عرض مشاركة واحدة
 
  #2  
قديم 02-19-2010
نائل أبو محمد نائل أبو محمد غير متواجد حالياً
عضو بناء
 
تاريخ التسجيل: May 2009
المشاركات: 6,651
افتراضي رد: الحشيش يسبب الأوهام والهلوسة والاكتئاب

دوافع السلوك المنحرف ومحركاته

------------------------------

الغالب في رأي علماء الانحراف والجريمة أنهم لازالوا يرون هذه الظواهر ذاتها لا تعود إلى سببية محددة تقوم على فكرة التنظيم أكان ذلك على المستوى الفردي أو الاجتماعي، بل هو انحراف يتكون من خلال نفس العمليات التي يتكون السلوك الإنساني السوي غير المنحرف خلالها، ولفهم ظاهرة الانحراف الاجتماعي، وانتشار الآفات المهددة للأمن العام واستقرار المجتمع وأبنائه، فإن ذلك يستوجب دراسة شاملة، من منظور سوسيولوجي، يتعرض فيها المختصين في علم الاجتماع لتشريح عام للمجتمع، وفهم لمختلف التغيرات التي يتعرض لها، من ظروف تاريخية، واقتصادية، واجتماعية، ونفسية وتربوية، وربما حتى سياسية، هذا ما يدفعنا إلى طرح العديد من الأسئلة المتعلقة بواقع ظاهرة الانحراف الاجتماعي بالمجتمعات المعاصرة:

1)- العامل الاجتماعي: تنطوي المحاولات السوسيولوجية التي تناولت تفسير الانحراف والجريمة بالنظر إلى ظروف المنحرف أو المجرم المعيشية والسكنية والعائلية، أو البيئية التي تمارس ضررا على الفرد، وهذا ما يجعل من الانحراف جزءا من النظام الاجتماعي بالنظر إلى بعض الدوافع الاجتماعية المحركة للسلوك الانحرافي، فمثلا نجد أن الأسرة التي يسودها التوتر الشديد والعصبية الزائدة، وسوء التوافق بين الأبوين أو التفكك الأسري نتيجة (الوفاة، الطلاق، الهجر) تدفع كلها إلى خلق السلوك المضاد للمجتمع(1)، فمثلا تعرض الآباء للمشكلات الخارجية، والضغوط النفسية نتيجة الإيقاع السريع للحياة، والصاخب، وافتقاد معظم الأسر إلى الهدوء والسكينة والثبات الانفعالي يدفع كله إلى انحراف الأبناء وضياعهم.

3) العامل النفسي: كثيرا ما يرجع علماء النفس ذلك إلى قلق المنحرفين أو المجرمين النفسي نتيجة الشعور بالعجز، والعداوة، والشعور بالاغتراب النفسي، والحرمان من المشاعر والدفء العاطفي، وكذا عدم إشباع حاجاتهم إلى الشعور بالحب، والحنان، والقبول.وقد ظهرت اتجاهات عديدة لدراسة الاختلالات في الشخصية، والشخصيات السيكوباتية، والدراسات والأعمال الحديثة ذهبت إلى حد تأكيد وجود الشخصية الانحرافية.

يربط علماء النفس بين الأمراض النفسية والانحراف، وذلك حسبهم لوجود خلل في الجهاز النفسي أو العصبي، يؤدي إلى انحراف الفرد/ مثل الهستيريا، النورستانيا (الضعف العصبي)، عصاب القلق والقهر، اليقظة النومية، السيكوباتية (عجز المريض عن التحكم في غرائزه، السلوك المضاد للمجتمع، الأنانية)، والأمراض النفسية بوجه عام تنشأ عن نزعات ورغبات مكبوتة أغلبها ذات طبيعة جنسية طبقا لنظرية التحليل النفسي.

4) العامل البيولوجي: يرى علماء الحياة والمختصين في الطب أن هناك علاقة متبادلة بين مظاهر الانحراف والعوامل العضوية، المتأتية من آفة وراثية أو مكتسبة من شأن عرقي أو من طبع وراثي، فمثلا اضطرابات الجهاز العصبي (الفاكوسمباتي) وجهاز الدورة الدموية والدماغ (كفساد أو تلف قشرة الدماغ أو الكظر أو ما تحت القشرة) أو خلل في الغدد يؤدي إلى تأثير نفسي وعضوي، فكثيرا ما نجد منحرفين مدفوعين انطلاقا من تكوينهم الجسماني.

5) العامل الاقتصادي: هل تعود الظاهرة إلى ظاهرة الفقر والحاجة والعوز، وربما البطالة، ذلك أن الأول يرجع تأثير إلى ما يلي:

- للفقر تأثير كبير في الميل نحو إتيان الأفعال الإجرامية مثل جرائم الأموال، خصوصا عندما يكون الفرد في حالة عجز تام، وغير قادر على تسديد ما يطلبه من حاجيات لنفسه أو ما يدخل تحت مسؤوليته من أفراد مما يدفعه إلى النصب والاحتيال وربما الاختلاس أو التزوير.

- للفقر دور في الشعور بالحرمان من الكثير من ضروريات الحياة مما يدفع بالفرد إلى توفير هذه المستلزمات مثل الملبس والمشرب والمسكن حتى ولو كلفه ذلك استعمال العنف، وهذا ما نجده عند ضعاف النفوس الذين يستسلمون بالضرورة للكثير من الضغوطات التي تضطرهم لإلى ارتكاب الجريمة مدفوعا إليها بغريزة حب البقاء.

- كما للفقر من أثر في انحراف الكثير من الأطفال والشباب، وذلك نتيجة غياب الرعاية والاهتمام التي عادة ما يوفرها الآباء لأبنائهم، لكن في غياب أحد الوالدين أو كليهما تقل المراقبة الأسرية وربما تنعدم مما يولد نماذج انحرافية.

وقد تمت الكثير من الدراسات التي تناولت قضية ارتباط ظاهرتي الجريمة والفقر، منها دراسة قام بها –بورثر فيلد Porterfield- والتي قاس فيها نسبة الجنوح في مجموعة تتكون من 337 طالبا من الفئات الميسورة، وقارن هذه النتائج بنتائج 2000 جانح منم الطبقة العاملة واستنتج بالنسبة لأغلبية الجرائم أن نسبة الجنوح كانت عالية عند الطلبة بقدر ماهي عند الجانحين.

بالإضافة إلى دراسة أخرى قام بها –دوقلاس وروس Douglass & Ross- والتي اكتشف فيها أن نسبة الجنوح في الطبقات البورجوازية أقل بثلاث مرات منه في الطبقات المتوسطة وسبع مرات منه في الطبقات العاملة.

كما للبطالة دور في وقوع الظاهرة الانحرافية أو الفعل الإجرامي والتي تعرف على أنه "توقف الإنسان عن العمل، سواء كان ذلك نتيجة مرض بدني أو عقلي أو نفسي، أو نتيجة لارتفاع الأسعار الذي يؤدي أحيانا إلى الإحجام عن شراء السلع وزيادة المخزون منها مما يحمل صاحب المصانع على التوقف عن الإنتاج وبالتالي تسريح بعض العمال، فيتعطلون وبتكرار هذه الظاهرة في عدة سلع ترتفع نسبة البطالة بين العمال".

6) العامل الجغرافي: أم أن الظاهرة هي ذات بعد اجتماعي من خلال الحركة التمدنية المبنية على الفوضى، مع تكاثر البيوت القصديرية، وانتشار البناءات الفوضوية، مما ولد أحياء تفتقر إلى أدنى شروط الحياة، وجعل من وجه المدينة لا هو طابعا ريفيا، ولا هو بوجه الحضرية، وهنا قد يعاب على السياسة العمرانية التي لا تضع ضوابط لهذه الأعمال، وهو ما جعل هذه المساحات تمثل فضاءا خصبا للجنوح، والسلوكات المخلة بالتواقعات الاجتماعية المتعارف عليها.

وفي هذا نشير إلى أن هناك الكثير من الباحثين من أوعز انتشار ظاهرة الجريمة في المجتمع إلى النمو العمراني الحضري، الذي يمتاز بالتغير الثقافي السريع، وازدياد نسبة المهاجرين من الريف إلى المدن، واختلاف الثقافة الفرعية، بل تناقضها مع الثقافة الكلية من وجوه كثيرة، وانتشار العلاقات العابرة غير الوثيقة التي لا تشعر الأفراد بالطمأنينة وراحة البال، وسيادة المعايير الخلقية المتضاربة، الأمر الذي يؤدي إلى وجود حالة من الفوضى التي تسمى باللامعيارية، وهنا يتبين لنا أن ظاهرة الفقر ظاهرة اجتماعية تتأثر بعامل المكان، فحسب الكثير من الإحصاءات وجد أن انتشار الجريمة تنتشر في الأوساط الحضرية أكثر منها في الريف، وقد نقع في التناقض عندما نقول أن المدينة تشهد حالات الجريمة أكثر من الريف، على الرغم من أن الريف يشهد أشكالا من الفقر أكثر من المدينة، لكن هذا يدفعنا إلى القول أن المدينة تعرف نوعا من الثقافة العابرة كما أوردنا سابقا، أي المجتمع الريفي هو مجتمع يفتقر إلى سبل الترفيه واللهو التي تتوفر في المدينة مما يشيع نوعا من الانحلال الخلقي.

كما أن الفرد يصبح لا يتعامل فقط مع أفراد الأسرة أو الأهل والأقارب بقدر ما يصبح له شلة من الأصدقاء، وعصبة من الأقران، أو مجموعة تتقاسم معه التفكير، مما قد يغير الكثير من المفاهيم والاعتبارات، فيسهل الإغواء والإغراء، خصوصا إذا شاع الاحتكاك بالخبرات الانحرافية.

أيضا نجد أنه في المدن الكبيرة يقوم الفرد بالإقامة في الأحياء المزدحمة بالسكان والمكتظة بالمساكن التي لا تتوافر فيها الراحة أو الشروط الصحية، وفي هذه الأحياء يجد الفرد نفسه على ارتباط بكثير من النماذج الإجرامية، بينما تقل ارتباطاته بنماذج السلوك غير الإجرامي.

حتى أنه كثيرا ما نجد أن العائلات الفقيرة هي ذات طبيعة سلوكية هادئة ورزين، من خلال ما نلحظه بجلاء من توافر صفات الشجاعة والشهامة والكرم والأثرة والأمانة والمثالية الأدبية لدى آلاف الآباء والأمهات الفقراء الذين يفضلون الكفاح على السرقة، ويؤثرون الفقر على الكسب غير المشروع، ويستهجنون طريق الانحراف والجريمة، ويبثون هذه الروح في أبنائهم وبناتهم، وهذا يعني أن الفقر قد لا يدفع إلى الجريمة أو الانحراف إلا إذا تضافرت معه عوامل أخرى، كأن يستتبع الفقر انهيار الروابط الأسرية، وبالتالي انحراف الابناء0.

7) العامل الثقافي: تمثل البيئة الثقافية مجموعة القيم المعنوية والخلقية التي تسود الجماعة ومستوى التعليم فيها والتي ينبثق عنها جميعا عادات الجماعة، وتقاليدها، وأسلوبها في الحياة، كما تلعب هذه العوامل دورا هاما وأكيدا في توجيه سلوك الفرد نحو مختلف الاتجاهات السلبية والعادية منها، وكثيرا ما تهيئ الأرضية لخلق ثقافة انحرافية لديه ودفعه نحو العدوان والعنف، واكتساب تصرفات إجرامية وهو ما أكدته دراسة كوهن Kohen- والتي خلص فيها إلى أن العوامل الثقافية تلعب دورا بالغ الأهمية في سلوك المنحرفين، وقد تكون الفوضى الثقافية التي تمر بواقع المجتمع هي سببا فعالا في إحداث هذه الظاهرة، ذلك أن غياب القيم، وتدني المستويات الخلقية جعل من أفراد المجتمع فريسة سهلة في زوابع الانحراف، ولقمة سائغة في يد الجريمة والمجرمين، خصوصا عندما تطالعنا إدارة السجون بأن نسبة 60 % من المسجونين هم بأعمار لا تتعدى 30 سنة، أي أن النسبة العالية من المحكوم عليهم بإتيان سلوكات انحرافية هم من سن الشباب، ألم يجد هؤلاء الشباب ما يملأ الفراغ لديهم سوى الجريمة؟!، ألم تجد الدولة ما تستثمره في الفضاء الثقافي من مسرح، ورياضة، ومختلف الفنون، ومجالات الترفيه...؟.

8) عوامل أخرى: - وسائل الاتصال. - نقص في الشعور الديني. - ضعف المستوى التعليمي.

يبقى في الأخير أن نقول أن الاتجاهات عديدة ومتعددة في تفسير الفعل الإجرامي أو السلوك الانحرافي، وإن الإلمام بكل هذه الظروف يساعد في توجيه وتخطيط سياسة عامة وقائية فعالة لتطويق هذه الظاهرة، وهنا يبرز دور المربي والطبيب والمختص النفساني والمساعدة الاجتماعية في إبداء تصورهم لقضايا وتدابير التكفل تصورا منطقيا وعقلانيا.
رد مع اقتباس