عرض مشاركة واحدة
 
  #2  
قديم 08-17-2009
نائل أبو محمد نائل أبو محمد غير متواجد حالياً
عضو بناء
 
تاريخ التسجيل: May 2009
المشاركات: 6,651
افتراضي رد: تجربة صلاح الدين الأيوبي في مواجهة التحديات الصليبية

- رابعاً: المقاومة الإسلامية:
لقد رضي الحكام المسلمون في الخلافة العباسية وفي الخلافة الفاطمية بحالة الذل والخنوع التي فرضها الاحتلال الصليبي الحاكم على قلب العالم الإسلامي.أما العلماء المخلصون أمثال القاضي الهروي والإمام الغزالي والإمام الطرطوشي فقد حملوا راية الإصلاح وبث روح الفداء والاستشهاد في الأمة كي تنهض وتتحرر من ذل الاستعمار الصليبي الغاشم.

وشاء الله تعالى أن يكون حاكم الموصل في العراق الأمير مودود هو أول من حمل راية المقاومة والجهاد.فقد أعلن الأمير مودود الدعوة للجهاد في سبيل الله تعالى فاجتمع حوله أعداد غفيرة كوّن منهم جيشاً ثم توجه إلى إمارة الرها الصليبية وحقق أول انتصار عام 505هـ/ 1112م ثم انطلق هذا الأمير إلى بلاد الشام وأخذ يناوئ الصليبيين وينازلهم وهدفه الوصول إلى بيت المقدس. وعلى مشارف طبرية جرت بينه وبين الصليبيين معركة طاحنة أوجعت الأعداء وجعلتهم يتراجعون إلى الوراء. ثم عاد بعد ذلك إلى دمشق ليعيد تنظيم جيشه وليأخذ فترة جديدة استعداداً لمعركة قادمة.

وأثناء صلاة الجمعة في دمشق دخل عليه رجل من الحشاشين بزي متسول وتمكن من قتله غدراً. فلما علم ملك الفرنجة في القدس بمقتله قال: "إنّ أمة قتلت عميدها في بيت معبودها في يوم عيدها لحقٌّ على الله أن يبيدها". وهكذا كانت حركة الحشاشين تنسق مع قوى الأعداء وتخطط لاغتيال الأمراء والعلماء الذين ينهض المجتمع الإسلامي على أكتافهم وينمو بتضحياتهم وتفانيهم.

إن حركة المقاومة الإسلامية انطلقت قوية متوهجة مع عماد الدين زنكي الذي عينه الخليفة حاكماً على الموصل عام 539هـ/ 1145م فبدأ يعمل على خطين متوازيين. الأول دعوة الأمة إلى الالتزام بالوحدة انطلاقاً من بلاد الأكراد وصولاً إلى دمشق، والثاني هو رفع راية الجهاد من أجل طرد الصليبيين الغاصبين وتحرير الأرض الإسلامية عامة والقدس خاصة.

ولما تأكد عماد الدين من قوة جيشه انطلق إلى مدينة حلب وسحق حاميتها، ثم انطلق إلى إمارة الرها التي سيطر عليها الصليبيون منذ ست وأربعين سنة وطرد منها القوى الاستعمارية وضمها إلى الحظيرة الإسلامية. هذه الانتصارات العظيمة زلزلت القوى المعادية في الغرب والشرق فأخذ البابا يعمل على إرسال حملة صليبية جديدة للحد من نفوذ عماد الدين الزنكي الذي بدأت الأمة تلتف حول مشروعه القائم على الدعوة والجهاد ورص صفوف القوى الإسلامية. والفاطميون في مصر وجدوا في الصحوة الإسلامية التي يقودها عماد الدين زنكي خطراً على مستقبلهم فتعاونوا مع الصليبيين وتمكنوا من الوصول إلى عماد الدين واغتياله غدراً في لحظة من أحرج لحظات التحدي والمواجهة بين الأمة الإسلامية وأعدائها الجاثمين على صدرها.
إن استشهاد عماد الدين زنكي أعطى دفعاً قوياً لمشروع المقاومة الإسلامية بقيادة ابنه نور الدين زنكي الذي أخذ يحشد طاقات الأمة بكاملها كي يتابع مسيرة والده في المقاومة والجهاد.

لقد سلم نور الدين قيادة الجيش إلى رجلين عظيمين هما: أسد الدين شيركوه الأيوبي وأخيه نجم الدين أيوب والد صلاح الدين الأيوبي.
أعلن حاكم دمشق تحالفه مع الصليبيين ورغم ذلك عندما وصلت جيوش جديدة من أوروبا ضربوا الحصار على دمشق من اجل احتلالها ولما استغاث حاكمها بنور الدين هب لنصرته وتمكن من فك الحصار عنها ثم دخل إلى مدينة بعلبك وإلى مدينة طرابلس. عندئذ تحركت القوى الصليبية لمساندة حاكم دمشق الذي طلب مساعدتهم ليصمد في وجه الزحف الإسلامي الذي يقوده نور الدين وقد باءت هذه الحركة بالفشل لأن دمشق فتحت أبوابها لنور الدين عام 546هـ/ 1152م. وأعلن حاكمها ولاءه تحت تأثير القوى الإسلامية من داخل دمشق وخارجها.

وبعد ذلك وجه نور الدين زنكي ضربة قاسمة للقوى الصليبية في حارم عام 560هـ / 1164م حيث قتل منهم عشرة آلاف وأسر عشرة آخرين وكان أمير أنطاكية وأمير طرابلس من بين الأسرى. وهكذا اهتزت أوروبة من جديد وأخذت تستعد لمواجهة هذا المد الإسلامي الذي استطاع أن يوحد القوى الإسلامية انطلاقاً من الموصل وحتى بلاد الشام الداخلية.

كان نور الدين زنكي لا يضحك ولما سئل عن ذلك قال: "كيف أضحك والمسجد الأقصى أسير في قبضة الأعداء" ثم أمر الصناع في مدينة حلب أن يُعدّوا منبراً يحمله معه إلى المسجد الأقصى عندما يتم تحرير فلسطين وبيت المقدس.

- كيف دخلت مصر تحت لواء نور الدين زنكي؟
في الوقت الذي كان فيه الصراع على أشده بين نور الدين زنكي والقوى الصليبية، كانت الخلافة الفاطمية تعاني من التنافس على مراكز النفوذ بسبب حالة الضعف التي كان يعاني منها الخليفة، وقد استعان الوزير شاور بالصليبيين ليثبت نفوذه وبالمقابل استعان الخليفة العاضد بنور الدين زنكي وطلب منه الإسراع في الدخول إلى مصر قبل أن يسيطر عليها الصليبيون. عندئذ جهز نور الدين زنكي جيشاً بقيادة أسد الدين شيركوه ومعه ابن أخيه صلاح الدين الأيوبي.

وبعد معارك عديدة مع الصليبيين وحلفائهم من الفاطميين وبعد قتل الوزير الخائن شاور، تسلم أسد الدين شيركوه منصب الوزارة عام 564هـ/ 1169م في ظل الحكم الفاطمي. ولما مات أسد الدين شيركوه سلم الخليفة العاضد منصب الوزارة إلى صلاح الدين الأيوبي. أدرك ملك بيت المقدس الصليبي أنه أصبح بين فكي كماشة، فطلب من القوى الصليبية في أوروبة وبيزنطة أن تتحرك بسرعة من أجل السيطرة على مصر وطرد الأيوبيين منها.
إن التحالف الصليبي البيزنطي تمكن من الوصول إلى مدينة دمياط ومحاصرتها لمدة شهرين من البر والبحر ولكن المقاومة العنيدة التي أظهرها جيش صلاح الدين والدعم الذي قدمه له نور الدين زنكي أديا إلى هزيمة هذا التحالف مما أعطى نفوذاً مطلقاً لصلاح الدين الذي صارت له الكلمة العليا في جميع أنحاء البلاد المصرية.

وفي عام 1174م تعاون الصليبيون والفاطميون والباطنية من أجل القضاء على صلاح الدين قبل أن ينفذ مشروعه الوحدوي بين مصر وبلاد الشام والعراق لكن صلاح الدين كان لهم بالمرصاد.
كما استطاع صلاح الدين أن يقضي على ثورة كنز الدولة التي فجرها في الصعيد على تخوم بلاد النوبة.
لقد تمكن صلاح الدين من خلال جيشه الذي يدين له بالولاء والطاعة أن ينشر الأمن والعدالة في الربوع المصرية. ثم أمر بنشر المذهب السني وأكرم العلماء العاملين وأنشأ المدارس التي تحولت إلى منارات للعلم والمعرفة.
وفي 567هـ/ 1171م قطع صلاح الدين الخطبة للخليفة العاضد الفاطمي وأقامها للخليفة العباسي وبذلك انتهت الخلافة الفاطمية في مصر وقامت الدولة الأيوبية.
إن انضمام مصر للدولة الإسلامية المجاهدة بقيادة نور الدين زنكي كانت الخطوة الحاسمة من أجل تغيير خريطة الشرق السياسية.


يتبع ...........
رد مع اقتباس