مجموعة ديرتنتا لجميع أنواع التصاميم والطباعة والتعبئه لشركات...  آخر رد: الياسمينا    <::>    متخصصون في جميع أنواع التصميم والطباعة والتعبئه لشركات المست...  آخر رد: الياسمينا    <::>    كيف تحقق أكثر من 1000 دولار بالشهر بسعر وجبة عشاء  آخر رد: الياسمينا    <::>    سكاي فليكس يوفر لك كل احتياجاتك الخاصه في مكان واحد  آخر رد: الياسمينا    <::>    دعوة لحضور لقاء "القانون وريادة الأعمال" للتعريف بالإجراءات ...  آخر رد: الياسمينا    <::>    مكتب انجاز استخراج تصاريح الزواج  آخر رد: الياسمينا    <::>    المحامية رباب المعبي : حكم لصالح موكلنا بأحقيتة للمبالغ محل ...  آخر رد: الياسمينا    <::>    منتجات يوسيرين: رفع مستوى روتين العناية بالبشرة مع ويلنس سوق  آخر رد: الياسمينا    <::>    اكتشفي منتجات لاروش بوزيه الفريدة من نوعها في ويلنس سوق  آخر رد: الياسمينا    <::>    منتجات العناية بالبشرة  آخر رد: الياسمينا    <::>   
 
العودة   منتدى المسجد الأقصى المبارك > المنتدى الفكري
التسجيل التعليمات الملحقات التقويم مشاركات اليوم البحث

 
إضافة رد
 
أدوات الموضوع ابحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
 
  #61  
قديم 02-28-2011
الصورة الرمزية admin
admin admin غير متواجد حالياً
Administrator
 
تاريخ التسجيل: May 2009
المشاركات: 14,425
افتراضي الاتجاه الثاني - أن تزكى الغلة عند قبضها زكاة النقود:

الاتجاه الثاني - أن تزكى الغلة عند قبضها زكاة النقود:
أما الرأي الثاني الذي وجدناه لبعض الأئمة في كتبنا الفقهية، فإنه ينظر إلى هذه المستغلات نظرة أخرى، فلا يأخذ الزكاة من قيمتها كل حول، ولكن يأخذها من غلتها وإيرادها.روى عن الإمام أحمد
وقد روى عن الإمام أحمد في من أجَّر داره، وقبض كراها: أنه يزكيه إذا استفاده، كما ذكر صاحب المغنى عنه (المغنى: 3/29، 47).
قول بعض المالكية
وفي كتب المالكية، ذكر الشيخ زروق في شرح "الرسالة": أن في المذهب خلافًا في حكم زكاة الأشياء التي تتخذ للانتفاع بغلتها، كالدور للكراء، والغنم للصوف، والبساتين للغلة، وهذا الخلاف في أمرين:
الأول: في ثمنها إذا بيعت عينها.
والثاني: في غلتها إذا استفيد منها.
فالقول المشهور في الأول: أن يستقبل بثمنها حولاً، كعروض القنية (الممتلكات الشخصية) إذا بيعت.
والقول الآخر، ينظر إليها كعروض التاجر المحتكر، وحكمه عند المالكية معروف، وهو أن يزكى ما يبيع منها في الحال، إذا كان العرض قد بقى في ملكه حولاً أو أكثر.
وهذان القولان يردان في غلة هذه الأشياء وفائدتها كما أشار ذلك الشيخ زروق، وقال: انظره في المطولات (شرح الرسالة: 1/329).
والذي يهمنا هنا هو القول الثاني، الذي يزكى فوائد "المستغلات" عند قبضها.

مذهب جماعة من ا لصحابة والتابعين ومن بعدهم
وكل من قال بتزكية "المال المستفاد" عند تملكه ( بلا اشتراط حول ) يقول بتزكية الإيراد الناتج عن استغلال العمارات وإنتاج المصانع وأجرة السيارات والطائرات والأجهزة وأدوات الفراشة ونحوها.
وسنرى في بحثنا عن المال المستفاد في الفصل القادم: أن هذا هو مذهب ابن عباس وابن مسعود ومعاوية والناصر والباقر وداود، كما روى عن عمر بن عبد العزيز، والحسن البصري والزهري ومكحول والأوزاعى (انظر: موضوع المال المستفاد فى الفصل الآتي عند زكاة " كسب العمل").
وحجة هؤلاء عموم النص مثل قول -صلى الله عليه وسلم-: "في الرقة ربع العشر".
وزاد بعضهم هنا ما ذكره "الهادي" في قياس المال المُعد للكراء والاستغلال على المال المعد للبيع ؛ قالوا: وهو قياس قوى ؛ لأن بيع المنفعة كبيع العين، وكلما كراها فكأنما باعها، إلا أن القياس يقتضي أن النصاب من الغلة التي هي الأجرة، كما ذكر ذلك صاحب "الحاصر في مذهب الناصر" حيث ذكر في الحوانيت والدور والمستغلات إذا بلغ كراها وغلتها في السنة (200) مائتي درهم، ففيها ربع العُشر، وإن لم يبلغ ذلك، فلا شيء (حواشي شرح الأزهار: 1/450 ،451).
فإذا كان الرأي الأول يجعل أخذ الزكاة من رأس المال نفسه -العمارة والمصنع- فإن هذا الرأي يجعل أخذها من الدخل والإيراد، بنسبة ربع العشر ( 2.5% )، ولا يشترط لذلك حولان الحول.

رأى معاصر - أن تُزكَّى الغلة زكاة الزرع والثمر
وهناك رأى آخر معاصر يوافق الرأي الثاني في أخذ الزكاة من غلة هذه الأشياء، ولكنه يخالفه في مقدار ما يؤخذ، فإنه جعل الواجب العشر أو نصفه، قياسًا على الواجب في الأرض الزراعية.
فإذا كان الرأي الأول قاس هذه الأشياء على عروض التجارة ؛ فهذا قاسها على الأرض الزراعية، وقاس إيرادها على الزرع والثمار، إذ لا فرق بين مالك تجبى إليه غلات أرضه المزروعة، ومالك آخر تجبى إليه غلات مصانعه وعماراته ونحوها.
وإلى هذا الرأي -في قياس العمائر والمصانع على الأرض الزراعية- ذهب من فقهائنا المعاصرين الأساتذة: أبو زهرة وعبد الوهاب خلاف وعبد الرحمن حسن -رحمهم الله- في محاضرتهم بدمشق عام 1952 عن الزكاة (حلقة الدراسات الاجتماعية للجامعة العربية - الدورة الثالثة - ص 241، 242).
فقد قسموا الأموال -نقلاً عن الفقهاء- إلى ثلاثة أقسام:
1- أموال تقتنى لإشباع الحاجات الشخصية ؛ كدور السكنى لأصحابها، والأقوات المدخرة لسد حاجة المالك، وهذه لا تجب فيها زكاة.
2- أموال تقتنى لرجاء الربح بسببها، أو يكون من شأنها ذلك، ولكن تختزن في الخزائن، وهذا تجب فيه الزكاة باتفاق الفقهاء، ومنه الأموال التي أخذ الرسول منها الزكاة، وهي الأصل الذي يقاس عليه غيره.
3- أموال تترد بين النماء وإشباع الحاجة الشخصية كالحلي والماشية التي تتخذ للعمل والنماء معًا، وفي حكمها اختلف الفقهاء، كما بين من قبل.
ثم قالوا: إن تطبيق هذا التقسيم على عصرنا ينتهي بنا لا محالة إلى أن ندخل في أموال الزكاة أموالاً في عصرنا مغلة نامية بالفعل، لم تكن معروفة بالنماء والاستغلال في عصر الاستنباط الفقهي، وذكروا من هذه الأموال نوعين:
أولاً: أدوات الصناعة التي تعتبر رأس مال للاستغلال، وهي تعتبر وسيلة الاستغلال لصاحبها، مثل صاحب مصنع كبير يستأجر العمال لإدارته، فإن رأس ماله للاستغلال لهو تلك الأدوات الصناعية، فهي بهذا الاعتبار تعد مالاً ناميًا، إذ الغلة التي تجيء إليه هي من هذه الآلات، فلا تعد كأدوات الحداد، الذي يعمل بيده، ولا أدوات النجار الذي يعمل بيده وهكذا .. ولهذا قالوا: نرى أن الزكاة تجب في هذه الأدوات باعتبارها مالاً ناميًا وليست من الأدوات التي لإشباع الحاجات الشخصية بذاتها.
وإذا كان الفقهاء لم يوجبوا الزكاة في أدوات الصناعة في عصورهم، فلأنها كانت أدوات أولية لا تتجاوز الحاجة الأصلية لصناعتها، والإنتاج لمهارته، فلم تُعتبر مالاً ناميًا منتجًا، إنما الإنتاج فيها للعامل.
أما الآن فإن المصانع تعد أدوات الصناعة نفسها رأس مالها النامي، ولذلك نقول: إن أدوات الصناعة التي يملكها صانع يعمل بنفسه كأدوات الحلاق الذي يعمل بيده ونحوه تعفى من الزكاة، لأنها تعد من الحاجات الأصلية له.
أما المصانع فإن الزكاة تُفرض فيها، ولا نستطيع أن نقول: إن تلك مخالفة لأقوال الفقهاء، لأنهم لم يحكموا عليها، إذ لم يروها، ولو رأوها لقالوا مثل مقالتنا، فنحن في الحقيقة نخرج على أقوالهم، أو نطبق المناط الذي استنبطوه في فقههم رضى الله عنهم.
وثانيًا: العمائر المعدة للاستغلال لا للسكنى الشخصية، فإننا نعدها مالاً ناميًا، ولا نعدها من الحاجات الأصلية، ولذلك نقسم الدور إلى قسمين: أحدهما: ما أعد لسكنى المالك، وهذه لا زكاة فيها، كما قرر الفقهاء.
والقسم الثاني: ما هو معد للاستغلال، فإننا نرى أن تفرض فيه الزكاة، ولسنا في ذلك نخالف الفقهاء، وإن قرروا أن الدور لا زكاة فيها ،لأن الدور في عصورهم لم تكن مستغلاً إلا في القليل النادر، بل كانت للحاجة الأصلية ولم يلتفتوا إلى النادر، لأن الحكم للأغلب الشائع، والنادر لا حكم له في الشرائع.
أما الآن فإن الدور أصبحت للاستغلال لا للسكنى الشخصية فقط، فالعمائر تشاد لطلب الفضل والنماء، وهي تدر الدر الوفير، فالواجب أن تؤخذ منها زكاة، إذ هي مال نام مستغل، ولأننا نأخذ من نظيرها، وهو.
الأراضي الزراعية، فمن العدل أن نأخذ منها زكاة، وإن لم نأخذ منها كان ذلك تفريقًا بين متامثلين، وذلك لا يجوز في الإسلام، ونحن في هذا أيضًا نطبق أقوال الفقهاء السابقين أو نخرج على أقوالهم لتحقيق المناط الذي استنبطوه.
ومن الإنصاف أن نقول: إن الإمام أحمد -رضى الله عنه- كانت له علة تجيئه من حوانيت كان يؤجرها، فكان يخرج زكاتها، مع أنه لا مورد لعيشه سواها (راجع مناقب الإمام احمد ص 224 - لابن أبى يعلى).
ولقد رأيناه -صلى الله عليه وسلم- يفرض الزكاة في الأموال المنقولة غير الثابتة من رأس المال بمقدار ربع عشره ووجدناه يفرض في الأموال الثابتة المنتجة في الغلة لا في الأصل، لأن الأصل لا يقبل التجزئة والأخذ منه، فانتقل الأخذ إلى الغلة، فكان الأخذ من الإنتاج بمقدار العُشر أو نصف العُشر.
وعلى ضوء ما قرر النبي -صلى الله عليه وسلم- من مقادير مفرقًا بين الثابت والمنقول من حيث المأخذ والمقدار، فإن أيضًا في الأموال المنتجة في عصرنا، نفرق بين المنقول والثابت، ففي المنقول تؤخذ الزكاة من رأس المال بمقدار ربع العُشر ؛ والثابت أن تؤخذ الزكاة من غلته بمقدار العُشر أو نصف العُشر.
وعلى هذا نقول: إن العمائر وأدوات الصناعة الثابتة تؤخذ الزكاة من غلاتها، ولا تؤخذ من رأس المال، وعند التقدير بالعشر أو نصف العشر ؛ إن أمكن معرفة صافي الغلات بعد التكاليف -كما هو الشان في الشركات الصناعية- فإن الزكاة تؤخذ من صافي بمقدار العشر، لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- أخذ الزكاة بالعُشر من الزرع الذي سقي بالمطر أو العيون، فكأنه أخذه من صافي الغلة، وإن لم تمكن من معرفة الصافي على وجهه -كالعمائر المختلفة- فإن الزكاة تؤخذ منها (أي من الغلة) بمقدار نصف العُشر ...هـ. (المصدر السابق ص 249 ؛ 250).
هذا ما ذهب إليه ثلاثة من كبار العلماء، الذين قضوا حياتهم في دراسة الفقه الإسلامي وأصوله وتاريخه، وتدريسها.
فاجتهادهم هنا هو اجتهاد الخبير الأصيل، لا المتطفل الدخيل، وهو اجتهاد صحيح، لأن معتمده هو القياس؛ أحد الأصول والأدلة الشرعية المعتبرة عند جمهور الأمة.
أما تعليقنا على الموضوع نفسه فنوضحه في السطور التالية:

مناقشة وترجيح
إن الرأي الذي ذهب إليه شيوخنا الأجلاء، يوافق الاتجاه الثاني -كما ذكرنا- في أخذ الزكاة من غلة العمارات والمصانع وفوائدها -أعنى أرباحها- ولكنه يخالفه في مقدار ما يجب أخذه.
فالرأي السابق يجعل الواجب ربع العشر اعتبارًا بزكاة النقود، وهذا الرأي يجعل الواجب العُشر أو نصفه، اعتبارًا بزكاة الزروع والثمار، وقياسًا لدخل العمارات والمصانع ونحوها على دخل الأرض الزراعية، وهذا الرأي هو الذي اختاره، لأنه اعتمد على أصل شرعي صحيح وهو القياس، ولكنى أُلاحظ عليه الأمور الآتية:
أولها: أن هذا الرأي أدخل المصانع والعمارات في الأموال النامية التي تجب فيها الزكاة، ولكنه لم يضع ضابطًا عامًا، أو قاعدة جامعة يندرج تحتها كل ما ماثلها من رؤوس الأموال المغلة المنتجة، فلا شك أن في عصرنا مزارع للأبقار والدواجن ونحوها، تدر ربحًا وفيرًا من المنتجات الحيوانية، وفي عصرنا أموال كسيارات الأجرة الصغيرة (التاكسي) والكبيرة (أتوبيس) وسيارات النقل، والسفن التجارية، والطائرات التجارية، والمحلات التي تؤجر الأثاث في الأحفال والمناسبات، وغير ذلك كثير.
وهذه الأموال الجديدة لا تدخل تحت العمارات والمصانع، ولهذا رأينا أن تدخل هذه الأشياء وما شابهها تحت قاعدة "المستغلات" فهي قاعدة حاصرة جامعة ؛ سواء أكان الاستغلال بطريقة كراء العين والاستفادة بأجرتها ؛ كالعمارات والسيارات ونحوها، أم بطريقة الإنتاج وبيع ما يحصل من نتاجه ؛ أي الإنتاج للسوق، كالمصنع ونحوها، وسواء أكان مصدر الاستغلال حيوانًا كبقر الألبان والدواجن، التي قسنا منتجاتها في الفصل السادس على العسل النحل -أم جمادًا كالأشياء الأخرى،.وسواء أكان المستغل عقارًا كالعمارات والمصنع أم منقولاً كالسيارات والأثاث الذي يؤجر في الأحفال ونحوها.
فلا ضرورة إذًا للتفرقة بين الثابت والمنقول ؛ كما ذكر هذا الرأى، فإنه تؤخذ الزكاة من رأس المال الثابت من الغلة بمقدار العشر (أو نصفه) وفي المال المنقول تؤخذ الزكاة من رأس المال نفسه بمقدار ربع العشر.
أجل ...لا ضرورة لهذه التفرقة وقد رأينا النبي -صلى الله عليه وسلم-: أخذ من العسل العُشر وهو من غلة النحل، وليس النحل من العقارات، بل هو أقرب إلى المنقولات، وخلايا النحل، يمكن نقلها بالفعل.
الثاني: إن قياس الدور المؤجرة ونحوها على الأراضي الزراعية، غير مُسَلَّم، وقولهم: لا فرق بين مالك تُجبى إليه غلات أرضه، ومالك تُجبى إليه غلات عماراته، منقوض ؛ فإن الزكاة التي تؤخذ من الزرع ليست منوطة بملك الأرض الزراعية بل بملك الزرع نفسه، فصاحب الزرع عليه الزكاة ولو كان مستأجرًا كما هو قول الجمهور.
والذي يصح أن يقاس عليه هو مالك الأرض الذي يكرى أرضه، وتجبى إليه غلته في صورة "أجرة" من مستأجريها، فهذا أشبه شيء بمالك العمارة الذي يكريها، وتجبى إليه غلتها كذلك.
ولهذا كان لابد أن يسبق هذا الحكم أصل يقاس عليه، وهو القول بزكاة أجرة الأرض الزراعية، إذا قبضها مالكها، وهو ما ذهبنا إليه من قبل، ورجحناه بالأدلة ؛ وبدون هذا الأصل لا يسلم القياس المذكور.
الثالث: أن قياس العمارات ونحوها على الأرض الزراعية يمكن أن ينقض بوجود الفارق بينهم ؛ ذلك أن الأرض الزراعية مصدر دائم للدخل لا يعتريه توقف، ولا يلحقه بلىً أو تآكُل بتقادم العهد، بخلاف العمارات ونحوها فإنها مصدر مؤقت يعيش سنوات تقل أو تكثر ثم ينتهي ويتوقف، فكيف يصح القياس مع هذا الاختلاف بين الأصل والفرع ؟ والقياس يقتضي التماثل بين المقيس والمقيس عليه وإلا كان قياسًا مع الفارق.
والذي يخرجنا من هذا الاعتراض، ويصح القياس المذكور هو الأخذ بما ذهب إليه علماء الضرائب إعفاء مقابل الاستهلاك، فقد نادوا باقتطاع مبالغ سنوية من الدخل بحيث يؤدى تراكمها على مر السنين إلى الاستعاضة عن رأس المال -مصدر الدخل- بمصدر آخر جديد.
فإذا كانت الآلة أو العقار -مصدر الدخل- يستطيع الاستمرار في الإنتاج مدة ثلاثين عامًا مثلاً، فإنه يمكن -بادخار جزء من ثلاثين جزء من ثمنه كل عام- شراء مصدر آخر من آلة أو عقار، عند توقف الأول، بحيث يبقى الدخل قائمًا مستمرًا، وهذا الجزء المتقطع كل عام يجب أن يُعفى من الضرائب (انظر: علم المالية للدكتور رشيد الدقر ص 368)
فإذا كان رجل يملك عمارة يُقَوَّم ثمنها بثلاثين ألف دينار، وافترضنا أنها تنقص كل عام (.3/1) من ثمنها، أي ألف دينار فالمفروض أن تحسم هذه الألف من غلتها السنوية فلو كانت تؤجر في السنة بمبلغ (3000) ثلاثة آلاف تعتبر كأنها لم تؤجر إلا بألفين فقط ؛ وبهذا يصح قياس العمارة والمصنع على الأرض الزراعية، فإنها مصدر باق صالح للإنتاج على مر الزمن، وما تحتاج إليه من تسميد ونحوه، فهو أشبه بنفقات الصيانة للمبنى والآلة ؛ وهذا غير مقابل الاستهلاك الذي ذكرنا.
__________________
اللهم علمنا ما ينفعنا - وإنفعنا بما علمتنا
اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا إتباعه - وأرنا الباطل باطلا وأرزقنا إجتنابه
اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك
اللهم إجعل عملنا خالصا لوجهك الكريم
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبة وسلم
رد مع اقتباس
 
 
  #62  
قديم 02-28-2011
الصورة الرمزية admin
admin admin غير متواجد حالياً
Administrator
 
تاريخ التسجيل: May 2009
المشاركات: 14,425
افتراضي رد: ثناء ابن باز رحمه الله تعالى على كتـــــــــــــاب فقه الزكاة للشيخ العلامة القرضاوي

نصاب الزكاة في العمائر ونحوها


لم يعرض الأساتذة أصحاب هذا الرأي لموضوع النصاب الذي يجب توافره في غلة العمارة أو المصنع، كم هو؟ وكيف يُقدر؟ هل يُقدر بقيمة نصاب الزرع، وهو خمسة أوسق (خمسون كيلة مصرية) ؟ وهل يُعتبر أدنىالحبوب والثمار أو أوسطها أو أعلاها؟ -وقد يؤيد هذا المنزع أننا نقيس غلة المصنع على غلة الأرض- أم يُقدر النصاب بالنقود بما قيمته (85) جرامًا من الذهب، على اعتبار أن الذهب وحدة التقدير في كل العصور؟
لعل هذا هو الأقرب والأيسر، فإن الشارع اعتبر مَن ملك هذا القدر غنيًا، وأوجب عليه الزكاة، ولم يوجب على من ملك دون ذلك شيئًا من الزكاة.
وما دام مالك العمارة أو المصنع يقبض غلة ملكه نقودًا ؛ فالأولى أن يُقدر النصاب بالنقود.

المدة التي يعتبر فيها النصاب
وإذا كان لابد من اعتبار النصاب -لأنه الحد الأدنى للغنى في نظر الشارع- فما المدة التي يعتبر فيها النصاب؟ أيعتبر بالشهر؟ فكل غلة شهر يشترط فيها أن تبلغ نصابًا، أم يعتبر بالسنة ؟ فتُضم إيرادات الشهور بعضها إلى بعض، ويخرج منها الزكاة في رأس الحول إذا بلغت نصابًا، إن الاعتبار بالشهر له ميزة، وهى إعفاء ذوى الإيراد القليل من أصحاب الدور المتواضعة، التي لا يبلغ كراها في الشهر نصابًا، ففيه رفق بأرباب المال.
ولكن الاعتبار بالسن أنفع للفقراء والمستحقين، لما فيه من توسيع قاعدة الزكاة والأموال التي تجب فيه ؛ إذ في هذه الحال تجب على عدد أكبر، فإن ضم دخل الشهور بعضها إلى بعض حتى تبلغ النصاب يدخل في ممولي الزكاة عددًا أكبر.
ولعل هذا الاعتبار هو الأقرب، فإن دخل الفرد -كدخل الدولة أيضًا- يقدر بالسنة لا بالشهر، وقديمًا كانوا يؤجرون الدور بالسنة، ولهذا ذكرنا عن بعض الفقهاء الذين قالوا بتزكية المال المستفاد عند قبضه: إذا بلغ كراء الدار في السنة نصابًا زكى في الحال.
وفي الحال تعتبر غلات الشهور كالزرع أو النخل الذي يؤتي ثماره على دفعات، فيُضَم بعضها إلى بعض، كما هو مذهب أحمد ؛ قال في المغنى: "وتُضَم ثمرة العام الواحد بعضها إلى بعض، سواء اتفق وقت اطلاعها وإدراكها أم اختلف، فتقدم بعضها على بعض في ذلك، ولو أن الثمرة جُذَّت ثم طلعت الأخرى وجُذَّت ؛ ضُمت إحداهما إلى الأخرى، فإن كان له نخل يحمل في السنة حملين ؛ ضُمَّ أحدهما إلى الآخر" (المغنى 2/733).
وبذلك يكون حساب العمائر -كحساب المصانع نحوها- حسابًا واحدًا متشابهًا ؛ فإن المصانع تُصفى حسابها، وتعرف صافي إيرادها كل حول، لا كل شهر.

رفع النفقات والديون من الإيراد
والذي أختاره هنا: أن الزكاة تجب في صافى الإيراد، أي بعد رفع ما يقبل النفقات والتكاليف من أجور وضرائب ونفقات صيانة ونحوها، وكذلك رفع ما يقابل الديون التي تثبت صحتها، ورفع قدر النفقة هو ما ذهب إليه عطاء وغيره في الزرع والثمر، قال عطاء "ارفع نفقتك وزكِّ الباقي"، وهو الذي أيَّده ورجَّحه ابن العربى في شرح الترمذي.

إعفاء الحد الأدنى للمعيشة
وهنا بحث تتم به زكاة العمائر ونحوها، وذلك هو حكم إعفاء الحد الأدنى لمعيشة المالك وعياله، إذا لم يكن له مورد يعيش منه غيرها.
فهل تجب الزكاة في صافى الإيراد السنوي ؛ دون أن يقتطع له منه قدر ما يعيش به هو ومن يعوله في السنة ؛ وبتعبير فقهائنا: ما يحتاج إليه في حوائجه الأصلية؟
أم تجب في جملة الإيراد دون إعفاء شيء من ذلك؟
لا ريب أن من الناس من لا مورد لرزقه غير دار يؤجره، و مصنع صغير يديره بنفسه ،أو بمن ينوب عنه، وقد يكون هذا المصنع أو تلك الدار لشيخ كبير، أو أرملة، أو صبية أيتام ؛ فهل يُترك لهؤلاء وأمثالهم نصيب لمعيشتهم، وما لابد لهم منه، وتفرض الزكاة فيما بقى؟ أم تؤخذ الزكاة من جملة قيمة الإيراد كله؟
إن الذي يتفق وعدالة الإسلام أن يعفى ما يعتبر حدًا أدنى للمعيشة -في تقدير خبراء متدينين- وأن تجب الزكاة في الباقي من إيراد السنة إذا بلغ نصابًا، وهذا بالنسبة لمن ليس له إيراد آخر يكفيه حاجته، كمعاش أو راتب أونحوه، ودليلنا على ذلك أمران:
الأول: أن الفقهاء اعتبروا المال الذي يحتاج إليه صاحب حاجة أصلية كالمعدوم شرعًا، وشبهوه بالماء المستحق للعطش، يجوز التيمم مع وجوده ؛ لأنه مع الحاجة إليه اعتبر معدومًا.
الثاني: ما جاءت به الأحاديث -التي ذكرناها من قبل- من أمر الخارصين لثمار النخيل والأعناب بالتخفيف والتيسير على أرباب الثمار، وأن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال لهم: "دعوا الثلث فإن لم تدعوا الثلث فدعوا الربع" (أي يعفى من الزكاة هذا القدر توسعة على أرباب المال، وتقديرًا لحاجتهم إلى الأكل من الثمر رطبًا).
وقد يكون من الأضبط والأيسر إعفاء ثلث الإيراد أو ربعه ابتداء، واهتداء بروح الأحاديث المذكورة.
__________________
اللهم علمنا ما ينفعنا - وإنفعنا بما علمتنا
اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا إتباعه - وأرنا الباطل باطلا وأرزقنا إجتنابه
اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك
اللهم إجعل عملنا خالصا لوجهك الكريم
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبة وسلم
رد مع اقتباس
 
 
  #63  
قديم 02-28-2011
الصورة الرمزية admin
admin admin غير متواجد حالياً
Administrator
 
تاريخ التسجيل: May 2009
المشاركات: 14,425
افتراضي زكاة كسب العمل والمهن الحرة - التكييف الفقهي لكسب العمل والمهن الحرة -

رأي معاصر
مقدمة
لعل أبرز مظاهر دخل الأفراد في عصرنا ذلك الذي يتقاضاه الإنسان نتيجة عمله وجزاء على جهده.
والعمل الذي يكسب منه الإنسان مالاً، ويدر على صاحبه دخلاً نوعان: نوع يباشره الشخص بنفسه دون أن يرتبط برباط الخضوع لغيره، ويضطلع بعمل يدوي أو عقلي، فدخله في هذه الحالة دخل مهنى، مستمد من المهنة التي يمارسها، كدخل الطبيب والمهندس والمحامى والفنان والخياط والنجار وغيرهم من ذوى المهن الحرة.
ونوع يرتبط فيه الشخص بغيره -سواء أكان غيره حكومة أم شركة أم فردًا- بعقد إجارة أشخاص، ليقوم بعمل ما، بدني أو عقلي أو مزيج منهما، فدخله حينئذ يتخذ صورة الرواتب والأجور والمكافآت.
فهل تؤخذ الزكاة في هذا الدخل المتجدد بنوعيه أم لا؟ وإذا أخذت فما نصابها؟ وكم تكون؟ وماذا يقول الفقه الإسلامي في هذا؟
أسئلة يقتضينا العصر الحاضر ضرورة الإجابة عنها، ليعرف كل مسلم ما عليه من واجب وما له من حق، فأن هذا الدخل بصورته الحديثة وبحجمه الضخم، وقاعدته الكبيرة، شئ لم يعرفه الفقهاء فيما مضى،.وسنفصل الإجابة عن هذه الأسئلة في مباحث ثلاثة :
1- التكييف الفقهي لكسب العمل والمهن، ورأى الفقهاء في زكاته قديما وحديثا، مع بيان الراجح.
2- النصاب ومقداره وكيف يعتبر؟
3- مقدار الواجب.
رأي معاصر
عرض شيوخنا الأجلاء الأساتذة: عبد الرحمن حسن ومحمد أبو زهرة وعبد الوهاب خلاف، لهذا النوع في محاضرتهم عن الزكاة بدمشق عام 1952، وانتهوا فيه إلى رأي نذكره هنا بنصه، قالوا:
"أما كسب العمل والمهن، فإنه يؤخذ منه زكاة إن مضى عليه حَوْل وبلغ نصابًا، ولو لاحظنا مذهب أبى حنيفة -رضى الله عنه- وأبى يوسف ومحمد -وهو أن النصاب لا يشترط ألا ينقص طوال العام بل الشرط الكمال في الطرفين من غير أن ينقطع تماما في الأثناء- لوجدنا أنه بالتخريج عليه يمكن فرض زكاة على كسب العمل كل عام، لأنه يندر أن ينقطع طول العام والكثير أنه يبلغه في طرفيه، وبهذا التخريج يصح أن نعتبر كسب العمل وعاء للزكاة، مع هذا التقييد، لتحقق العلة التي استنبطها الفقهاء ونعتبره تابعا للنصاب الذي يعد أساسا لفرض الزكاة.
"ولأن الإسلام أراد أن يكون للمالك -لكي يعتبر غنيًا- رصيد هو اثنا عشر جنيها ذهبيًا، على الوزن القديم للجنيه المصري، فهذا الرصيد يجب توافره لفرض أي زكاة عليه، ليتحقق الفرق بين الغنى الموجب للعطاء والفقر المسوغ للأخذ.
وقد تساهل الحنفية فاكتفوا بإكمال الرصيد في أول العام وآخره من غير أن يذهب كله في أثناء العام، فيجب أن يُلاحظ ذلك عند فرض زكاة على كسب العمل وعلى المهن الحرة، ليتحقق الحد الفاصل بين الغنى والفقر، ويندر من أصحاب المهن الحرة من لا يتوافر لديهم ذلك" (حلقة الدراسات الاجتماعية ص248).
وعند الكلام عن مقادير الزكاة عادوا إلى الموضوع فقالوا: أما كسب العمل والمهن الحرة فإنا لا نعرف له نظيرًا في الفقه إلا في مسألة خاصة بالإجارة على مذهب أحمد رضى الله عنه، فقد روى عنه أنه قال فيمن أجر داره فقبض كراها وبلغ نصابًا: إنه يجب عليه الزكاة إذا استفاده، من غير اشتراط حول، وإن هذه في الحقيقة تشبه كسب العمل أو هو يشبهها، فتجب الزكاة فيه إذا بلغ نصابا.
وهذا فوق ما قررناه أولاً وهو: أنه يلاحظ أنه يندر أن يخلو رجل كسوب مقتدر من ذلك النصاب الذي قررناه، وإن نقص في وسط العام وتم في آخره بكسب عمله أو مهنته فإنه تجب الزكاة على النصاب الذي مضى عليه الحول" (حلقة الدراسات الاجتماعية ص248).
__________________
اللهم علمنا ما ينفعنا - وإنفعنا بما علمتنا
اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا إتباعه - وأرنا الباطل باطلا وأرزقنا إجتنابه
اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك
اللهم إجعل عملنا خالصا لوجهك الكريم
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبة وسلم
رد مع اقتباس
 
 
  #64  
قديم 02-28-2011
الصورة الرمزية admin
admin admin غير متواجد حالياً
Administrator
 
تاريخ التسجيل: May 2009
المشاركات: 14,425
افتراضي الرواتب والأجور مال مستفاد

الرواتب والأجور مال مستفاد
والنتيجة من هذا التخريج - على ما فيه (أقرب اعتراض عليه ما يقوله كثير من الموظفين من إنفاق رواتبهم بعد أيام من قبضها، إلى حد الاقتراض وهذا يقطع الحول بالإجماع) - أن تؤخذ الزكاة من الرواتب ونحوها عن شهر واحد من اثنى عشر شهرًا ؛ لأن الذي يخضع للزكاة هو النصاب الثابت في أول الحول وأخره.
والعجب أن يقول الأساتذة عن كسب العمل والمهن وما يجلبه من رواتب وإيراد: إنهم لا يعرفون له نظيرًا في الفقه إلا فيما روى عن أحمد في أجرة الدار ؛ هذا مع أن أقرب شئ يذكر هنا هو "المال المستفاد" وهو ما يستفيده المسلم ويملكه ملكًا جديدًا بأي وسيلة من وسائل التملك المشروع ؛ فالتكييف الفقهي الصحيح لهذا الكسب: أنه مال مستفاد.
وقد ذهب إلى وجوب تزكيته في الحال جماعة من الصحابة ومن بعدهم دون اشتراط حول ؛ وإلى ذلك ذهب ابن عباس وابن مسعود ومعاوية والصادق والباقر والناصر وداود، ورُوى عن عمر بن عبد العزيز والحسن والزهري والأوزاعي.
وهذا الحكم والخلاف فيه قد ذكرته الكتب المعروفة المتداولة في أيدي الباحثين، نذكر منها المحلى لابن حزم: (6/83 وما بعدها)، والمغنى لابن قدامة: (2/6)، ونيل الأوطار: (4/148)، والروض النضير: (2/412)، وسبل السلام: (2 / 129).
__________________
اللهم علمنا ما ينفعنا - وإنفعنا بما علمتنا
اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا إتباعه - وأرنا الباطل باطلا وأرزقنا إجتنابه
اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك
اللهم إجعل عملنا خالصا لوجهك الكريم
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبة وسلم
رد مع اقتباس
 
 
  #65  
قديم 02-28-2011
الصورة الرمزية admin
admin admin غير متواجد حالياً
Administrator
 
تاريخ التسجيل: May 2009
المشاركات: 14,425
افتراضي تحقيق القول في المال المستفاد

تحقيق القول في المال المستفاد
ومن المهم جدًّا -بالنظر لعصرنا- أن نحقق حكم المال المستفاد، ونصل فيه إلى رأى مقنع، لما يترتب عليه من آثار خطيرة، إذ يدخل فيه كثير من ألوان الإيراد والدخل مثل كسب العمل والمهن الحرة وإيراد رؤوس الأموال غير التجارية.
فأما ما كان فيه المال المستفاد نماء لمال مزكى من قبل، كربح مال التجارة، ونتاج الماشية السائمة فهذا يُضم إلى أصله، ويعتبر حوله بحوله، وذلك لتمام الصلة بين النماء والأصل.
وعلى هذا فالذي يملك نصابًا من السائمة أو من أموال التجارة، يزكى آخر الحول الأصل وفوائده جميعًا، وهذا لا كلام لنا فيه.
ويقابل ذلك المال المستفاد إذا كان ثمنًا لمال مزكى لم يحل عليه الحول، كما إذا باع محصول أرضه وقد زكاه بإخراج عُشره أو نصف عُشره، وكذلك إذا باع ماشية قد أخرج زكاتها، فما استفاده من الثمن لا يزكيه في الحال، منعًا للثني في الصدقة، وهو ما يسمى في الضرائب "الازدواج".
وإنما الكلام في المال المستفاد الذي لا يكون نماء لمال عنده، بل استفيد بسبب مستقل كأجر على عمل، أو غلة رأس مال، أو هبة، أو نحو ذلك، سواء أكان من جنس مال عنده أم من غير جنسه.
هل يُشترط في هذا المال مرور حول كامل عليه في ملك صاحبه منذ استفاده ؟ أو يُضَم إلى ما عنده من جنسه إن كان عنده مال من جنسه، فيعتبر حَوْله حَوْله؟ أو تجب فيه الزكاة حين استفادته إذا تحققت شروط الزكاة المعتبرة من بلوغ النصاب، والسلامة من الدين، والفضل عن الحوائج الأصلية؟
الحق أن كل احتمال من هذه الاحتمالات الثلاثة قد ذهب إليه بعض الفقهاء، وإن كان المشهور المتداول بين المشتغلين بالفقه أن مرور الحول شرط في وجوب الزكاة في كل مال، مستفاد أو غير مستفاد، مستندين في ذلك إلى بعض الأحاديث التي رويت في اشتراط الحول، وتعميمهم إياها على المال المستفاد.
ولهذا كان مما لا بد منه ههنا بيان درجة الأحاديث الواردة في اشتراط الحول، ومبلغ ثبوتها لدى أئمة الحديث.
__________________
اللهم علمنا ما ينفعنا - وإنفعنا بما علمتنا
اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا إتباعه - وأرنا الباطل باطلا وأرزقنا إجتنابه
اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك
اللهم إجعل عملنا خالصا لوجهك الكريم
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبة وسلم
رد مع اقتباس
 
 
  #66  
قديم 02-28-2011
الصورة الرمزية admin
admin admin غير متواجد حالياً
Administrator
 
تاريخ التسجيل: May 2009
المشاركات: 14,425
افتراضي رد: ثناء ابن باز رحمه الله تعالى على كتـــــــــــــاب فقه الزكاة للشيخ العلامة القرضاوي

ضعف الأحاديث الواردة في الحول
رُوى اشتراط الحول عن النبي -صلى الله عليه وسلم- من حديث أربعة من الصحابة هم على وابن عمر وأنس وعائشة رضى الله عنهم، ولكن هذه الأحاديث كلها ضعيفة لا تصلح للحُجَّة.

حديث علي
أما حديث علي فَرَواه أبو داود في باب زكاة السائمة، قال: حدثنا سليمان ابن داود المهري، أخبرنا ابن وهب، أخبرني جرير بن حازم وسمى آخر، عن أبى إسحاق عن عاصم بن ضمرة، والحارث الأعور، عن على رضى الله عنه، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "فإذا كانت لك مائتا درهم وحال عليها الحول ففيها خمسة دراهم، وليس عليك شئ -يعنى في الذهب - حتى يكون لك عشرون دينارًا، فإذا كان لك عشرون دينارًا وحال عليها الحَوْل ففيها نصف دينار فما زاد فبحساب ذلك، قال: فلا أدرى: أعلىٌّ يقول: "فبحساب ذلك" أو يرفعه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -؟ وليس في مال زكاة حتى يحول عليه الحول، إلا أن جريرًا قال: ابن وهب يزيد في الحديث عن النبي -صلى الله عليه وسلم -: "وليس في مال زكاة حتى يحول عليه الحول".
هذا هو حديث علي -كما رواه أبو داود- فما قيمته عند نقاد الحديث؟
( أ ) قال ابن حزم وتبعه عبد الحق في "أحكامه": هذا حديث رواه ابن وهب عن جرير بن حازم عن أبى إسحاق عن عاصم والحارث عن على، فقرن أبو إسحاق فيه بين عاصم والحارث، والحارث كذاب، وكثير من الشيوخ يجوز عليه مثل هذا، وهو أن الحارث أسنده وعاصم لم يسنده (يعني إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-) فجمعهما جرير وأدخل حديث أجدهما في الآخر، وقد رواه شعبة وسفيان ومعمر عن أبى إسحاق عن عاصم عن على موقوفا عليه، وكذا كل ثقة رواه عاصم إنما وقفه على على، فلو أن جريرا أسنده عن عاصم وبين ذلك أخذنا به (انظر المحلى: 6/3، ونصب الراية: 2/328 - 329).
(ب) قال الحافظ في التلخيص (صفحة 182 - طبع الهند) معقبًا على قول ابن حزم: قد رواه الترمذي من حديث أبى عوانة عن أبى إسحاق عن عاصم عن على مرفوعًا (أ.هـ).
أقول: حديث أبى عوانة لم يذكر فيه الحول، فلا حجة فيه، ولفظه كما في الترمذي: "باب ما جاء في زكاة الذهب والورق" قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم -: "قد عفوت عن صدقة الخيل والرقيق فهاتوا صدقة الرقة، من كل أربعين درهما درهم، وليس في تسعين ومائة شيء، فإذا بلغت مائتين ففيها خمسة دراهم" (سنن الترمذي: كتاب الزكاة، باب "ما جاء في زكاة الذهب والورق").
( ج ) وهذا كله على القول بأن عاصمًا ثقة، ولكنه لم يسلم من جرح، فقد قال المنذري في مختصره (مختصر السنن: 2/191) والحارث وعاصم ليسا بحجة، وقال الذهبي في الميزان: أخرج له الأربعة .. وثَّقه ابن معين وابن المديني . وقال أحمد: هو أعلى من الحارث الأعور، وهو عندي حجة . وقال النسائي: ليس به بأس . وأما ابن عدى فقال: ينفرد عن على بأحاديث، والبلية منه . وقال ابن حبان: كان رديء الحفظ، فاحش الخطأ، يرفع عن على قوله كثيرًا، فاستحق الترك، على أنه أحسن حالا من الحارث (ميزان الاعتدال: 2/352-353 ترجمة رقم 4052 ) وهذا يؤيد قول المنذر: إنه ليس بحجة.
ومع هذا فالحديث معلول كما نبه عليه الحافظ في التلخيص (صفحة 182) حيث قال: "تنبيه الحديث الذي أوردناه من أبى داود معلول"، ثم ساق إسناده، وقال: "ونبه ابن المواق على علة خفية فيه وهى أن جرير بن حازم لم يسمعه من أبى إسحاق، فقد رواه حفاظ أصحاب ابن وهب: سحنون وحرملة ويونس وبحر بن نصر وغيرهم عن ابن وهب، عن جرير ابن حازم والحارث بن نبهان عن الحسن بن عمارة عن أبى إسحاق، فذكره . قال ابن المواق: الحمل فيه على سليمان شيخ أبى داود فإنه وهم في إسقاط رجل" أ.هـ.
والحسن بن عمارة الذي سقط من السند متروك باتفاق (انظر ترجمته في الميزان برقم (1918): 1/513-515).
وبهذا نعلم أن الحديث لا يصلح للاحتجاج به، وأن سكوت الحافظ على إعلال ابن المواق له بل تصريحه بالتنبيه على أنه معلول - يُعَد عدولاً عن قوله قبل ذلك في التلخيص نفسه (التلخيص ص 175) حديث على لا بأس بإسناده، والآثار فقد تبين لنا أن في الحديث جملة آفات: من قبل الحارث المتهم بالكذب الذي انفرد برفعه، ومن قبل عاصم الذي اختلف في توثيقه، ومن قبل العلة التي ذكرها ابن المواق وأقرها الحافظ.
وفي ظني -والله أعلم- أن الذين حسَّنوا الحديث، لو اطلعوا على العلة التي نبه عليها ابن المواق وذكرها الحافظ في التلخيص، لرجعوا عن قولهم، فهي علة قادحة، ويجزم بصحتها من له اطلاع على علوم الحديث إذا أوتي ملكة النقد.
حديث ابن عمر
وأما حديث ابن عمر، فقال الحافظ: رواه الدارقطني والبيهقي، وفيه إسماعيل بن عياش وحديثه عن غير أهل الشام ضعيف، وقد رواه ابن نمير ومعتمر وغيرهما عن شيخه فيه، وهو عبيد الله بن عمر الراوي له عن نافع، فوقفه، وصحح الدارقطني في "العلل" الموقوف (المرجع نفسه).
حديث أنس
وأما حديث أنس فرواه الدارقطني، وفيه حسان بن سياه، وهو ضعيف، وقد تفرد به عن ثابت -كما في التلخيص (ص 175)- قال ابن حبان في كتاب "الضعفاء": هو منكر الحديث جدًا، لا يجوز الاحتجاج به إذا انفرد (نصب الراية: 2/330).
حديث عائشة
وأما حديث عائشة فرواه ابن ماجه والدارقطني والبيهقي والعقيلي في الضعفاء، وفيه حارثة ابن أبى الرجال، وهو ضعيف (التلخيص ص 175).
قال ابن القيم في تهذيب سنن أبى داود (الجزء الثاني صفحة 189) وقد روى حديث: "ليس في مال زكاة حتى يحول عليه الحَوْل" من حديث عائشة بإسناد صحيح ؛ قال محمد بن عبيد اللَّه بن المنادى: "حدثنا أبو زيد (كذا ) شجاع بن الوليد، حدثنا حارثة بن محمد عن عمرة، عن عائشة قالت: سمعت رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحَوْل" (رواه أبو الحسين بن بشران عن عثمان بن السماك عن ابن المنادى) أهـ.
قلت: عجيب من ابن القيم أن يصحح هذا الحديث بهذا الإسناد، مع أننا إذا غضضنا الطرف عن شجاع بن الوليد أبى بدر (وهذه كنيته كما في الميزان: ج2 ص 264) وقد قال فيه أبو حاتم: "لين الحديث، شيخ، ليس بالمتين، لا يُحتج به، إلا أنه عنده عن محمد بن عمرو أحاديث صحاح" - فكيف نتجاهل شيخه حارثة بن محمد، وهو عينه حارثة بن أبى الرجال، الراوي عن عمرة، والذي ضعف الدارقطني والعقيلي وغيرهما الحديث من قِبَله، وقد قال الذهبي في ترجمته: ضعَّفه أحمد وابن معين، وقال النسائي: متروك، وقال البخاري:منكر الحديث، لم يعتد به أحد.
وعن ابن المديني قال: لم يزل أصحابنا يضعفونه.
وقال ابن عدي: عامة ما يرويه منكر أ.هـ (الميزان: 1/445 - 446 ترجمته رقم 1659).
ومعنى هذا أنه مُجْمَع على ضعفه وإطراحه، فكيف يصحح حديث ينفرد بروايته؟ ولعل ذكر أبيه باسمه -محمد- دون كنيته التي اشتهر بها -أبى الرجال- هو الذي سبب هذا الوهم، وسبحان من لا يضل ولا ينسى.
هذا ما جاء من الأحاديث في اشتراط الحول في أي مال، بصرف النظر عن كونه مستفادًا أو غير مستفاد.
__________________
اللهم علمنا ما ينفعنا - وإنفعنا بما علمتنا
اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا إتباعه - وأرنا الباطل باطلا وأرزقنا إجتنابه
اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك
اللهم إجعل عملنا خالصا لوجهك الكريم
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبة وسلم
رد مع اقتباس
 
 
  #67  
قديم 02-28-2011
الصورة الرمزية admin
admin admin غير متواجد حالياً
Administrator
 
تاريخ التسجيل: May 2009
المشاركات: 14,425
افتراضي أحاديث المال المستفاد

أحاديث المال المستفاد
أما المال المستفاد خاصة، فقد روى فيه الترمذي حديثًا من طريق عبد الرحمن ابن زيد بن أسلم عن أبيه عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى عليه وسلم: "من استفاد مالاً فلا زكاة عليه حتى يحول عليه الحَوْل عند ربه" ورواه عن طريق أيوب عن نافع ابن عمر قال: "مَن استفاد مالاً فلا زكاة عليه" الحديث، دون رفعه إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-.
قال الترمذي: وهذا أصح من حديث عبد الرحمن بن زيد بن أسلم قال: وروى أيوب وعبيد الله بن عمر وغير واحد عن نافع عن ابن عمر موقوفًا، وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم ضعيف في الحديث، ضعفه أحمد بن حنبل وعلىّ ابن المديني وغيرهما من أهل الحديث، وهو كثير الغلط أ.هـ (الترمذي بشرح ابن العربى: 3/125، 126).
وقد روى حديث عبد الرحمن بن زيد: الدارقطني والبيهقي، وصحح البيهقي وابن الجوزي وغيرهما أنه موقوف كما قال الترمذي وروى الدارقطني في غرائب مالك من طريق إسحاق بن إبراهيم الحنيني عن مالك عن نافع عن ابن عمر نحوه، قال الدارقطني: الحديث ضعيف، والصحيح عن مالك موقوف، وروى البيهقي عن أبى بكر وعلى عائشة موقوفًا عليهم مثل ما روى عن ابن عمر، قال: والاعتماد في ذلك على الآثار الصحيحة عن أبى بكر الصديق رضي الله عنه، وعثمان بن عفان، وعبد اللَّه بن عمر وغيرهم (انظر: السنن الكبرى: 4/95، والتلخيص ص 175).
وبهذا البيان يتضح لنا: أنه ليس في اشتراط الحَوْل حديث ثابت مرفوع إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-، ولا سيما في المال المستفاد، كما قال الحافظ البيهقي.
ولو صح في هذا شئ من قول النبي -صلى الله عليه وسلم- لكان محمولاً على غير المال المستفاد توفيقًا بين الأدلة.
فهنا قدر مجمع عليه في أمر الحَوْل، وهو أن المال الذي يزكى لا تجب فيه الزكاة مرة أخرى إلا بعد مرور حَوْل عليه ؛ فالزكاة حولية ولا شك بهذا المعنى، ويمكن أن يحمل عليه الحديث: "لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول" أي لا زكاة فيه بعد تزكيته إلا إذا مر عليه عام كامل، وقد بينا ذلك في شرط الحول من الفصل الأول من هذا الباب.
ومما يدل على ضعف الأحاديث المروية في اشتراط الحول للمال المستفاد اختلاف الصحابة فيه -كما سنبين ذلك- ولو صحت لاحتكموا إليها.
__________________
اللهم علمنا ما ينفعنا - وإنفعنا بما علمتنا
اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا إتباعه - وأرنا الباطل باطلا وأرزقنا إجتنابه
اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك
اللهم إجعل عملنا خالصا لوجهك الكريم
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبة وسلم
رد مع اقتباس
 
 
  #68  
قديم 02-28-2011
الصورة الرمزية admin
admin admin غير متواجد حالياً
Administrator
 
تاريخ التسجيل: May 2009
المشاركات: 14,425
افتراضي اختلاف الصحابة والتابعين من بعدهم في المال المستفاد

اختلاف الصحابة والتابعين من بعدهم في المال المستفاد
وإذا لم يكن في اشتراط الحول نص صحيح، فليس فيه أيضا إجماع، لا قولي ولا سكوتي، فإن الصحابة والتابعين قد اختلفوا في المال المستفاد ؛ فمنهم من اشترط له الحول، ومنهم من لم يشترط، وأوجب إخراج الزكاة منه حين يستفيده المسلم.
وإذا اختلفوا لم يكن قول بعضهم أولى من بعض، ورد الأمر إلى النصوص الأخرى، وإلى قواعد الإسلام العامة، كما قال تعالى: (فإن تنازعتم في شئ فردوه إلى الله والرسول)(النساء: 59).
صح عن القاسم بن محمد بن أبى بكر الصديق: أن أبا بكر الصديق كان لا يأخذ من مال زكاة حتى يحول عليه الحول.
وعن عمرة بنت عبد الرحمن عن عائشة أم المؤمنين قالت: "لا يزكى حتى يحول عليه الحول" تعنى المال المستفاد.
وعن علي بن أبى طالب قال: من استفاد مالاً فلا يزكيه حتى يحول عليه الحول، ومثله عن ابن عمر (روى هذه الآثار بسندها ابن حزم في المحلى: 5/276).
وهذه الآثار عن هؤلاء الصحابة رضى الله عنهم تدل على أن الزكاة لا تجب حتى يمضي على المال في مِلْك المالك الحَوْل، وإن كان مالاً مستفادًا، ولكن هؤلاء الصحابة خالفهم غيرهم، فلم يشترطوا لزكاة المال المستفاد ما اشترطوا من الحَوْل.
قال ابن حزم: روى ابن أبى شبيبة، وروى مالك في الموطأ: صح عن ابن عباس، إيجاب الزكاة في كل مال يزكى حين يملكه المسلم (المحلى: 6/83، ورواه عنه أبو عبيد في الأموال ص 413، 414 وأوله تأويلاً بعيدًا).
وممن روى عنه تعجيل الزكاة من المال المستفاد -دون انتظار الحول- ابن مسعود ومعاوية من الصحابة، وعمر بن عبد العزيز والحسن والزهري من التابعين (المرجع نفسه ص 84 -85، وقد اختلف الرواية عن عمر بن عبد العزيز والحسن).
كما سنفصل ذلك فيما يلي
__________________
اللهم علمنا ما ينفعنا - وإنفعنا بما علمتنا
اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا إتباعه - وأرنا الباطل باطلا وأرزقنا إجتنابه
اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك
اللهم إجعل عملنا خالصا لوجهك الكريم
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبة وسلم
رد مع اقتباس
 
 
  #69  
قديم 02-28-2011
الصورة الرمزية admin
admin admin غير متواجد حالياً
Administrator
 
تاريخ التسجيل: May 2009
المشاركات: 14,425
افتراضي رد: ثناء ابن باز رحمه الله تعالى على كتـــــــــــــاب فقه الزكاة للشيخ العلامة القرضاوي

ما جاء عن الصحابة والتابعين في المال المستفاد
( أ ) ابن عباس
روى أبو عبيد عن ابن عباس في الرجل يستفيد المال قال:.يزكيه يوم يستفيده (الأموال ص 413، وقد رواه من طريقين) وكذلك رواه عنه ابن أبى شيبة (المصنف: 3 / 160 - طبع حيدر آباد) والخبر صحيح عن ابن عباس، كما قال ابن حزم، وهو ظاهر في عدم اشتراط الحول للمال المستفاد من النقود، وهو ما فهمه الناس من قول ابن عباس، ولكن أبا عبيد خالفهم في هذا الفهم قائلا: فقد تأول الناس -أو من تأوله منهم- أن ابن عباس أراد الذهب والفضة ولا أحسبه أنا أراد ذلك، وكان عندي أفقه من أن يقول هذا، لأنه خارج عن قول الأمة، ولكنى أراه أراد زكاة ما يخرج من الأرض، فإن أهل المدينة يسمون الأرضين أموالاً فإن لم يكن ابن عباس أراد هذا فلا أدرى ما وجه حديثه؟ (الأموال ص 414).
وأبو عبيد إمام حُجَّة في الشؤون المالية ولا شك، وله فى الزكاة اجتهادات وترجيحات نيرة، طالما أخذت بها، ولكنى أرى كلامه هنا ضعيفًا ؛ لأنه يخالف ما يتبادر إلى الفهم من قول حَبْر الأمة، وما فهمه أهل العلم منه قبل أبى عبيد، ولو كان يقصد به ما قال ما كان فيه شئ جديد يتميز به ابن عباس ويعرف به ويروى عنه.
على أن الأصل هو حمل الكلام على ظاهره دون ارتكاب للتأويل إلا إذا وجد مانع من إرادة الظاهر، فهل وجد هنا هذا المانع؟ كلا.
وما ذكر أبو عبيد مما ظنه مانعا من إرادة الظاهر المتبادر، ومسوغًا لارتكاب التأويل البعيد، غير مسلم له لما يأتي:
أولاً: أن ابن عباس لم يخرج عن قول الأمة ؛ فقد وافقه ابن مسعود ومعاوية ثم تبعته من بعد عصره عمر بن عبد العزيز والحسن والزهري وغيرهم.
ثانيًا: أن الصحابي المجتهد ليس عليه في الأمور التي لا نص فيها أن ينتظر ويتوقف حتى يرى ما يقوله بقية علماء الأمة، ثم يعلن رأيه واجتهاده إن كان موافقا وإلا سكت، ولو كان الأمر كذلك ما قال أحد منهم رأيًا، وإنما لكل مجتهد منهم أن يقول رأيه في الأمور الاجتهادية، وافق رأى الآخرين أم لا، وقد تحدث الموافقة فعلاً، وقد لا تحدث.
ثالثًا: أن انفراد صحابي بقول أمر غير مستنكر، وليس بالشيء النادر في تراثنا الفقهي، وقد رأينا ابن عباس نفسه ينفرد بآراء له في المتعة، وفى لحم الحمر الأهلية وغيرها، فانفراد ابن عباس -لو صح- لا يسوغ إخراج كلامه عن ظاهره ليوافق رأى غيره من الصحابة.
على أن أبا عبيد لم يجزم بتأويله هذا، بل قال: "أراه" أي أظنه، وفى ختامه قال: وإن لم يكن أراد هذا فلا أدرى ما وجهه؟
(ب) ابن مسعود
وكذلك روى أبو عبيد عن هبيرة بن يريم قال: كان عبد الله بن مسعود يعطينا العطاء في زُبُلٍ صغار ثم يأخذ منه الزكاة (الأموال ص 412، والزبل: جمع زبيل بوزن أمير، وقد يرد بوزن قنديل وسكين، وهو: القفة).
وقد تأول أبو عبيد ذلك بأنه كان يأخذ الزكاة لما قد وجب قبل العطاء لا لما يستقبل.
وفي هذا التأويل أيضا تكلف واعتساف مخالف لما يتبادر إلى الفهم من ناحية، وخالف كذلك لما صحت به الرواية عن ابن مسعود مما يفسر المراد من أخذه من العطاء، فقد روى هبيرة قال: كان ابن مسعود يزكى أعطياتهم من كل ألف خمسة وعشرين، كما روى ذلك ابن أبى شيبة (المصنف: 3 /114 - طبع حيدر آباد) والطبراني (قال في مجمع الزوائد 3 /68، ورجاله رجال الصحيح خلا هبيرة وهو ثقة) وهبيرة هو نفسه الذي نقل الرواية الأولى التي تأولها أبو عبيد: فهذا الحسم أو الاقتطاع شبيه بما يسميه علماء الضريبة الآن "الحجز في المنبع" وليس أخذًا لما وجب قبل العطاء في أموال أخرى حال عليها الحول، ولو كان ابن مسعود يأخذ الزكاة من العطاء عما وجب في مال آخر ما وجب أن يأخذ من كل ألف خمسة وعشرين، فقد يكون أقل أو أكثر، ولعل أبا عبيد لم يطلع على هذه الرواية، فتكلف هذا التأويل (وقد ساعد أبا عبيد على التأويل الذي تأوله حديث له آخر -قال- يحدثونه عن سفيان عن خصيف عن أبى عبيدة عن عبد الله أنه قال: "من استفاد مالاً فلا زكاة فيه حتى يحول عليه الحول".
ولكن هذا الحديث ضعيف لسببين:
الأول: أن أبا عبيد قال: يحدثونه عن سفيان، ولم يعين الواسطة بينه وبين سفيان.
الثاني: أن خصيفًا -وإن كان صدوقًا- متهم بالخلط وسوء الحفظ وكثرة الوهم، وشدة الاضطراب، فلا يصح الاحتجاج به في مثل ما نحن فيه، ولعل أعدل ما قيل فيه قول ابن حبان: كان شيخًا صالحًا فقيهًا عابدًا، إلا أنه كان يخطئ كثيرًا فيما يروى، ويتفرد عن المشاهير بما لا يتابع عليه، وهو صدوق في روايته إلا أن الإنصاف فيه قبول ما وافق الثقات في الروايات وترك ما لم يتابع عليه وهو ممن استخير الله تعالى فيه - انظر تهذيب التهذيب: 3/ 143 و 144 - وهنا نجد أن الروايات الصحيحة عن ابن مسعود تخالف ما رواه خصيف هنا، فلا ينبغي التعويل على روايته).
(ج) معاوية
روى مالك في الموطأ عن ابن شهاب قال: أول من أخذ من الأعطية الزكاة ؛ معاوية بن أبى سفيان (الموطأ مع المنتقى: 2/ 95).
ولعله يريد أنه أول من أخذها من الخلفاء ؛ فقد أخذها قبله ابن مسعود كما ذكرنا، أو لعله لم يبلغه فعل ابن مسعود، فقد كان بالكوفة، وابن شهاب بالمدينة.
ولا ريب أن معاوية كان يأخذ الزكاة من الأعطيات على مستوى الدولة الإسلامية، فقد كان خليفة المسلمين وأميرهم، ولا شك أن عصر معاوية كان حافلاً بالصحابة الكرام، فلو كان معاوية مُخالفًا لنص نبوي أو لإجماع معتبر ما وسعهم أن يسكتوا، وقد أنكروا عليه فيما دون هذا، حينما أخذ في زكاة الفطر نصف صاع من بُرَّ بدل صاع من غيره، كما في حديث أبى سعيد الخدري، كما أن معاوية نفسه -على الرغم مما قيل فيه من مبالغات وتشنيعات- ما كان ليخالف سُنَّة ثابتة عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.

(د) عمر بن عبد العزيز
وبعد معاوية بأربعة عقود جاء مجدد المائة الأولى الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز فكان مذهبه الذي طبقه بالفعل هو أخذ الزكاة من العطاءات والجوائز والظالم وغيرها.
ذكر أبو عبيد أنه كان إذا أعطى الرجل عُمَالته أخذ منها الزكاة، وإذا رد المظالم أخذ منها الزكاة، وكان يأخذ الزكاة من الأعطية إذا خرجت لأصحابها (الأموال ص 432).
فـ"العمالة" هي الأجرة التي يقبضها الرجل عن عمله، مثل رواتب الموظفين والعمال في عصرنا، و"المظالم" هي الأموال التي صودرت واستولت عليها السلطات بغير حق في عهود سابقة واعتبرها أصحابها مالاً ضائعًا أو ضمارًا، فإذا ردت إليهم تكون حينئذ كسبًا جديدًا، و"الأعطيات" هي المكافآت أو المعاشات المنظمة التي كانت تصرف من بيت المال لجنود الجيش الإسلامي ومن في حكمهم.
وروى ابن أبى شيبة: أن عمر بن عند العزيز كان يزكى العطاء والجائزة (المصنف: 3 /85) فهذا كان مذهب عمر، حتى الجوائز والمنح التي كانت توهب لبعض الوافدين مكافأة أو تشجيعًا أو صلة كان يأخذ منها زكاتها، وهو ما تفعله الدول الحديثة في أخذ الضرائب على مثل هذه الجوائز.

(هـ) فقهاء آخرون من التابعين وغيرهم
كما روى تزكية المال المستفاد عند قبضه عن الزهري والحسن ومكحول، كما ذكر ابن حزم، وسنذكر شيئا من ذلك عند حديثنا عن كيفية تزكية المال المستفاد.
وجاء مثل هذا القول عن الأوزاعي أيضًا.
بل روى عن أحمد بن حنبل ما يشبه هذا . فقد ذكرنا في الفصل السابق قوله فيمن أجر داره فقبض كراها: أنه يزكيه إذا استفاده، كما في المغنى، وفيه أيضًا: قال أحمد عن غير واحد: يزكيه حين يستفيده، وروى بإسناده عن ابن مسعود ما ذكرناه قبل من تزكيته العطاء (انظر: المغنى: 2/626، 3/29، 47).
(و) مذهب الباقر والصادق والناصر وداود
وهو مذهب الناصر والصادق والباقر من أئمة آل البيت، كما هو مذهب داود: أن من استفاد نصابا فعليه أن يزكيه في الحال (الروض النضير: 2 /411، ونيل الأوطار: 4 / 148).
وحُجَّتهم عموم النصوص الموجبة للزكاة مثل قوله عليه الصلاة والسلام: "في الرِّقَةِ (النقود الفضية) ربع العُشر" (متفق عليه).
فعلى هذا يكون الحَوْل عندهم ليس بشرط، وإنما هو مهلة بين الإخراجين ولا يشترط كمال النصاب إلا عند الإخراج وهو آخر الحَوْل، كما هو ظاهر أخذ النبي -صلى الله عليه وسلم- وسعاته للزكاة آخر الحول، غير باحثين عن حال المال أول الحول، من إسامة الماشية وغيرها، وكمال المال أو نقصانه (الروض النضير: 2 / 411).
__________________
اللهم علمنا ما ينفعنا - وإنفعنا بما علمتنا
اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا إتباعه - وأرنا الباطل باطلا وأرزقنا إجتنابه
اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك
اللهم إجعل عملنا خالصا لوجهك الكريم
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبة وسلم
رد مع اقتباس
 
 
  #70  
قديم 02-28-2011
الصورة الرمزية admin
admin admin غير متواجد حالياً
Administrator
 
تاريخ التسجيل: May 2009
المشاركات: 14,425
افتراضي اختلاف المذاهب الأربعة في المال المستفاد

اختلاف المذاهب الأربعة في المال المستفاد
وقد اختلف أئمة المذاهب الأربعة في المال المستفاد، اختلافًا متفاوتًا، ذكره ابن حزم في المحلى فقال: قال أبو حنيفة: لا يزكى المال المستفاد إلا إذا تم له حول في ملك مالكه إلا إذا كان إذا عنده مال من جنسه تجب فيه الزكاة في أول الحول، بأن بلغ نصابًا، فإنه إن اكتسب بعد ذلك -ولو قبل تمام الحول بساعة- شيئًا، قلَّ أو كثر، من جنس ما عنده، فإنه يزكى المكتسب مع الأصل، سواء عنده الذهب والفضة والماشية والأولاد (أي أولاد الماشية) وغيرها (المحلى لابن حزم: 6 / 84).
وقال مالك: لا يزكى المال المستفاد حتى يتم حَوْلاً، وسواء أكان عنده ما فيه الزكاة من جنسه أم لم يكن إلا الماشية، فإن من استفاد منها شيئا بغير ولادة منها، فإن كان الذي عنده منها نصابًا زكَّى الجميع عند إتمام الحول، وإن كان أقل من النصاب فلا زكاة عليه، وإن كانت الماشية المستفادة من ولادة زكى الجميع بحول الأمهات، سواء أكانت الأمهات نصابًا أم لم تكن (المحلى لابن حزم: 6 / 84).
وقال الشافعي: لا يزكى مال مستفاد إلا أن يحول عليه الحول، ولو كان عند الذي استفاده نصاب من جنسه، واستثنى من ذلك أولاد الماشية مع أمهاتها فقط إذا كانت الأمهات نصابا وإلا فلا (المحلى لابن حزم: 6 /84).
وقد عقب ابن حزم -على طريقته العنيفة المستنكرة- بأن هذه الأقوال كلها فاسدة، قال: ويكفى من فسادها ؛ أنها كلها مختلفة، وكلها دعاوى مجردة وتقاسيم فاسدة متناقضة، ولا دليل على صحة شئ منها لا من قرآن، ولا من سُنَّة صحيحة، ولا من رواية سقيمة، ولا من إجماع ولا من قياس، ولا من رأى له وجه (المحلى لابن حزم: 6 / 84) وقد تفادى ابن حزم هذه التقاسيم الفاسدة -على حد قوله- باشتراط الحول لكل مال، مستفاد أو غير مستفاد، حتى أولاد الماشية، مخالفًا بذلك صاحبه داود الظاهري، الذي خرج عن هذه التقاسيم بإيجابه الزكاة في كل مستفاد بلا اشتراط حول، ولم ينج هو نفسه مما عاب غيره به.
__________________
اللهم علمنا ما ينفعنا - وإنفعنا بما علمتنا
اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا إتباعه - وأرنا الباطل باطلا وأرزقنا إجتنابه
اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك
اللهم إجعل عملنا خالصا لوجهك الكريم
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبة وسلم
رد مع اقتباس
 
إضافة رد


ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا يمكنك اضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML متاحة

الانتقال السريع


جميع الأوقات بتوقيت GMT +3. الساعة الآن 04:01 PM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.2
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.