الموضوع: 019 - سورة مريم
عرض مشاركة واحدة
 
  #5  
قديم 10-11-2009
موسى أحمد الزغاري موسى أحمد الزغاري غير متواجد حالياً
عضو فعال
 
تاريخ التسجيل: May 2009
المشاركات: 154
افتراضي رد: 019 - سورة مريم

{أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ}

{ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ - وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا} .

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله محمد بن عبدالله النبي الأمي الأمين أما بعد:
قال المفسر الزمخشري : جعل المس عبارة عن النكاح الحلال لأنه كناية عنه لقوله
{ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ} [ 49 / الأحزاب / 33 ] .
{أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ } [ 43 / النساء 4 ] .
والزنا ليس كذلك إنما يقال فجر بها وخبث بها وما أشبه ذلك، وليس بقمن أن يراعى فيه الكنايات والآداب ، والبغيّ: الفاجرة التي تبغي الرجال .
والبقاعي قال : { قالت } مريم: { أنّى } أي من أين وكيف { يكون لي غلام } ألده { ولم يمسسني بشر } بنكاح أصلاً حلال ولا غيره بشبهة ولا غيرها.

البغوي : { يَكُونُ لِى غُلَـٰمٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِى بَشَرٌ } ، لم يقربني زوج، { وَلَمْ أَكُ بَغِيّاً } ، فاجرةً ؛ تريد أن الولد إنما يكون من نكاح أو سفاح، ولم يكن هنا واحد منهما.
مما سبقَ نرى أنَّ المفسرينَ قد جعلوا قوله تعالى : {وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ } هو النكاح الحلال ، ويقصدون بذلك الوطئ الحلال أي الجماع . واعتبروا ان قوله تعالى : { وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا } هو الزنا .

وذلك خطأُ ؛ فقد قال بخلاف ذلك مفسرون آخرون .
فقال القرطبي رحمه الله : وذكرت هذا { وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا } تأكيداً ؛ لأن قولها لم يمسسني بشر يشمل الحلال والحرام .

وقال ابن حيان الأندلسي في البحر المحيط:

وفي قولها { ولم أك بغياً } تخصيص بعد تعميم لأن مسيس البشر يكون بنكاح وبسفاح . انتهى .

فنرى أنَّ قوله تعالى : { ولم يَمْسَسني بَشَر } يشملُ المسَّ الحلال والحرام ، ويكونُ بنكاحٍ وسفاحٍ . وأسوقُ لكُمُ الآياتِ التي جاءَ فيها ذِكرُ المسِّ حينما يرتبطُ بالنساءِ ، وهو يدل على الجماعِ فقط ، لا على النكاحِ ، والمقصود أنَّ النكاحَ هو العقد ابتداءً ، وأمَّا المسُّ فهو تابعٌ ويعني الجماع . فهي وأقصدُ مريمَ عليها السلام قصدتْ أنَّهُ لمْ يمسَسْهَا رجلٌ البتة لا بحلالٍ ولا بحرامٍ . وأعادت النفي بعبارة أخرى وهي { ولم أك بغياً } لسبيينِ اثنينِ ؛ الأولُ : التأكيدُ على النفيِ الأولِ ، والثاني : التخصيص . بالمسِّ الحرامِ دونَ المسَّ العامَّ من حلالٍ وحرام ٍ. وإليكم الآيات :

أ‌- { لاَّ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِن طَلَّقْتُمُ ٱلنِّسَآءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُواْ لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى ٱلْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى ٱلْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتَاعاً بِٱلْمَعْرُوفِ حَقّاً عَلَى ٱلْمُحْسِنِينَ } [ 236/ البقرة / 2 ] .
ب‌- { وَإِن طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلاَّ أَن يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَاْ ٱلَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ ٱلنِّكَاحِ وَأَن تَعْفُوۤاْ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ وَلاَ تَنسَوُاْ ٱلْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ ٱللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ } [ 237 / البقرة / 2 ] .
ت‌- { قَالَتْ رَبِّ أَنَّىٰ يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قَالَ كَذَلِكَ ٱللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَآءُ إِذَا قَضَىٰ أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ } [ 47 / آل عمران / 3 ] .
ث‌- { قَالَتْ أَنَّىٰ يَكُونُ لِي غُلاَمٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيّاً } [ 20 / مريم / 19 ] .
ج‌- { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِذَا نَكَحْتُمُ ٱلْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً } [ 49 / الأحزاب / 33 ] .
ح‌- { وَٱلَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِن نِّسَآئِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُواْ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِّن قَبْلِ أَن يَتَمَآسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ } [ 3 / المجادلة / 58 ] .
خ‌- { فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِن قَبْلِ أَن يَتَمَآسَّا فَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً ذَلِكَ لِتُؤْمِنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتِلْكَ حُدُودُ ٱللَّهِ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ } [ 4 / المجادلة / 58 ] .

ويبقى سببٌ آخرٌ لذكرِ الزيادةِ { ولم أك بغياً } في سورة ِمريم على آل عمران
وهو تقدُّمُ النزول ؛ فسورة مريم تقدَّمت بالنزول ِ على آل عمران ،
قال ابن عاشور:
وقولها { ولم أكُ بغيّاً } تبرئة لنفسها من البغاء بما يقتضيه فعل الكون من تمكن الوصف الذي هو خبر الكون، والمقصود منه تأكيد النفي فمفاد قولها { ولم أكُ بغيّاً } غير مفاد قولها { ولم يَمْسَسني بَشَر } ، وهو مما زادت به هذه القصة على ما في قصتها في سورة آل عمران، لأن قصتها في سورة آل عمران نزلت بعد هذه فصح الاجتزاء في القصة بقولها { ولم يَمْسَسني بَشَر }.

وقولها { ولم يَمْسَسني بَشَر } أي لم يَبْنِ بي زوج،( وهنا نرى أن ابن عاشور قد لحق بالمفسرين الذين اعتبروا أن المسَّ هو الجماع الحلال ) لأنها كانت مخطوبة ومراكنة ليوسف النجّار ولكنّه لم يبن بها فإذا حملت بولد اتهمها خطيبها وأهلها بالزّنى.
وأما قولها { ولَمْ أكُ بَغِياً } فهو نفي لأن تكون بغياً من قبل تلك الساعة، فلا ترضى بأن ترمى بالبغاء بعد ذلك. فالكلام كناية عن التنزه عن الوصم بالبغاء بقاعدة الاستصحاب، والمعنى: ما كنت بغيّاً فيما مضى أفأعدّ بغياً فيما يستقبل. انتهى كلامه .

وعليه تكونُ الزيادةُ في سورة مريم ، للتأكيدِ والتخصيصِ ولتقدُّمِ النزولِ . والله أعلم .
__________________
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
{ وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (23) } البقرة


أستغفر الله العظيم رب العرش العظيم
رد مع اقتباس