عرض مشاركة واحدة
 
  #4  
قديم 09-20-2009
الصورة الرمزية admin
admin admin غير متواجد حالياً
Administrator
 
تاريخ التسجيل: May 2009
المشاركات: 14,425
افتراضي رد: رسالة إلى الخليفة : (1) ، ( 2) ، ( 3 ) ، ...


رسالة إلى الخليفة.....! الرسالة التاسعة
د.خالد عبد الجليل دويكات/جامعة القدس المفتوحة/نابلس
حدثني صديقي العائد من غربته الطويلة في بلاد " العم سام" أنه اعتاد هو وأسرته التي هاجرت معه منذ أكثر من ربع قرن على صيام شهر رمضان كله دون أن يستشعر في نفسه وروحه وجوارحه حكمة صوم هذا الشهر. وقد برر صديقي ذلك بقوله أن السبب في ذلك يعود إلى إقامته الطويلة في مجتمع غربي غريب يختلف في قيمه وعاداته وطقوسه عن كل ما ألفناه واعتدناه في بلادنا العربية المسلمة، لا سيما في شهر رمضان الفضيل والأفضل بين الشهور، لما فيه من نفحات إيمانية روحانية وما يحمله من رحمة ومغفرة وعتق من النار. وقد استرسل صديقي في حديثه عن "رمضان زمان "، حين كان طفلا يافعا ينتظر بجوع الصائم وعطشه وفرحة الإفطار سماع "الأذان" أو " مدفع رمضان" الذي استحدثته الدولة العثمانية أيام "إبراهيم باشا" لإثبات حلول رمضان وإعلان وقت الإمساك والإفطار وحلول فرحة العيد والإفطار.>>
حينها تذكرت طفولتي التي عشتها في قريتي الصغيرة الحبيبة التي التهمها منذ سنين " جبل النار" لتصبح حيا من إحياء " نابلس " المنتشرة هنا وهناك، وتذكرت كيف كنا و كيف كان رمضان، وخطر لي عندها أن اكتب رسالة تاسعة إلى خامس الخلفاء الراشدين عمر بن عبد العزيز- رضي الله عنه وأرضاه_ وكان أن كتبت:
بسم الله الرحمن الرحيممن المُعذب المشرد المنتفض بن عبد الله الفلسطيني الكنعاني, الساكن في أكناف القدس- عاصمة الثقافة العربية للعام 2009 ،إلى العادل الراشد أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه وأرضاه, السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته, وبعد،،،،
لقد حل علينا منذ أيام ضيف كريم عزيز على نفوسنا، وفير في فضائله وشمائله، يحمل لنا في أوله رحمة من الله وفي وسطه مغفرة، وعتق من النار في آخره، لذا رحبنا به وهللنا له وكبرنا ، وزينا له البيوت والشوارع والحارات، وأعددنا له ما يليق به من أطعمة شهية ومشروبات ، وأضأنا له " الفوانيس" و"اللمبات"، ومنها الملونة والمزركشة على هيئة هلال وقمر ونجم وقلب حب وغير ذلك، وقد استقبلنا هذا الزائر المهيب كل على طريقته ودأبه ودأب قومه في فلسطين ومصر وسوريا والعراق واليمن وتونس وسائر بلاد العرب أوطاني من الشام لبغداني.
وما يحزنني يا أمير المؤمنين أن سوادنا الأعظم يصومون الشهر برمته وهم يجهلون أو يتجاهلون معنى الصيام والقيام والدعاء في رمضان, فكأن صيام هؤلاء محض جوع وعطش يمارسه البعض من طلوع الفجر حتى مغيب الشمس كما اعتاد عليه الآباء والأجداد منذ أكثر من أربعمائة وألف عام. وقد غدا رمضان لجهلنا ولهاثنا خلف رغباتنا تقليدا وروتينا يكاد يخلو من معاني الصيام وحكمه التي عرفتموها في زمانكم، حين كان الصوم مدرسة للنفس البشرية يتعلم المسلم فيها تربية نفسه الأمارة بالسوء على مخالفة الهوى وكسر طوق العادات الآسرة والشهوات المتمكنة، فيساعد الصوم على تخليص الجسم من التخمة المفسدة، ويعمل على النفس فيزكيها ويهذبها ويعلمها الصبر والإرادة والرقابة الذاتية ، لتصبح أكثر طاقة على تحمل المشاق طاعة لله الخالق جل في علاه ، وطمعا في رحمة ومغفرة وعتق من النار.كما تناسينا أن في الصيام حكمة أخرى لا تقل أهمية عن الحكم السابقة ، حين يشعر الأغنياء في هذا الشهر بما يكابده الفقراء من جوع وعطش وذلك حين يختبرون بأنفسهم آلام الجوع ووخزه في بطونهم، فيقبلون بعد ذلك على البذل والعطاء والعطف والرحمة على الفقراء والمحتاجين الذين لا يملكون من حطام هذه الدنيا الزائلة قوت عيالهم .
سيدي يا أمير المؤمنين!
أرجوك لا تغضب علي إن صارحتك أكثر، ولا تبتئس لأحوالنا ولا لصيامنا العصري ، فنحن لم نزل منذ الأزل نواظب على ذات الصيام وإن اختلفت واختلطت علينا معالمه ، وما زلنا نقوم الليل سجودا وركوعا بخشوع أو غير خشوع ، نعد الركعات والآيات التي يقرأها الإمام بعد انتهاء طقوس الصيام ،وبعد أن نكون قد حشونا بطوننا بما لذ من الشراب والطعام، فقد أنعم الله علينا وعلى موائدنا العامرة بحبيبة قلوبنا " الكنافة النابلسية " التي يعود لها الفضل الجزيل إذ أدخلتنا كتاب "غينيس" للأرقام القياسية، وذلك حين صنعت مدينتنا قبل أسابيع وفي مهرجان حاشد كبير أكبر" سدر كنافة " عرفته البشرية في تاريخها،حيث بلغ طوله 74 مترا بعرض متر، ووزنه 1765 كغم، وتكون من 700 كغم عجينة و 300 كيلو سكر و6 تنكات سمن بلدي، وزين وجهه المشرق 40 كغم من الفستق الحلبي, وعليه دخلنا التاريخ مرة أخرى بكل فخر واعتزاز.
كما لا يفوتنا في هذا الشهر الفضيل أن نمارس عادة الانقضاض على "القطايف الشامي الأصل"، هذا الذي لا يكتمل صيامنا بدونه، والذي يباع اليوم فارغا بعشرة " شواقل" ،وذلك بفضل جشع وطمع البعض واستغلالهم لجوع الصائمين المتعبين من الصيام ، أما إن تم حشو هذا الرمضاني بالجبن النابلسي أو الفستق الحلبي أو الجوز أو اللوز، فيقفز ثمنه ويصبح جنونيا لا طاقة لكثير منا به، فنستعيض عنه ب " لقمة القاضي " أو" الهريسة" أو " التمرية" أو "الزلابية" او حتى " البودنغ" .ولن أحدثك عن " الكلاج " و" الفطير" و" البقلاوة" و" عش البلبل" و" زنود الست" وأصابع زينب" و"المبرومة" خشية أن تنفتح شهية قراء هذه الصحيفة الصائمين لله منذ طلوع الفجر، فيسيل ما تبقى من لعابهم ولا يجدون ما يسكت صريخ معدهم وبطونهم الخاوية.
ولعلمك يا أمير المؤمنين فإننا في رمضان نحترم النظام ونصطف بانتظام في طوابير رمضانية طويلة أمام الباعة لنفوز بما لذ وطاب من "التمر هندي" و"الخروب" و" العرقسوس"و "الفلافل" و" الحمص" و"الفول" و" القطايف"، وقد نتسابق ونتدافع أو حتى نتقاتل ونتخاصم ونمارس السب واللعن والصراخ والزعيق والنعيق إن لم نجد حاجتنا من هذه الأطعمة الرمضانية متذرعين بالصوم وجوعه وعطشه، وما يسببه الصوم للصائم من تغيير في نفسيته ومزاجه وسلوكه .
هذا نهارنا نقضي ساعاته التي نعدها ونحسب دقائقها ونحن نحلم بالطعام وما ننفقه عليه من مال ووقت، حتى إذا أزفت ساعة الإفطار أفرغنا كل الصحون في جوف البطون، غير مبالين بما يعقب ذلك من تعب وألم وانتفاخ وتخمة مقيتة ترهقنا وتتعبنا لساعات طويلة، ويتكرر هذا المشهد ثلاثين يوما قد تقل يوما في بعض السنين.
أما ليلنا الرمضاني القصير فله حكايته ونكهته الخاصة بهذا الشهر، وله طقوسه وعاداته، فبعد أن نكون قد مارسنا ركوعنا وسجودنا وأقمنا ليلنا على استعجال وفق طقوس وحركات بهلوانية رياضية تكاد في معظمها تخلو من الخنوع والتذلل للخالق والخشوع في حضرته، نلوذ بالتلفاز وبرامجه ومسلسلاته ومسابقاته، وذلك بعد أن نستأذن حضرة الإمام الذي يضطر أحيانا إلى القصر والاختصار وتجنب الإطالة في تلاوة القرآن ، والاستعانة بقصار السور والآيات، نزولا عند رغبة وطلب المصلين " المشاهدين " للتلفاز، الذين ما أن تنقضي الصلاة حتى تراهم يهرعون ويهرولون لبيوتهم حتى لا يفوتهم برنامج مسابقات أو سهرة رمضانية او مسلسل قديم جديد، تتحفنا به شاشة فضية على " MBC " او "أبو ظبي" او "قناة فلسطين الفضائية " أو " الديرة" أو "الشام" وغيرها من القنوات الفضائية التي تتكاثر يوما بعد يوم، وتتنافس وتتزاحم على عرض قائمة طويلة من المسلسلات "الرمضانية" التي صورت وأنتجت خصيصا لهذا الشهر لتملأ لياليه بما يقصينا عن القيام والدعاء والتقرب إلى الله بعمل الخير وتلاوة ما تيسر من القرآن .
وفي هذا " الرمضان" يا سيدي نجح منتجونا ومخرجونا في إنتاج ما يربو على 60 مسلسل رمضاني، أربكت المشاهد العربي وأوقعته في حيرة من أمره وهو يتنقل من قناة إلى أخرى، حولت شهرنا الفضيل إلى شهر" برامج مسابقات وحمى مسلسلات"، بعد أن كان في أيامكم شهر طاعات وعبادات وخيرات.
هذا رمضاننا وهؤلاء نحن، أما أنتم يا سيدي فأعلم أنكم صمتم كما ينبغي وكما أمركم رب العزة سبحانه وتعالى ووفق ما بينه لكم رسولنا الكريم ، حين صامت أيديكم الطاهرة فلم تبطش ولم تظلم وما امتدت إلى حرام قط، وصامت أعينكم التي أغرورقت بدموع التقوى والورع والخشية من الله، فما نظرت إلى حرام ولا تمتعت بحرام، وصامت آذانكم عن كل فحش ورفث فلم تسمع حرام ، وصامت جوارحكم فلم تفكر بحرام، وما انشغلت نفوسكم التقية عن الدين باللهو والطعام، وصامت ألسنتكم عن كل رفث وخبيث وغيبة ونميمة ، وما انشغلت بغير بذكر الله وتسبيحه وحمده في كل حال.
وحتى لا أطيل عليك وعلى كل قارئ لمقالتي في هذا الشهر الكريم ،استودعك الله الذي لا تضيع ودائعه وكل عام وأنت بألف ألف خير وعيد مبارك.



__________________
اللهم علمنا ما ينفعنا - وإنفعنا بما علمتنا
اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا إتباعه - وأرنا الباطل باطلا وأرزقنا إجتنابه
اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك
اللهم إجعل عملنا خالصا لوجهك الكريم
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبة وسلم
رد مع اقتباس