عرض مشاركة واحدة
 
  #9  
قديم 12-04-2010
الصورة الرمزية admin
admin admin غير متواجد حالياً
Administrator
 
تاريخ التسجيل: May 2009
المشاركات: 14,425
افتراضي تفسير تفسير القرآن الكريم/ ابن كثير (ت 774 هـ) مصنف و مدقق 17-24 من 24

تفسير تفسير القرآن الكريم/ ابن كثير (ت 774 هـ) مصنف و مدقق 17-24 من 24

وهكذا رواه أبو بكر بن مردويه عن سليمان بن أحمد عن علي بن المبارك عن زيد بن المبارك به، وقد روى الحافظ بن مردويه من طريقين عن إسماعيل بن عياش عن إسماعيل بن يحيى عن مسعر عن عطية عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن عيسى بن مريم عليه السلام أسلمته أمه إلى الكتّاب ليعلمه، فقال له المعلم: اكتب، فقال: ما أكتب؟ قال: بسم الله، قال له عيسى: وما بسم الله؟ قال المعلم، ما أدري، قال له عيسى: الباء بهاء الله، والسين سناؤه، والميم مملكته، والله إله الآلهة، والرحمن رحمن الدنيا والآخرة، والرحيم رحيم الآخرة " وقد رواه ابن جرير من حديث إبراهيم بن العلاء الملقب زبرِيق عن إسماعيل بن عياش عن إسماعيل ابن يحيى عن ابن أبي مليكة عمن حدثه عن ابن مسعود ومسعر عن عطية عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره، وهذا غريب جداً، وقد يكون صحيحاً إلى من دون رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد يكون من الإسرائيليات لا من المرفوعات والله أعلم. وقد روى جويبر عن الضحاك نحوه من قبله، وقد روى ابن مردويه من حديث يزيد بن خالد عن سليمان بن بريدة، وفي رواية: عن عبد الكريم أبي أمية عن ابن بريدة عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " أنزلت علي آية لم تنزل على نبي غير سليمان بن دواد وغيري، وهي { بِسْمِ اللَّهِ ٱلرَّحْمَـٰنِ ٱلرَّحِيمِ } " وروي بإسناده عن عبد الكريم بن المعافى بن عمران عن أبيه عن عمر بن ذر عن عطاء بن أبي رباح عن جابر بن عبد الله قال: لما نزل { بِسْمِ اللَّهِ ٱلرَّحْمَـٰنِ ٱلرَّحِيمِ } هرب الغيم إلى المشرق، وسكنت الرياح، وهاج البحر، وأصغت البهائم بآذانها، ورجمت الشياطين من السماء، وحلف الله تعالى بعزته وجلاله أن لا يسمى اسمه على شيء إلا بارك فيه. وقال وكيع: عن الأعمش عن أبي وائل عن ابن مسعود قال: من أراد أن ينجيه الله من الزبانية التسعة عشر فليقرأ { بِسْمِ اللَّهِ ٱلرَّحْمَـٰنِ ٱلرَّحِيمِ } فيجعل الله له من كل حرف منها جنة من كل واحد. ذكره ابن عطية والقرطبي، ووجهه ابن عطية، ونصره بحديث: " لقد رأيت بضعة وثلاثين ملكاً يبتدرونها " لقول الرجل: ربنا ولك الحمد حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، من أجل أنها بضعة وثلاثون حرفاً، وغير ذلك. وقال الإمام أحمد بن حنبل في مسنده: حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن عاصم قال: سمعت أبا تميمة يحدث عن رديف النبي صلى الله عليه وسلم قال:

-17-

" عثر بالنبي صلى الله عليه وسلم فقلت: تعس الشيطان، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لا تقل: تعس الشيطان، فإنك إذا قلت: تعس الشيطان، تعاظم، وقال: بقوتي صرعته، وإذا قلت: باسم الله، تصاغر حتى يصير مثل الذباب " هكذا وقع في رواية الإمام أحمد، وقد روى النسائي في اليوم والليلة وابن مردويه في تفيسره من حديث خالد الحذاء عن أبي تميمة، وهو الهجيمي، عن أبي المليح بن أسامة بن عمير عن أبيه قال: " كنت رديف النبي صلى الله عليه وسلم فذكره، وقال: لا تقل هكذا؛ فإنه يتعاظم حتى يكون كالبيت، ولكن قل: بسم الله؛ فإنه يصغر حتى يكون كالذبابة " فهذا من تأثير بركة بسم الله، ولهذا تستحب في أول كل عمل وقول، فتستحب في أول الخطبة؛ لما جاء: " كل أمر لا يبدأ فيه ببسم الله الرحمن الرحيم فهو أجذم " وتستحب البسملة عند دخول الخلاء؛ لما ورد من الحديث في ذلك، وتستحب في أول الوضوء؛ لما جاء في مسند الإمام أحمد والسنن من رواية أبي هريرة وسعيد بن زيد وأبي سعيد مرفوعاً: " لا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه " وهو حديث حسن. ومن العلماء من أوجبها عند الذكر ههنا، ومنهم من قال بوجوبها مطلقاً. وكذا تستحب عند الذبيحة في مذهب الشافعي وجماعة، وأوجبها آخرون عند الذكر، ومطلقاً في قول بعضهم كما سيأتي بيانه في موضعه إن شاء الله، وقد ذكر الرازي في تفسيره في فضل البسملة أحاديث منها: عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إذا أتيت أهلك فسم الله؛ فإنه إن وجد لك ولد، كتب بعدد أنفاسه وأنفاس ذريته حسنات " وهذا لا أصل له، ولا رأيته في شيء من الكتب المعتمد عليها، ولا غيرها، وهكذا تستحب عند الأكل؛ لما في صحيح مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لربيبه عمر بن أبي سلمة: " قل: بسم الله، وكل بيمينك، وكل مما يليك " ومن العلماء من أوجبها والحالة هذه. وكذلك تستحب عند الجماع؛ لما في الصحيحين عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لو أن أحدكم إذا أراد أن يأتي أهله قال: بسم الله، اللهم جنبنا الشيطان، وجنب الشيطان ما رزقتنا؛ فإنه إن يقدر بينهما ولد، لم يضره الشيطان أبداً ". ومن ههنا ينكشف لك أن القولين عند النحاة في تقدير المتعلق بالباء في قوله: بسم الله، هل هو اسم أو فعل متقاربان، وكل قد ورد به القرآن، أما من قدره باسم تقديره بسم الله ابتدائي فلقوله تعالى:

-18-

{ وَقَالَ ارْكَبُوا فِيهَا بِسْمِ اللَّهِ مَجْرِيهَا وَمُرْسَاهَا إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ } [هود11: 41]

ومن قدره بالفعل أمراً أو خبراً نحو أبدأ بسم الله، أو ابتدأت باسم الله، فلقوله تعالى: { ٱقْرَأْ بِٱسْمِ رَبِّكَ ٱلَّذِي خَلَقَ } [العلق: 1] وكلاهما صحيح؛ فإن الفعل لا بد له من مصدر، فلك أن تقدر الفعل ومصدره، وذلك بحسب الفعل الذي سميت قبله، إن كان قياماً أو قعوداً أو أكلاً أو شراباً أو قراءة أو وضوءاً أو صلاة، فالمشروع ذكر اسم الله في الشروع في ذلك كله تبركاً وتيمناً، واستعانة على الإتمام والتقبل والله أعلم. ولهذا روى ابن جرير وابن أبي حاتم من حديث بشر بن عمارة عن أبي روق عن الضحاك عن ابن عباس قال: إن أول ما نزل به جبريل على محمد صلى الله عليه وسلم قال: «يا محمد قل: أستعيذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم» ثم قال: «قل: { بِسْمِ اللَّهِ ٱلرَّحْمَـٰنِ ٱلرَّحِيمِ } قال: قال له جبريل: بسم الله، يا محمد يقول: اقرأ بذكر الله ربك، وقم واقعد بذكر الله تعالى» لفظ ابن جرير.

وأما مسألة الاسم، هل هو المسمى، أو غيره؟ ففيها للناس ثلاثة أقوال: أحدها أن الاسم هو المسمى، وهو قول أبي عبيدة وسيبويه، واختاره الباقلاني وابن فورك، وقال الرازي، وهو محمد بن عمر المعروف بابن خطيب الري في مقدمات تفسيره: قالت الحشوية والكرامية والأشعرية: الاسم نفس المسمى وغير نفس التسمية، وقالت المعتزلة: الاسم غير المسمى ونفس التسمية، والمختار عندنا أن الاسم غير المسمى وغير التسمية، ثم نقول: إن كان المراد بالاسم هذا اللفظ الذي هو أصوات متقطعة وحروف مؤلفة، فالعلم الضروري حاصل أنه غير المسمى، وإن كان المراد بالاسم ذات المسمى، فهذا يكون من باب إيضاح الواضحات، وهوعبث، فثبت أن الخوض في هذا البحث على جميع التقديرات يجري مجرى العبث، ثم شرع يستدل على مغايرة الاسم للمسمى، بأنه قد يكون الاسم موجوداً، والمسمى مفقوداً؛ كلفظة المعدوم، وبأنه قد يكون للشيء أسماء متعددة؛ كالمترادفة، وقد يكون الاسم واحداً، والمسميات متعددة كالمشترك، وذلك دال على تغاير الاسم والمسمى، وأيضاً فالاسم لفظ، وهو عرض، والمسمى قد يكون ذاتاً ممكنة، أو واجبة بذاتها. وأيضاً فلفظ النار والثلج لو كان هو المسمى، لوجد اللافظ بذلك حر النار، أو برد الثلج، ونحو ذلك، ولا يقوله عاقل. وأيضاً فقد قال الله تعالى:

{ وَللَّهِ ٱلأَسْمَآءُ ٱلْحُسْنَىٰ فَٱدْعُوهُ بِهَا } [الأعراف7: 180]

وقال النبي صلى الله عليه وسلم " إن لله تسعة وتسعين اسماً " فهذه أسماء كثيرة، والمسمى واحد، وهو الله تعالى. وأيضاً فقوله:

{ وَللَّهِ ٱلأَسْمَآءُ } [الأعراف7: 180]

أضافها إليه كما قال:

{ فَسَبِّحْ بِٱسْمِ رَبِّكَ ٱلْعَظِيمِ } [الواقعة56: 74]

ونحو ذلك، فالإضافة تقتضي المغايرة. وقوله تعالى:

{ فَٱدْعُوهُ بِهَا } [الأعراف7: 180]

-19-

أي فادعوا الله بأسمائه، وذلك دليل على أنها غيره. واحتج من قال: الاسم هو المسمى، بقوله تعالى:

{ تَبَـٰرَكَ ٱسْمُ رَبِّكَ ذِي ٱلْجَلاَلِ وَٱلإِكْرَامِ } [الرحمن55: 78]

والمتبارك هو الله تعالى. والجواب أن الاسم معظم؛ لتعظيم الذات المقدسة. وأيضاً فإذا قال الرجل: زينب طالق، يعني امرأته، طلقت، ولو كان الاسم غير المسمى؛ لما وقع الطلاق. والجواب أن المراد أن الذات المسماة بهذا الاسم طالق. قال الرازي: وأما التسمية؛ فإنه جعل الاسم معيناً لهذه الذات، فهي غير الاسم أيضاً والله أعلم.


(الله) علم على الرب تبارك وتعالى، يقال: إنه الاسم الأعظم؛ لأنه يوصف بجميع الصفات؛ كما قال تعالى:

{ هُوَ ٱللَّهُ ٱلَّذِى لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ عَالِمُ ٱلْغَيْبِ وَٱلشَّهَـٰدَةِ هُوَ ٱلرَّحْمَـٰنُ ٱلرَّحِيمُ * هُوَ ٱللَّهُ ٱلَّذِى لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ ٱلْمَلِكُ ٱلْقُدُّوسُ ٱلسَّلَـٰمُ ٱلْمُؤْمِنُ ٱلْمُهَيْمِنُ ٱلْعَزِيزُ ٱلْجَبَّارُ ٱلْمُتَكَبِّرُ سُبْحَـٰنَ ٱللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ * هُوَ ٱللَّهُ ٱلْخَـٰلِقُ ٱلْبَارِىءُ ٱلْمُصَوِّرُ لَهُ ٱلأَسمَآءُ ٱلْحُسْنَىٰ يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِى ٱلسَّمَـٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ } [الحشر59: 22 ـ 24]

فأجرى الأسماء الباقية كلها صفات له، كما قال تعالى:

{ وَللَّهِ ٱلأَسْمَآءُ ٱلْحُسْنَىٰ فَٱدْعُوهُ بِهَا } [الأعراف7: 180]

وقال تعالى:

{ قُلِ ٱدْعُواْ ٱللَّهَ أَوِ ٱدْعُواْ ٱلرَّحْمَـٰنَ أَيًّا مَّا تَدْعُواْ فَلَهُ ٱلأَسْمَآءَ ٱلْحُسْنَىٰ } [الإسراء17: 110]

وفي الصحيحين عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إن لله تسعة وتسعين اسماً، مائة إلا واحداً، من أحصاها دخل الجنة " وجاء تعدادها في رواية الترمذي وابن ماجه، وبين الروايتين اختلاف زيادة ونقصان، وقد ذكر الرازي في تفسيره عن بعضهم أن لله خمسة آلاف اسم: ألف في الكتاب والسنة الصحيحة، وألف في التوراة، وألف في الإنجيل، وألف في الزبور، وألف في اللوح المحفوظ.


وهو اسم لم يسم به غيره تبارك وتعالى، ولهذا لا يعرف في كلام العرب له اشتقاق من فعل يفعل، فذهب من ذهب من النحاة إلى أنه اسم جامد لا اشتقاق له، وقد نقله القرطبي عن جماعة من العلماء منهم الشافعي والخطابي وإمام الحرمين والغزالي وغيره، وروي عن الخليل وسيبويه أن الألف واللام فيه لازمة، قال الخطابي: ألا ترى أنك تقول: ياألله، ولا تقول: يا الرحمن، فلولا أنه من أصل الكلمة، لما جاز إدخال حرف النداء على الألف واللام. وقيل: إنه مشتق، واستدلوا عليه بقول رؤبة بن العجاج:

لِلّهِ دَرُّ الغانِياتِ المدَّهِسَبَّحْنَ واسْتَرْجَعْنَ مِنْ تَأَلُّهي


فقد صرح الشاعر بلفظ المصدر، وهو التأله، من أله يأله إلاهة وتألهاً؛ كما روي عن ابن عباس أنه قرأ: (ويذرك وإلاهتك) قال: عبادتك، أي أنه كان يُعبد ولا يَعبد. وكذا قال مجاهد وغيره. وقد استدل بعضهم على كونه مشتقاً بقوله تعالى:

{ وَهُوَ ٱللَّهُ فِى ٱلسَّمَـٰوَٰتِ وَفِى ٱلأَرْضِ } [الأنعام6: 3]

كما قال تعالى:

{ وَهُوَ ٱلَّذِى فِى ٱلسَّمآءِ إِلَـٰهٌ وَفِى ٱلأَرْضِ إِلَـٰهٌ } [الزخرف43: 84]

ونقل سيبويه عن الخليل أن أصله إلاه مثل فعال، فأدخلت الألف واللام بدلاً من الهمزة.


-20-

قال سيبويه: مثل الناس، أصله أناس. وقيل: أصل الكلمة لاه، فدخلت الألف واللام للتعظيم وهذا اختيار سيبويه. قال الشاعر:

لاهِ ابنُ عَمكَ لا أَفْضَلْتَ في حَسَبٍعَني ولا أنتَ دَيَّانِي فَتَخُزُونِي


قال القرطبي: بالخاء المعجمة أي: فتسوسني، وقال الكسائي والفراء: أصله الإله، حذفوا الهمزة، وأدغموا اللام الأولى في الثانية؛ كما قال تعالى:

{ لَّكِنَّاْ هُوَ ٱللَّهُ رَبِّى } [الكهف18: 38]

أي: لكن أنا، وقد قرأها كذلك الحسن، قال القرطبي: ثم قيل: هو مشتق من وله إذا تحير، والوله ذهاب العقل. يقال: رجل واله، وامرأة ولهى ومولوهة، إذا أرسل في الصحراء، فالله تعالى يحير أولئك، في الفكر في حقائق صفاته، فعلى هذا يكون ولاه، فأبدلت الواو همزة؛ كما قالوا في وشاح: إِشاح، ووسادة: إِسادة. وقال الرازي: وقيل: إنه مشتق من ألهت إلى فلان، أي: سكنت إليه، فالعقول لا تسكن إلا إلى ذكره، والأرواح لا تفرح إلا بمعرفته؛ لأنه الكامل على الإطلاق دون غيره، قال الله تعالى:

{ أَلاَ بِذِكْرِ ٱللَّهِ تَطْمَئِنُّ ٱلْقُلُوبُ } [الرعد13: 28]

قال: وقيل: من لاه يلوه إذا احتجب. وقيل: اشتقاقه من أله الفصيل: أولع بأمه. والمعنى أن العباد مألوهون مولعون بالتضرع إليه في كل الأحوال، قال: وقيل: مشتق من أله الرجل يأله إذا فزع من أمر نزل به، فألهه، أي: أجاره، فالمجير لجميع الخلائق من كل المضار هو الله سبحانه؛ لقوله تعالى:

{ وَهُوَ يُجْيِرُ وَلاَ يُجَارُ عَلَيْهِ } [المؤمنون23: 88]

وهو المنعم؛ لقوله تعالى:

{ وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ ٱللَّهِ } [النحل16: 53]

وهو المطعم؛ لقوله تعالى:

{ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلاَ يُطْعَمُ } [الأنعام6: 14]

وهو الموجد؛ لقوله تعالى:

{ قُلْ كُلٌّ مِّنْ عِندِ ٱللَّهِ } [النساء4: 78]

وقد اختار الرازي أنه اسم غير مشتق ألبتة، قال: وهو قول الخليل وسيبويه، وأكثر الأصوليين والفقهاء، ثم أخذ يستدل على ذلك بوجوه منها: أنه لو كان مشتقاً لاشترك في معناه كثيرون، ومنها أن بقية الأسماء تذكر صفات له، فتقول: الله الرحمن الرحيم الملك القدوس، فدل أنه ليس بمشتق. قال: فأما قوله تعالى:

{ ٱلْعَزِيزِ ٱلْحَمِيدِ } [إبراهيم14: 1]

على قراءة الجر، فجعل ذلك من باب عطف البيان، ومنها قوله تعالى:

{ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً } [مريم19: 65]

وفي الاستدلال بهذه على كون هذا الاسم جامداً غير مشتق نظر والله أعلم.


وحكى الرازي عن بعضهم أن اسم الله تعالى عبراني لا عربي، ثم ضعفه، وهو حقيق بالتضعيف كما قال، وقد حكى الرازي هذا القول، ثم قال: واعلم أن الخلائق قسمان: واصلون إلى ساحل بحر المعرفة، ومحرومون قد بقوا في ظلمات الحيرة وتيه الجهالة، فكأنهم قد فقدوا عقولهم وأرواحهم، وأما الواجدون، فقد وصلوا إلى عرصة النور وفسحة الكبرياء والجلال، فتاهوا في ميادين الصمدية، وبادوا في عرصة الفردانية، فثبت أن الخلائق كلهم والهون في معرفته، وروي عن الخليل بن أحمد أنه قال: لأن الخلق يألهون إليه، بفتح اللام وكسرها، لغتان.

-21-
وقيل: إنه مشتق من الارتفاع، فكانت العرب تقول لكل شيء مرتفع: لاها، وكانوا يقولون إذا طلعت الشمس: لاهت. وقيل: إنه مشتق من أله الرجل: إذا تعبد، وتأله: إذا تنسك، وقرأ ابن عباس: (ويذرك وإلاهتك) وأصل ذلك الإله، فحذفت الهمزة التي هي فاء الكلمة، فالتقت اللام التي هي عينها مع اللام الزائدة في أولها للتعريف، فأدغمت إحداهما في الأخرى، فصارتا في اللفظ لاماً واحدة مشددة، وفخمت تعظيماً، فقيل: الله.

(الرحمن الرحيم) اسمان مشتقان من الرحمة على وجه المبالغة، ورحمن أشد مبالغة من رحيم، وفي كلام ابن جرير ما يفهم منه حكاية الاتفاق على هذا، وفي تفسير بعض السلف ما يدل على ذلك كما تقدم في الأثر عن عيسى عليه السلام أنه قال: والرحمن: رحمن الدنيا والآخرة، والرحيم: رحيم الآخرة، وزعم بعضهم أنه غير مشتق، إذ لو كان كذلك لاتصل بذكر المرحوم، وقد قال:

{ وَكَانَ بِٱلْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً } [الأحزاب33: 43].

وحكى ابن الأنباري في الزاهر عن المبرد أن الرحمن: اسم عبراني ليس بعربي. وقال أبو إسحاق الزجاج في معاني القرآن: وقال أحمد بن يحيى: الرحيم عربي، والرحمن عبراني؛ فلهذا جمع بينهما. قال أبو إسحاق: وهذا القول مرغوب عنه. وقال القرطبي: والدليل على أنه مشتق ما خرّجه الترمذي وصححه عن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " قال الله تعالى: أنا الرحمن، خلقت الرحم، وشققت لها اسماً من اسمي، فمن وصلها وصلته، ومن قطعها قطعته " قال: وهذا نص في الاشتقاق، فلا معنى للمخالفة والشقاق، قال: وإنكار العرب لاسم الرحمن؛ لجهلهم بالله، وبما وجب له، قال القرطبي: ثم قيل: هما بمعنى واحد؛ كندمان ونديم، قاله أبو عبيد، وقيل: ليس بناء فعلان كفعيل؛ فإن فعلان لا يقع إلا على مبالغة الفعل، نحو قولك: رجل غضبان للرجل الممتلىء غضباً، وفعيل قد يكون بمعنى الفاعل والمفعول، قال أبو علي الفارسي: الرحمن اسم عام في جميع أنواع الرحمة يختص به الله تعالى، والرحيم إنما هو من جهة المؤمنين، قال الله تعالى:

{ وَكَانَ بِٱلْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً } [الأحزاب33: 43]

وقال ابن عباس: هما اسمان رقيقان، أحدهما أرق من الآخر، أي: أكثر رحمة، ثم حكي عن الخطابي وغيره أنهم استشكلوا هذه الصفة، وقالوا: لعله أرفق؛ كما في الحديث " إن الله رفيق يحب الرفق في الأمر كله، وإنه يعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف " وقال ابن المبارك: الرحمن إذا سئل أعطى، والرحيم إذا لم يسأل يغضب؛ وهذا كما جاء في الحديث الذي رواه الترمذي وابن ماجه من حديث أبي صالح الفارسي الخوزي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم

-22-
" من لم يسأل الله يغضب عليه " وقال بعض الشعراء:

اللّهُ يغضبُ إِنْ تَرَكْتَ سُؤالَهُوبنيّ آدمَ حينَ يُسْأَلُ يَغْضَبُ


وقال ابن جرير: حدثنا السري بن يحيى التميمي حدثنا عثمان بن زفر سمعت العزرمي يقول: { الرحمن الرحيم } قال: الرحمن لجميع الخلق، الرحيم قال: بالمؤمنين، قالوا: ولهذا قال:

{ ٱلرَّحْمَـٰنُ عَلَى ٱلْعَرْشِ ٱسْتَوَىٰ } [طه20: 5]

فذكر الاستواء باسمه الرحمن ليعم جميع خلقه برحمته، وقال:

{ وَكَانَ بِٱلْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً } [الأحزاب33: 43]

فخصهم باسمه الرحيم. قالوا: فدل على أن الرحمن أشد مبالغة في الرحمة؛ لعمومها في الدارين لجميع خلقه، والرحيم خاصة بالمؤمنين، لكن جاء في الدعاء المأثور: رحمن الدنيا والآخرة ورحيمهما.


واسمه تعالى الرحمن خاص به لم يسم به غيره كما قال تعالى:

{ وَاسْئلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رُّسُلِنَآ أَجَعَلْنَا مِن دُونِ ٱلرَّحْمَـٰنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ } [الزخرف43: 45]

ولما تجهرم مسيلمة الكذاب، وتسمى برحمن اليمامة، كساه الله جلباب الكذب، وشهر به، فلا يقال إلا مسيلمة الكذاب، فصار يضرب به المثل في الكذب بين أهل الحضر من أهل المدر، وأهل الوبر من أهل البادية والأعراب.


وقد زعم بعضهم أن الرحيم أشد مبالغة من الرحمن؛ لأنه أكدّ به، والمؤكد لا يكون إلا أقوى من المؤكَّد، والجواب أن هذا ليس من باب التأكيد، وإنما هو من باب النعت، ولا يلزم فيه ما ذكروه، وعلى هذا فيكون تقدير اسم الله الذي لم يسم به أحد غيره ووصفه أولاً بالرحمن الذي منع من التسمية به لغيره كما قال تعالى:

{ قُلِ ٱدْعُواْ ٱللَّهَ أَوِ ٱدْعُواْ ٱلرَّحْمَـٰنَ أَيًّا مَّا تَدْعُواْ فَلَهُ ٱلأَسْمَآءَ ٱلْحُسْنَىٰ } [الإسراء17: 110]

وإنما تجهرم مسيلمة اليمامة في التسمي به، ولم يتابعه على ذلك إلا من كان معه في الضلالة. وأما الرحيم فإنه تعالى وصف به غيره، قال:

{ إِنَّا خَلَقْنَا ٱلإِنسَـٰنَ مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَّبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَـٰهُ سَمِيعاً بَصِيراً } [الإنسان76: 2]

والحاصل أن من أسمائه تعالى ما يسمى به غيره، ومنها ما لا يسمى به غيره؛ كاسم الله والرحمن والخالق والرازق، ونحو ذلك، فلهذا بدأ باسم الله، ووصفه بالرحمن؛ لأنه أخص وأعرف من الرحيم، لأن التسمية أولاً إنما تكون بأشرف الأسماء، فلهذا ابتدأ بالأخص فالأخص. فإن قيل: فإذا كان الرحمن أشد مبالغة، فهلا اكتفى به عن الرحيم، فقد روي عن عطاء الخراساني ما معناه أنه لما تسمى غيره تعالى بالرحمن، جيء بلفظ الرحيم؛ ليقطع الوهم بذلك، فإنه لا يوصف بالرحمن الرحيم إلا الله تعالى، كذا رواه ابن جرير عن عطاء، ووجهه بذلك والله أعلم.

-23-

وقد زعم بعضهم أن العرب لا تعرف الرحمن حتى رد الله عليهم ذلك بقوله:

{ قُلِ ٱدْعُواْ ٱللَّهَ أَوِ ٱدْعُواْ ٱلرَّحْمَـٰنَ أَيًّا مَّا تَدْعُواْ فَلَهُ ٱلأَسْمَآءَ ٱلْحُسْنَىٰ } [الإسراء17: 110].

ولهذا قال كفار قريش يوم الحديبية لما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي: " اكتب { بِسْمِ اللَّهِ ٱلرَّحْمَـٰنِ ٱلرَّحِيمِ } " فقالوا: لا نعرف الرحمن ولا الرحيم. رواه البخاري وفي بعض الروايات: لا نعرف الرحمن إلا رحمن اليمامة. وقال تعالى:

{ وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ٱسْجُدُواْ لِلرَّحْمَـٰنِ قَالُواْ وَمَا ٱلرَّحْمَـٰنُ أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا وَزَادَهُمْ نُفُوراً } [الفرقان25: 60]

والظاهر أن إنكارهم هذا إنما هو جحود وعناد وتعنت في كفرهم؛ فإنه قد وجد في أشعارهم في الجاهلية تسمية الله تعالى بالرحمن، قال ابن جرير: وقد أنشد بعض الجاهلية الجهال:

ألا ضربَتْ تلك الفتاةُ هجينَهاألا قَضَبَ الرَّحْمٰنُ رَبي يَمِيْنَها


وقال سلامة بن جندب الطهوي:

عَجِلْتُمْ عَلَيْنا إِذْ عَجِلْنا عَلَيْكُمُوما يَشَإِ الرَّحْمٰنْ يُعْقَدْ ويُطْلَقِ


وقال ابن جرير: حدثنا أبو كريب حدثنا عثمان بن سعيد حدثنا بشر بن عمارة حدثنا أبو روق عن الضحاك عن عبد الله بن عباس قال: الرحمن: الفعلان، من الرحمة، هو من كلام العرب. وقال: { ٱلرَّحْمَـٰنِ ٱلرَّحِيمِ } الرفيق الرقيق لمن أحب أن يرحمه، والبعيد الشديد على من أحب أن يعنف عليه، وكذلك أسماؤه كلها. وقال ابن جرير أيضاً: حدثنا محمد بن بشار حدثنا حماد بن مسعدة عن عوف عن الحسن قال: الرحمن اسم ممنوع. وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو سعيد يحيى بن سعيد القطان حدثنا زيد بن الحباب حدثني أبو الأشهب عن الحسن قال: الرحمن اسم لا يستطيع الناس أن ينتحلوه، تسمى به تبارك وتعالى. وقد جاء في حديث أم سلمة " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقطع قراءته حرفاً حرفاً { بِسْمِ اللَّهِ ٱلرَّحْمَـٰنِ ٱلرَّحِيمِ ٱلْحَمْدُ للَّهِ رَبِّ ٱلْعَـٰلَمِينَ ٱلرَّحْمَـٰنِ ٱلرَّحِيمِ مَـٰلِكِ يَوْمِ ٱلدِّينِ } " فقرأ بعضهم كذلك، وهم طائفة، ومنهم من وصلها بقوله: { ٱلْحَمْدُ للَّهِ رَبِّ ٱلْعَـٰلَمِينَ }. وكسرت الميم لالتقاء الساكنين، وهم الجمهور، وحكى الكسائي من الكوفيين عن بعض العرب أنها تقرأ بفتح الميم وصلة الهمزة، فيقولون: { بِسْمِ اللهِ الرَّحْمـٰنِ الَّرحِيْمَ الحَمْدُ لِلَّهِ رب العَالَمِينَ } فنقلوا حركة الهمزة إلى الميم بعد تسكينها، كما قُرىء قول الله تعالى:

{ الۤمۤ * ٱللَّهُ لاۤ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُو } [آل عمران3: 1 ـ 2]

قال ابن عطية: ولم ترد هذه قراءة عن أحد فيما علمت.


-24-

__________________
اللهم علمنا ما ينفعنا - وإنفعنا بما علمتنا
اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا إتباعه - وأرنا الباطل باطلا وأرزقنا إجتنابه
اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك
اللهم إجعل عملنا خالصا لوجهك الكريم
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبة وسلم
رد مع اقتباس