عرض مشاركة واحدة
 
  #2  
قديم 03-16-2011
نائل أبو محمد نائل أبو محمد غير متواجد حالياً
عضو بناء
 
تاريخ التسجيل: May 2009
المشاركات: 6,651
افتراضي رد: ملف ليبيا أو رسائل البريد

هل قرر الغرب تقسيم ليبيا؟





موقف الغرب من الثورة الليبية موقف مخز وفاضح، فالشعب الليبي يُذبّح ويُقتل ويُباد إبادة جماعية، و الغرب متفرج متردد، يجتمع مرة هنا ومرة هناك، ويرسل وفداَ إلى هنا ومبعوثاً إلى هناك، مصالحه في ليبيا أكبر من أن يسلمها للشعب الذي لا يستطيع أن يضمن ولاءه كما يضمن ولاء القذافي الآن. يتحجج بحجج واهية كقوله إنه لا يعرف الثوار، أو إنه لا يريد التورط في حرب في إفريقيا، أو إنه لن يكرر ما حدث في العراق وأفغانستان، إو إنه لا يوجد غطاء دولي... إلى آخر ما سمعناه ونسمعه من مبررات وحجج يعرف الصغير قبل الكبير أنها كذب محض وأنها فقط أقوال للاستهلاك الإعلامي، بعيدة هي عن السياسة الحقيقية كل البعد.



ليبيا لو تحررت ستلحقها الجزائر حتماُ، وهذا يعني أن شمال إفريقيا كله قد تحرر وأن الطريق من المغرب وموريتانيا إلى فلسطين صار مفتوحاً، وهذا لن ترضى به إسرائيل ولا أمريكا ولا الغرب التابع لهما في هذه النقطة بالذات. لأن أمن إسرائيل من أمن أوروبا الإستراتيجي كما يقولون.



مجرد التفكير في أن شمال إفريقيا يمكن أن يُشكل وحدة من أي نوع كان، هو سيناريو رعب للغرب وخاصة دول أوروبا المطلة على حوض البحر المتوسط، فهذا التجمع السكاني الرهيب بما يملك من إمكانيات بشرية واقتصادية وبكونه بوابة إفريقيا من الشمال، سيصبح قوة مواجهة لأوروبا، هذه القوة لا يُعرف حتى الآن توجهها ولا من سيديرها ولا من سيُسيطر عليها، وستكون بالنسبة للغرب صندوقاُ أسودَ لا يعرف أحد أي مارد سيخرج منه، وهذه مخاطرة كبيرة لن يجازف الغرب بتحمل نتائجها، لذلك يفضل وأدها من الآن.



البترول والغاز الليبيان يشكلان نسبة كبيرة من مصادر الطاقة في أوروبا وهناك استثمارات أوروبية وأمريكية كبيرة في ليبيا وفي طرق إمداد النفط والغاز لا يمكن الاستغناء عنها، لذلك فإن ليبيا مقسمة متناحرة، فيها عميل غربي يمكن الضغط عليه بسهولة وبمختلف الطرق، يسيطر على طرق الإمدادات وعلى نصف النفط أو أكثر،تعتبر ضمانة للغرب من كل المفاجأت التي لا يمكن حسابها حالياً في حال نجاح الثورة. كما أن القذافي وأسرته سيبقيان تهديداً دائما لتونس ولأي قوة تظهر فيها ولأي محاولة للابتعاد عن السيطرة الغربية عليها. كما سيكونان حاجزاً في وجه أي تكتل مغاربي يضم الجزائر والمغرب وموريتانيا في المستقبل.



الشرق الليبي المحرر حتى لو بقي محرراً، سيظل مشغولاً بحرب دائمة مع الغرب الليبي، وسيشكلان سوقاً جديدة للسلاح، يستفيد منه الغرب لعشرات السنين، وسيشكل التنافس بين الليبيتين خفضاً لأسعار النفط والغاز، وستصادر كل الأموال الليبية المخزنة في الغرب ليستفيد منها في السنوات القادمة لدعم اقتصاده وتدعيم الوحدة الأوروبية التي تعاني بعض بلدانها من مشاكل اقتصادية ومالية كبيرة في الوقت الحالي، وسيكون المال الليبي المُصادَر الحل المثالي لبلاد مثل اليونان والبرتغال وحتى إسبانيا.



لقد أخطأ الثوار واستعجلوا اللجوء إلى الحل العسكري، مع كل الضحايا التي سقطت في بداية الثورة، ومع كل احتمالات المجازر التي كان النظام سيقوم بها، فبقاء الثورة سلمية كان ممكناً. سيقول البعض هل كان يجب أن نموت بلا هدف ولا سبب في الشوارع على أيدي المرتزقة؟ والجواب ببساطة: إن موت المدنيين العزل في الشوارع والمدن لا يمكن أن يقبله إنسان في العالم، خاصة إذا كان هذا العالم مجمعاً على أن القذافي لم يعد يملك الشرعية وأنه يجب أن يرحل، أما موت عشرات الآلاف الآن وهو الرقم المتوقع حتى هذه الساعة، فمبرر بأنه قتل لثوار يحملون السلاح في وجه حاكم قد نختلف في شرعيته ولكنه يدافع عن نفسه وعن حكمه. صحيح أن هذا ليس مبرراً وليس منطقاً وليس شرعياً ولكن نسبة التعاطف مع الشعب الثائر ستنخفض مباشرة إلى أكثر من النصف، والضحايا سترتفع أضعافاً مضاعفة.



لا أدري إن كان من الممكن الآن أن تعود الثورة سلمية وأن ينزل الناس مرة إخرى إلى الشوارع في طرابلس وكل مدن الغرب، وأن ينسحب المسلحون الذين كانوا متجهين إلى طرابلس من الشرق ليعتصموا في مدنهم بلا سلاح، فهذا أمر لا يستطيع تقريره إلا من هو في وسط الثورة، ولكن هذا هو الخيار الوحيد المطروح حالياً كبديل عن قمع الثورة أو عن التقسيم. الحل الآخر هو انقسام الجيش الليبي المدافع عن القذافي واستمرار الانشقاقات في صفوفه والتحاق أفراد الكتائب بالثوار، وهذا غير مضمون بوجود قوافل المساعدات من دول عربية وإفريقية وحتى دول أخرى اشتراها القذافي بأمواله المسروقة من الشعب الليبي على مدار أربعين سنة والتي تُستعمل الآن لإبادة هذا الشعب.



أما انتظار العون من بقية الدول العربية فهو أشبه بأحلام اليقظة، لأن الدول العربية إما دول مشاركة في المذبحة، كما تقرر الآخبار الواردة من ليبيا، أو دول تريد إضعاف القذافي واستبداله بدكتاتور آخر من جنسه يعجب حكام العرب، حتى لو كان مسنوداً بغزو أجنبي، ويبقى الحل الأخير الذي توافق عليه الدول العربية أيضاً وهو التقسيم، فقد اعتادوا التقسيم في العراق والسودان والصومال ولن يضرهم زيادة عدد الدول العربية في الجامعة العبرية.



أتمنى أن تكون هذه النظرة متشائمة وغير واقعية، ولكن متابعة الآحداث تشير بوضوح إلى هذا الحل، ويبقى الأمل الأكبر في الشعب الليبي وفي وعيه السياسي واستعداده للتضحية بطرق أخرى غير طريق السلاح. وغير طريق الحرب حتى لو وصلته الآن مساعدات من فرنسا أو غيرها فيجب عليه أن يكون متأكداً أن فرنسا وغيرها لن تمده بسلاح كافٍ للقضاء على القذافي، بل بالسلاح الذي يكفي لإبقاء الحرب مستعرة لعشر سنين قادمة دون أن يظهر فيها منتصر.



أخيراً، هذا الذي يحصل في ليبيا هو محاولة لوأد كل التحركات في المنطقة وإخراجها عن مسارها الصحيح الذي بدأته في تونس ومصر ونجحت فيه بحمد الله تعالى، وهو درس لكل الثورات القادمة في الدول العربية بأن تبتعد عن العنف والسلاح مهما كانت الخسائر، لأن هذه الخسائر مهما عظمت ومهما بدت أنها غير معقولة وغير مجدية، ستبقى حتماً أقل بكثير من خسائر اللجوء إلى العنف والسلاح، ولكنها الطريق الأصعب على النفس، وا لطريق الأبعد عن العقل العربي، والتربية العربية، حتى ولو رأينا نجاحها بأم أعيننا في تونس ومصر، فهل سنصدق مارأيناه بأعيننا وجربناه بأنفسنا، أم أننا سننجرف وراء موروثنا التاريخي المخالف حتى لموروث الأنبياء والمرسلين؟



معتز فيصل / ألمانيا

15.03.2011

رد مع اقتباس