو الذهاب إلى حضرة الملك الوهاب

{ وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ } [البقرة2: 285]

ويتفرع على هذه المراتب سبع مراتب في الدعاء والتضرع أولها

{ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِن نَسِينَا أَو أَخْطَأْنَا } [البقرة2: 286]

فضد النسيان هو الذكر

{ وَاذْكُر رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ } [الكهف18: 24]

وهذا الذكر إنما يحصل بقوله { بسم الله الرحمن الرحيم }.



-52-
وثانيها



ودفع الإصر والثقل يوجب { الحمد لله رب العالمين }. وثالثها:


ذلك إشارة إلى كمال رحمته " الرحمن الرحيم " ورابعها

{ وَاعْفُ عَنَّا } [البقرة2: 286]

لأنك أنت المالك للقضاء والحكومة في يوم الدين { مالك يوم الدين }. وخامسها

{ وَاغْفِر لَنَا } [البقرة2: 286]

لأنا التجأنا بكليتنا إليك وتوكلنا في جميع الأمور عليك { إياك نعبد وإياك نستعين }. وسادسها

{ وَارْحَمْنَا } [البقرة2: 286]

لأنا طلبنا الهداية منك { اهدنا الصراط المستقيم } وسابعها


{ صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين }. فهذه المراتب ذكرها محمد صلى الله عليه وسلم في عالم الروحانيات عند صعوده إلى المعراج، فلما نزل من المعراج فاض أثر المصدر على المظهر فوقع التعبير عنها بسورة الفاتحة، فمن قرأها في صلاته صعدت هذه الأنوار من المظهر إلى المصدر كما نزلت في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم من المصدر إلى المظهر، فلهذا السبب قال صلى الله عليه وسلم: " الصلاة معراج المؤمن ".

المنهج الثاني: المداخل التي يأتي الشيطان من قبلها في الأصل ثلاثة: الشهوة والغضب والهوى. الشهوة بهيمية، والغضب سبعية، والهوى شيطانية أرضية، ولهذا قال: فالشهوة آفة لكن الغضب أعظم منها، والغضب آفة لكن الهوى أعظم منه. قال تعالى


أي الشهوة، والمنكر الغضب، والبغي الهوى، فبالشهوة يصير الإنسان ظالماً لنفسه، وبالغضب ظالماً لغيره، وبالهوى لربه، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم " الظلم ثلاثة: فظلم لا يغفر وظلم لا يترك وظلم عسى الله أن يتركه، فالظلم الذي لا يغفر هو الشرك بالله، والظلم الذي لا يترك هو ظلم العباد بعضهم بعضاً، والظلم الذي عسى الله أن يتركه هو ظلم الإنسان نفسه " ونتيجة الشهوة الحرص والبخل، ونتيجة الغضب العجب والكبر، ونتيجة الهوى الكفر والبدعة. ويحصل من اجتماع هذه الست في بني آدم خصلة سابعة هي الحسد وهو نهاية الأخلاق الذميمة، كما أن الشيطان هو النهاية في الأشخاص المذمومة، ولهذا السبب ختم الله تعالى مجامع الشرور الإنسانية بالحسد في قوله تعالى:


كما ختم جوامع الخبائث الشيطانية بالوسوسة في قوله


روي أن إبليس أتى باب فرعون وقرع الباب فقال فرعون: من هذا؟ قال: إبليس ولو كنت إلهاً ما جهلت. فلما دخل قال فرعون: أتعرف في الأرض شراً مني ومنك؟ قال: نعم، الحاسد، وبالحسد وقعت فيما وقعت. ثم نقول: الأسماء الثلاثة في التسمية دافعة للأخلاق الثلاثة الأصلية، والآيات السبع التي هي الفاتحة دافعة للأخلاق السبعة، بيان ذلك من عرف الله تباعد عنه شيطان الهوى

-53-


يا موسى خالف هواك فإني ما خلقت خلقاً نازعني في ملكي إلا هواك. ومن عرف أنه رحمن لم يغضب لأن منشأ الغضب طلب الولاية والولاية للرحمن



ومن عرف أنه رحيم صحح نسبته إليه فلا يظلم نفسه ولا يلطخها بالأفعال البهيمية. وأما الفاتحة فإذا قال " الحمد لله " فقد شكر الله واكتفى بالحاصل فزالت شهوته، ومن عرف أنه رب العالمين زال حرصه فيما لم يجد وبخله فيما وجد، ومن عرف أنه { مالك يوم الدين } بعد أن عرف إنه { الرحمن الرحيم } زال غضبه، ومن قال: { إياك نعبد وإياك نستعين } زال كبره بالأول وعجبه بالثاني، وإذا قال { اهدنا الصراط المستقيم } اندفع عنه شيطان الهوى، وإذا قال { صراط الذين أنعمت عليهم } زال عنه كفره، وإذا قال { غير المغضوب عليهم ولا الضالين } اندفعت بدعته، وإذا زالت عنه الأخلاق الستة اندفع عنه الحسد، ثم إن جملة القرآن كالنتائج والشعب من الفاتحة وكذا جميع الأخلاق الذميمة كالنتائج والشعب من تلك السبعة، فلا جرم القرآن كله كالعلاج لجميع الأخلاق الذميمة. وهنا نكتة دقيقة تتعلق بالرب والإله وبسببها ختم القرآن عليها، كأنه قال: إن أتاك الشيطان من قبل الشهوة فقل أعوذ برب الناس، وإن أتاك من قبل الغضب فقل ملك الناس، وإن أتاك من قبل الهوى فقل إله الناس.

المنهج الثالث: في أن سورة الفاتحة جامعة لكل ما يفتقر إليه الإنسان في معرفة المبدأ والوسط والمعاد " الحمد لله " إشارة إلى إثبات الصانع المختار العليم الحكيم المستحق للحمد والثناء والتعظيم. " رب العالمين " يدل على أن ذلك الإله واحد وأن كل العالمين ملكه وملكه وليس في العالم إله سواه، ولهذا جاء في القرآن الاستدلال بخلق الخلائق كثيراً


وهذه الحالة كما أنها في نفسها دليل على وجود الرب فكذلك هي في نفسها إنعام عظيم، وذلك أن تولد الأعضاء المختلفة الطبائع والصور من النطفة المتشابهة الأجزاء لا يمكن إلا إذا قصد الخالق إيجاد تلك الأعضاء على تلك الصور والطبائع، وكل منها مطابق للمطلوب وموافق للغرض كما يشهد به علم تشريح الأبدان. فلا أحق بالحمد والثناء من هذا المنعم المنان الكريم الرحمن الرحيم الذي شمل إحسانه قبل الموت وعند الموت وبعد الموت. { مالك يوم الدين } يدل على أن من لوازم حكمته ورحمته أن يقدر بعد هذا اليوم يوماً آخر يظهر فيه تمييز المحسن من المسيء والمظلوم من الظالم، وههنا تمت معرفة الربوبية.

-54-

ثم إن قوله " إياك نعبد " إشارة إلى الأمور التي لا بد من معرفتها في تقرير العبودية وهي نوعان: الأعمال والآثار المتفرعة على الأعمال أما الأعمال فلها ركنان: أحدهما الإتيان بالعبادة وهو قوله " إياك نعبد " والثاني علمه بأنه لا يمكنه ذلك إلا بإعانة الله وهو قوله " وإياك نستعين ". وأما الآثار المتفرعة على الأعمال فهي حصول الهداية والتحلي بالأخلاق الفاضلة المتوسطة بين الطرفين المستقيمة بين المنحرفين { اهدنا الصراط المستقيم } إلى آخره وفي قوله { صراط الذين أنعمت عليهم } دليل على أن الاستضاءة بأنوار أرباب الكمال خلة محمودة وسنة مرضية " هم القوم لا يشقى بهم جليسهم "

{ قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ } [آل عمران3: 31]

وفي قوله { غير المغضوب عليهم ولا الضالين } إشارة إلى أن التجنب عن مرافقة أصحاب البدع والأهواء واجب.

عن المرء لا تسأل وسل عن قرينهفكل قرين بالمقارن يقتدي
والجمر يوضع في الرماد فيخمد


المنهج الرابع: قال صلى الله عليه وسلم حكاية عن الله عز وجل قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين فإذا قال العبد { بسم الله الرحمن الرحيم } يقول الله: ذكرني عبدي. وإذا قال: { الحمد لله رب العالمين } يقول الله: حمدني عبدي وإذا قال: " الرحمن الرحيم " يقول الله: عظمني عبدي. وإذا قال: { مالك يوم الدين } يقول الله: مجدني عبدي - وفي رواية فوض إلي عبدي - وإذا قال: " إياك نعبد " يقول الله: عبدني عبدي وإذا قال: " وإياك نستعين " يقول الله: توكّل عليّ عبدي - وفي رواية وإذا قال: { اهدنا الصراط المستقيم } يقول الله: هذا لعبدي ولعبدي ما سأل فقوله " قسمت الصلاة بيني وبين عبدي " إشارة إلى أن أهم مهمات العبد أن يستنير قلبه بمعرفة الربوبية ثم بمعرفة العبودية، لأنه إنما خلق لرعاية هذا العهد

{ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ } [الذاريات51: 56]
{ وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُم } [البقرة2: 40]

فلا جرم أنزل الله تعالى هذه السورة جامعة لكل ما يحتاج إليه العبد في الوفاء بذلك العهد وقوله " إذا قال العبد: بسم الله الرحمن الرحيم يقول الله ذكرني عبدي " مناسب لقوله تعالى { فاذكروني أذكركم } " أنا جليس من ذكرني فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منه " والذكر مقام عالٍ شريف ذكره الله تعالى في القرآن كثيراً

{ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً } [الأحزاب33: 41]
{ وَاذْكُر رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ } [الأعراف7: 205]
{ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُم مُبْصِرُونَ } [الأعراف7: 201]
{ الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِم } [آل عمران3: 191]

ولهذا وقع الإبتداء به. وقوله " ذكرني عبدي " دل على أن ذاته المخصوصة صارت مذكورة بقوله { بسم الله الرحمن الرحيم } وهذا يدل على أن الله اسم علم.

-55-

وقوله " إذا قال: الله رب العالمين يقول الله: حمدني عبدي " يدل على أن مقام الحمد أعلى من مقام الذكر لأنه أول كلام في أول خلق العالم حيث قالت الملائكة:

{ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ } [البقرة2: 30]

وآخر كلام في الجنة

{ وَءَاخِرُ دَعْوَاهُم أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ } [يونس10: 10]

ولأن الفكر في ذات الله تعالى غير ممكن " تفكروا في آلاء الله ولا تفكروا في الله " وكل من تفكر في مخلوقاته ومصنوعاته كان وقوفه على رحمته وفضله وإحسانه أكثر فيحمد الله تعالى أكثر، فقوله " حمدني عبدي " شهادة من الله تعالى على وقوف العبد بعقله وفكره على وجوه فضله وإنعامه في ترتيب العالم وتربية العالمين، وأنه أقر بقلبه ولسانه بكرمه وإحسانه. قوله " وإذا قال: الرحمن الرحيم " " يقول الله: عظمني عبدي " يدل ذلك على أن الإله الكامل المكمل المنزه عن الشريك والنظير والمثل والند والضد، هو في غاية الرحمة والفضل والكرم مع عباده. ولا شك أن غاية ما يصل العقل والفهم والوهم إليه من تصور معنى الكمال والجلال ليس إلا هذا المقام وهو التعظيم لله. وقوله " وإذا قال: مالك يوم الدين يقول الله: مجدني عبدي " أي نزهني وقدسني عن الظلم وعن شبهة الظلم حيث قضيت معاداً يحشر إليه العباد ويقضي فيه بين الظالم والمظلوم والقوي والضعيف.

أيحسب الظالم في ظلمهأهمله القادر أم أمهلا
ما أهملوه بل لهم موعدلن يجدوا من دونه موئلا


وقوله " وإذا قال العبد إياك نعبد وإياك نستعين قال الله هذا بيني وبين عبدي " معناه أن " إياك نعبد " يدل على إقدام العبد على الطاعة والعبادة ولا يتم ذلك إلا بإعانة الله بخلق داعية فيه خالصة عن المعارض، فإن العبد غير مستقل بالإتيان بذلك العمل فهو المراد من قوله " وإياك نستعين " وقوله " وإذا قال: اهدنا الصراط المستقيم يقول الله: هذا لعبدي ولعبدي ما سأل " تقريره أن أهل العلم مختلفون بالنفي والإثبات في جميع المسائل الإلهية أو أكثرها، وفي المعاد والنبوات وغيرها مع استواء الكل في العقل والنظر. فالاهتداء إلى ما هو الحق في الأمر نفسه ليس إلا بهداية الله تعالى وإرشاده كما قالت الملائكة

{ سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا } [البقرة2: 32]

وقال إبراهيم عليه السلام

{ لَئِن لَّمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ } [الأنعام6: 77]

وقال موسى

{ قَالَ رَبِّ اشْرَح لِي صَدْرِي * وَيَسِّر لِي أَمْرِي } [طه20: 25 - 26].

المنهج الخامس: آيات الفاتحة سبع والأعمال المحسوسة في الصلاة أيضاً سبعة: القيام والركوع والانتصاب منه والسجود الأول والانتصاب منه والسجود الثاني والقعدة.

-56-

فهذه الأعمال كالشخص والفاتحة لها كالروح، وإنما يحصل الكمال عند اتصال الروح بالجسد، فقوله { بسم الله الرحمن الرحيم } بإزاء القيام، ألا ترى أن الباء في بسم الله لما اتصل باسم الله حصل قائماً مرتفعاً. وأيضاً التسمية لبداية الأمور " كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه باسم الله أبتر " والقيام أيضاً أول الأعمال. وقوله { الحمد لله رب العالمين } بإزاء الركوع لأن الحمد في مقام التوحيد نظراً إلى الحق وإلى الخلق والمنعم والنعمة، لأنه الثناء على الله بسبب الإنعام الصادر منه إلى العبد، فهو حالة متوسطة بين الإعراض والاستغراق، كما أن الركوع متوسط بين القيام والسجود، وأيضاً ذكر النعم الكثيرة مما يثقل الظهر فينحني وقوله " الرحمن الرحيم " مناسب للانتصاب، لأن العبد لما تضرع إلى الله بالركوع فاللائق برحمته أن يرده إلى الانتصاب ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: " إذا قال العبد: سمع الله لمن حمده نظر الله إليه بالرحمة " وقوله { مالك يوم الدين } مناسب للسجدة الأولى لدلالته على كمال القهر والجلال والكبرياء وذلك يوجب الخوف الشديد المستتبع لغاية الخضوع. وقوله { إياك نعبد وإياك نستعين } مناسب للقعدة بين السجدتين لأن إياك نعبد إخبار عن السجدة التي تقدمت و " إياك نستعين " استعانة بالله في أن يوفقه للسجدة الثانية، وقوله { اهدنا الصراط المستقيم } سؤال لأهم الأشياء فيليق به السجدة الثانية ليدل على نهاية الخشوع. وقوله { صراط الذين أنعمت عليهم } إلخ. مناسب للقعود لأن العبد لما أتى بغاية التواضع قابله الله بالإكرام والقعود بين يديه وحينئذ يقرأ " التحيات لله " كما أن محمداً صلى الله عليه وسلم قرأها في معراجه فالصلاة معراج المؤمن.

المنهج السادس: آيات الفاتحة سبع وأعمال الصلاة المحسومة سبعة كما تقدم، ومراتب خلق الإنسان سبع

{ وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِن سُلَالَةٍ مِن طِينٍ *ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ * ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَاماً فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْماً ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقاً ءَاخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ } [المؤمنون23: 12 - 14]

فنور آيات الفاتحة يسري إلى الأعمال السبعة، ونور الأعمال السبعة يسري إلى هذه المراتب فيحصل في القلب نور على نور، ثم ينعكس إلى وجه المؤمن " من كثرت صلاته بالليل حسن وجهه بالنهار ".

المنهج السابع: إنه كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم معراجان: من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى ثم من المسجد الأقصى إلى عالم الملكوت. هذا في عالم الحس، وأما في عالم الأرواح، فمن الشهادة إلى الغيب، ثم من الغيب إلى غيب الغيب، فهذا بمنزلة قوسين متلاصقين، فتخطاهما محمد صلى الله عليه وسلم فكان قاب قوسين. وقوله " أو أدنى " إشارة إلى فنائه في نفسه. والمراد بعالم الشهادة كل ما يتعلق بعالم الجسم والجسمانيات، وبعالم الأرواح ما فوق ذلك من الأرواح السفلية، ثم المتعلقة بسماء سماء إلى الملائكة الحافين من حول العرش، ثم إلى حملة العرش ومن عند الله الذين طعامهم ذكر الله وشرابهم محبته وأنسهم بالثناء عليه ولذتهم في خدمته

-57-

{ لَا يَسْتَكْبِرُونَعَن عِبَادَتِهِ وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ *يُسَبِّحُونَ الَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ } [الأنبياء21: 19 - 20]

وهكذا يتصاعد إلى أن ينتهي إلى نور الأنوار وروح الأرواح ولا يعلم تفاصيلها إلا الله أو من ارتضاه، والمقصود أن نبينا صلى الله عليه وسلم لما عرج وأراد أن يرجع قال رب العزة: المسافر إذا عاد إلى وطنه أتحف أصحابه وإن تحفة أمتك الصلاة الجامعة بين المعراجين الجسماني بالأفعال والروحاني بالأذكار. فليكن المصلي ثوبه طاهراً وبدنه طاهراً لأنه بالوادي المقدس طوى. وأيضاً عنده ملك وشيطان، ودين ودنيا، وعقل وهوى، وخير وشر، وصدق وكذب، وحق وباطل، وحلم وطيش، وقناعة وحرص، وسائر الأخلاق المتضادة والصفات المتنافية، فلينظر أيها يختار فإنه إذا استحكمت المرافقة تعذرت المفارقة، اختار الصديق صحبة محمد صلى الله عليه وسلم فلم يفارقه في الدنيا وفي القبر ويكون معه في القيامة وفي الجنة، وصحب كلب أصحاب الكهف فلزمهم في الدنيا والآخرة قال تعالى:

{ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ } [التوبة9: 119]

ثم إذا تطهر فليرفع يديه إشارة إلى توديع الدنيا والآخرة وليوجه قلبه وروحه وسره إلى الله ثم ليقل " الله أكبر " أي من كل الموجودات بل هو أكبر من أن يقاس إليه غيره بأنه أكبر منه، ثم ليقل " سبحانك اللهم وبحمدك " وفي هذا المقام ينكشف له نور سبحات الجلال، ثم ليقل " تبارك اسمك " إشارة إلى الدوام المنزه عن الإفناء والإعدام ليطالع حقيقة الأزل في القدم وحقيقة الأبد في البقاء، فيتجلى له نور الأزل والأبد، ثم ليقل " وتعالى جدك " إشارة إلى أنه أعلى وأعظم من أن تكون صفات جلاله ونعوت كماله محصورة في القدر المذكور، ثم ليقل " ولا إله غيرك " إشارة إلى أن صفات الجلال وسمات الكمال له تعالى لا لغيره فهو الكامل الذي لا كامل إلا هو وفي الحقيقة لا هو إلا هو، وههنا بكل اللسان وتدهش الألباب، ثم عد أيها المصلي إلى نفسك وحالك وقل " وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض " فقولك " سبحانك اللهم وبحمدك " معراج الملائكة المقربين حيث قالوا

{ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ } [البقرة2: 30]

وهو أيضاً معراج محمد صلى الله عليه وسلم لأن معراجه مفتتح بقوله " سبحانك اللهم وبحمدك " وقوله " وجهت وجهي " معراج الخليل صلى الله عليه وسلم، وقولك " إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي " معراج الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم.

-58-

فقد جمع المصلي بين معراج الملائكة المقربين ومعراج عظماء الأنبياء والمرسلين ثم إذا فرغت من هذه الحالة فقل " أعوذ بالله من الشيطان الرجيم " لتدفع العجب عن نفسك، وفي هذه المقام يفتح لك أحد أبواب الجنة وهو باب المعرفة، وبقولك { بسم الله الرحمن الرحيم } يفتح باب الذكر، وبقولك { الحمد لله رب العالمين } يفتح باب الشكر، وبقولك " الرحمن الرحيم " يفتح باب الرجاء، وبقولك { مالك يوم الدين } يفتح باب الخوف، وبقولك { إياك نعبد وإياك نستعين } يفتح باب الإخلاص المتولد من معرفة العبودية ومعرفة الربوبية وبقولك { اهدنا الصراط المستقيم } يفتح باب الدعاء والتضرع

{ ادْعُونِي أَسْتَجِب لَكُم } [غافر40: 60]

وبقولك: { صراط الذين أنعمت عليهم } الخ. يفتح باب الاقتداء بالأرواح الطيبة والاهتداء بأنوارهم، فجنات المعارف الربانية انفتحت لك أبوابها الثمانية بهذه المقاليد الروحانية، فهذا بيان المعراج الروحاني في الصلاة، وأما الجسماني فأولى المراتب أن تقوم بين يدي الله كقيام أصحاب الكهف

{ إِذ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ } [الكهف18: 14]

بل قيام أهل القيامة

{ يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ } [المطففين83: 6]

ثم اقرأ " سبحانك اللهم وبحمدك " ثم " وجهت وجهي " ثم " الفاتحة " وبعدها " ما تيسر لك من القرآن " واجتهد في أن تنظر من الله إلى عبادتك حتى تستحقرها، وإياك أن تنظر من عبادتك إلى الله فإنك إن فعلت ذلك صرت من الهالكين وهذا سر قوله: { إياك نعبد وإياك نستعين } واعلم أن نفسك إلى الآن جارية مجرى خشية عرضتها على نار خوف الجلال فلانت، فاجعلها منحنية بالركوع ثم اتركها لتستقيم مرة أخرى، فإن هذا الدين متين فأوغل فيه برفق ولا تبغض طاعة الله إلى نفسك " فإن المنبت لا أرضاً قطع ولا ظهراً أبقى " فإذا عادت إلى استقامتها فانحدر إلى الأرض بغاية التواضع واذكر ربك بغاية العلو وقل: " سبحان ربي الأعلى " فإذا سجدت ثانية حصل لك ثلاثة أنواع من الطاعة... ركوع واحد وسجدتان، فبالركوع تنجو من عقبة الشهوات، وبالسجود الأول من عقبة الغضب الذي هو رئيس المؤذيات، وبالسجود الثاني تنجو من عقبة الهوى الداعي إلى كل المضلات. فإذا تجاوزت هذه الصفات وتخلصت عن هذه الدركات، وصلت إلى الدرجات العاليات وملكت الباقيات الصالحات، وانتهيت إلى عقبة جلال مدبر الأرض والسموات، فقل عند ذلك " التحيات المباركات " باللسان، و " الصلوات " بالأركان و " الطيبات " بالجنان وقوة الإيمان بالله، فيصعد نور روحك وينزل نور روح محمد صلى الله عليه وسلم فيتلاقى الروحان ويحصل هناك الروح والريحان فقل " السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته " فعند ذلك يقول محمد صلى الله عليه وسلم " السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين " فكأنه قيل لك: بم نلت هذه الكرامات؟ فقل: بقولي: " أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له واشهد أن محمداً رسول الله " فقيل: إن محمداً الذي هداك أي شيء هديتك له صلى الله عليه وسلم؟ فقل " اللهم صل على محمد وآل محمد " ، فقيل لك: إن إبراهيم صلى الله عليه وسلم وهو الذي قال



-59-
{ رَبَّنَا وَابْعَث فِيهِم رَسُولاً مِنْهُمْ } [البقرة2: 129]

فما جزاؤك له صلى الله عليه وسلم؟ فقل " كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين " فيقال لك: هذه الخيرات من محمد وإبراهيم أو من الله؟ فقل: بل من الحميد المجيد " إنك حميد مجيد ". ثم إن العبد إذا ذكر الله تعالى بهذه الأثنية والمدائح ذكره الله تعالى في محافل الملائكة " إذا ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير من ملئه " فإذا سمع الملائكة ذلك اشتاقوا إلى العبد فقال الله تعالى: إن الملائكة اشتاقوا إلى زيارتك وقد جاؤوك زائرين فابدأ بالسلام عليهم لتكون من السابقين، فقل عن اليمين وعن الشمال " السلام عليكم ورحمة الله وبركاته " فلا جرم إذا دخل المصلون الجنة فالملائكة يدخلون عليهم من كل باب سلام عليكم بما صبرتهم فنعم عقبى الدار.

المنهج الثامن: أعظم المخلوقين جلالة ومهابة المكان والزمان، فالمكان فضاء لا نهاية له، وخلاء لا غاية له، والزمان امتداد وهمي شبيه بنهر خرج من قعر جبل الأزل فامتد ودخل في قعر الأبد، فلا يعرف لانفجاره مبدأ ولا لاستقراره منزل. فالأول والآخر صفة الزمان، والظاهر والباطن صفة المكان، وكمال هذه الأربعة " الرحمن الرحيم " فالحق سبحانه وسع المكان ظاهراً وباطناً، ووسع الزمان أولاً وآخراً، وهو منزه عن الافتقار إلى المكان والزمان، فإنه كان ولا مكان ولا زمان، فعقد المكان بالكرسي

{ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ } [البقرة2: 255]

وعقد الزمان بالعرش

{ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ } [هود11: 7]

لأن جري الزمان يشبه جري الماء، فالعلو صفة الكرسي

{ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ } [البقرة2: 255]

والعظمة صفة العرش

{ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ } [التوبة9: 129]

وكمال العلو والعظمة لله

{ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ } [البقرة2: 255]

والعلو والعظمة درجتان من درجات الكمال إلا أن العظمة أقوى وفوق الكل درجة الكبرياء " الكبرياء ردائي والعظمة إزاري " ولا يخفى أن الرداء أعظم من الإزار وفوق جميع الصفات صفة الجلال وهي تقدسه في هويته المخصوصة عن مناسبة الممكنات وبه استحق الإلهية، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: " ألظوا بيا ذا الجلال والإكرام " وفي التنزيل

{ وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالإِكْرَامِ } [الرحمن55: 27]

فالمصلي يبتغي وجه الله، والداخل على السلطان يجب أن يتطهر من الأدناس والأرجاس، وأولى المراتب التطهر من دنس الذنوب

{ تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً } [التحريم66: 8]

ثم من الدنيا حلالها وحرامها وهو الزهد، ثم من الكونين الدنيا والآخرة وهو مقام المعرفة، ثم من الالتفات إلى أعماله وهو مقام الإخلاص، ثم من الالتفات إلى عدم الالتفات وهو مقام المحسنين، ثم من الالتفات إلى كل ما سوى الله وهو مقام الصديقين، ثم قم قائماً

-60-
__________________
اللهم علمنا ما ينفعنا - وإنفعنا بما علمتنا
اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا إتباعه - وأرنا الباطل باطلا وأرزقنا إجتنابه
اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك
اللهم إجعل عملنا خالصا لوجهك الكريم
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبة وسلم

آخر تعديل بواسطة admin ، 12-08-2010 الساعة 08:34 PM
رد مع اقتباس