عرض مشاركة واحدة
 
  #9  
قديم 02-28-2011
الصورة الرمزية admin
admin admin غير متواجد حالياً
Administrator
 
تاريخ التسجيل: May 2009
المشاركات: 14,425
افتراضي وضع الفقراء في الحضارات السابقة

وضع الفقراء في الحضارات السابقة

تمهيد
قبل أن أُبَيِّن وجوب الزكاة ومنزلتها في دين الإسلام، يحسن بى أن أعرض لما كان عليه الفقراء والطبقات الضعيفة في المجتمع قبل الإسلام، وإلى أي حد عنيت الشرائع والديانات السابقة برعاية حاجتهم وعلاج مشكلتهم، حتى نعرف بالدراسة والموازنة كيف سبق الإسلام كل الديانات والمذاهب بعلاج هذا الجانب المهم علاجًا جذريًا أصيلاً، وأقام بنيان العدل والتكافل الاجتماعى، على أمتن الأسس، وأرسخ القواعد التي جاء بها كتاب الله، وبينتها سنة رسوله - صلى الله عليه وسلم -.

الفقراء في الحضارات السابقة
عرف الإنسان الفقر والحرمان من أزمنة قديمة، وعرف التاريخ الفقراء والمحرومين من عهود سحيقة، ومن الإنصاف أن نقول: إن الحضارة الإنسانية لم تخلُ في عهد من عهودها من أناس يدعونها إلى ذلك المعنى الإنساني الأصيل، وهو إحساس الإنسان بآلام أخيه، ومحاولة إنقاذه من بؤسه وحرمانه، أو التخفيف من ويلاته على الأقل.
غير أن الوضع الذي كان عليه الفقراء عمليًا كان سيئًا للغاية، وكان نقطة سوداء في جبين الإنسانية، ولم يتقيد المجتمع بما أوصى به الحكماء، ونادى به العقلاء. وهذا باحث كبير
(هو الأستاذ المرحوم العلامة محمد فريد وجدى، مؤلف دائرة معارف القرن العشرين، ورئيس تحرير" مجلة الأزهر " لسنين عديدة. وهذا النقل من كتابه "الإسلام دين عام خالد " ص 179 -181 -ط.أولى.)
يحدثنا عن هذا التاريخ الأسود منذ أقدم الحضارات، تاريخ العلاقة بين الأغنياء الواجدين والفقراء المحرومين فيقول:
" في أية أمة من الأمم أجال الباحث نظره فوجد طبقتين من الناس لا ثالثة لهما: الطبقة الموسرة، والطبقة المعسرة، ووجد بإزاء هذا أمرًا جديرًا بالملاحظة، وهو أن الطبقة الموسرة تتضخم إلى غير حد، والطبقة المعسرة لا تفتأ تهزل حتى تلتصق بأديم الأرض، معيية رازحة، فيتداعى البناء الاجتماعى، لوهن اساسه، وقد لا يدرى المترفون من أي النواحي خر عليهم السقف.
كانت "مصر في عهدها القديم جنة الله في الأرض، وكانت تنبت من الخيرات ما يكفي أضعاف أهلها عددًا، ولكن الطبقة الفقيرة فيها كانت لا تجد ما تأكله، لأن الطبقة الموسرة كانت لا تترك لهم شيئًا غير حثالة لا تسمن ولا تغنى من جوع. فلما أصابتها المجاعة - على عهد الأسرة الثانية عشرة - باع الفقراء أنفسهم للأغنياء وساموهم الخسف وأذاقوهم عذاب الهون. و في "مملكة " بابل" كان الأمر على ما كان عليه في "مصر"؛ لا حَظَّ للفقراء من ثمرات بلادهم، مع أنها كانت تسامى بلاد الفراعنة نماء وخصوبة. وكانت تجرى مجراها "فارس ". أما لدى الأغارقة " اليونان " الأقدمين فكان الأمر لا يعدو ما تقدم، بل تروى عن بعض ممالكهم أمور تقشعر من هولها الجلود، فقد كانوا يسوقون الفقراء بالسياط إلى أقذر الأعمال ويذبحونهم لأقل الهفوات ذبح الأغنام.
أما في "إسبارطة" من ممالكهم فقد كان الموسرون تركوا للمعسرين الأرض التي لا تصلح للإنبات فذاقوا ألوان الفاقة غير مرحومين. وكان الأغنياء في " أثينا " يتحكمون في الفقراء إلى حد أنهم كانوا يبيعونهم بيع العبدان، إذا لم يؤدوا لهم ما كانوا يفرضونه من الإتاوات.
أما في" روما " منبع الشرائع والقوانين، ووطن الفقهاء والأصوليين، فقد كان الموسرون مستولين على العامة، ومتميزين عنهم تميزًا يجعل العامة بإزائهم كالطائفة المنبوذة لدى الهنديين وما كانوا يرضخون لهم
(رضخ له: أعطاه عطاء مقارنًا.)
بصبابة إلا بعد أن ينال منهم الإعياء، فيهجرون المدن، ويقاطعون الجماعة مرغمين.
قال العلامة "ميشيليه" في المملكة الرومانية في هذه الناحية:.
كان الفقراء يزدادون كل يوم فقرًا، والأغنياء يزدادون غنى، وكانوا يقولون: ليهلك الوطني، وليمت جوعًا إذا لم يستطع أن يذهب إلى ساحات القتال.
فلما زالت الدولة الرومانية، وقامت على أنقاضها الممالك الأوروبية، ازدادت حالة الفقراء سوءًا، فكانوا في جميع أصقاعها يباعون كالماشية مع أراضيهم"
(المرجع السابق).

هذا هو وضع الفقراء في تلك القرون المديدة، وهذا هو موقف الأغنياء منهم، فماذا صنعت الأديان لإصلاح وضع الفقراء، وتقريب الثقة بينهم وبين الأغنياء؟

__________________
اللهم علمنا ما ينفعنا - وإنفعنا بما علمتنا
اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا إتباعه - وأرنا الباطل باطلا وأرزقنا إجتنابه
اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك
اللهم إجعل عملنا خالصا لوجهك الكريم
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبة وسلم
رد مع اقتباس