ضعف الأحاديث الواردة في الحول رُوى اشتراط الحول عن النبي -صلى الله عليه وسلم- من حديث أربعة من الصحابة هم على وابن عمر وأنس وعائشة رضى الله عنهم، ولكن هذه الأحاديث كلها ضعيفة لا تصلح للحُجَّة.
حديث علي
أما حديث علي فَرَواه أبو داود في باب زكاة السائمة، قال: حدثنا سليمان ابن داود المهري، أخبرنا ابن وهب، أخبرني جرير بن حازم وسمى آخر، عن أبى إسحاق عن عاصم بن ضمرة، والحارث الأعور، عن على رضى الله عنه، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "فإذا كانت لك مائتا درهم وحال عليها الحول ففيها خمسة دراهم، وليس عليك شئ -يعنى في الذهب - حتى يكون لك عشرون دينارًا، فإذا كان لك عشرون دينارًا وحال عليها الحَوْل ففيها نصف دينار فما زاد فبحساب ذلك، قال: فلا أدرى: أعلىٌّ يقول: "فبحساب ذلك" أو يرفعه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -؟ وليس في مال زكاة حتى يحول عليه الحول، إلا أن جريرًا قال: ابن وهب يزيد في الحديث عن النبي -صلى الله عليه وسلم -: "وليس في مال زكاة حتى يحول عليه الحول".
هذا هو حديث علي -كما رواه أبو داود- فما قيمته عند نقاد الحديث؟
( أ ) قال ابن حزم وتبعه عبد الحق في "أحكامه": هذا حديث رواه ابن وهب عن جرير بن حازم عن أبى إسحاق عن عاصم والحارث عن على، فقرن أبو إسحاق فيه بين عاصم والحارث، والحارث كذاب، وكثير من الشيوخ يجوز عليه مثل هذا، وهو أن الحارث أسنده وعاصم لم يسنده (يعني إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-) فجمعهما جرير وأدخل حديث أجدهما في الآخر، وقد رواه شعبة وسفيان ومعمر عن أبى إسحاق عن عاصم عن على موقوفا عليه، وكذا كل ثقة رواه عاصم إنما وقفه على على، فلو أن جريرا أسنده عن عاصم وبين ذلك أخذنا به (انظر المحلى: 6/3، ونصب الراية: 2/328 - 329).
(ب) قال الحافظ في التلخيص (صفحة 182 - طبع الهند) معقبًا على قول ابن حزم: قد رواه الترمذي من حديث أبى عوانة عن أبى إسحاق عن عاصم عن على مرفوعًا (أ.هـ).
أقول: حديث أبى عوانة لم يذكر فيه الحول، فلا حجة فيه، ولفظه كما في الترمذي: "باب ما جاء في زكاة الذهب والورق" قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم -: "قد عفوت عن صدقة الخيل والرقيق فهاتوا صدقة الرقة، من كل أربعين درهما درهم، وليس في تسعين ومائة شيء، فإذا بلغت مائتين ففيها خمسة دراهم" (سنن الترمذي: كتاب الزكاة، باب "ما جاء في زكاة الذهب والورق").
( ج ) وهذا كله على القول بأن عاصمًا ثقة، ولكنه لم يسلم من جرح، فقد قال المنذري في مختصره (مختصر السنن: 2/191) والحارث وعاصم ليسا بحجة، وقال الذهبي في الميزان: أخرج له الأربعة .. وثَّقه ابن معين وابن المديني . وقال أحمد: هو أعلى من الحارث الأعور، وهو عندي حجة . وقال النسائي: ليس به بأس . وأما ابن عدى فقال: ينفرد عن على بأحاديث، والبلية منه . وقال ابن حبان: كان رديء الحفظ، فاحش الخطأ، يرفع عن على قوله كثيرًا، فاستحق الترك، على أنه أحسن حالا من الحارث (ميزان الاعتدال: 2/352-353 ترجمة رقم 4052 ) وهذا يؤيد قول المنذر: إنه ليس بحجة.
ومع هذا فالحديث معلول كما نبه عليه الحافظ في التلخيص (صفحة 182) حيث قال: "تنبيه الحديث الذي أوردناه من أبى داود معلول"، ثم ساق إسناده، وقال: "ونبه ابن المواق على علة خفية فيه وهى أن جرير بن حازم لم يسمعه من أبى إسحاق، فقد رواه حفاظ أصحاب ابن وهب: سحنون وحرملة ويونس وبحر بن نصر وغيرهم عن ابن وهب، عن جرير ابن حازم والحارث بن نبهان عن الحسن بن عمارة عن أبى إسحاق، فذكره . قال ابن المواق: الحمل فيه على سليمان شيخ أبى داود فإنه وهم في إسقاط رجل" أ.هـ.
والحسن بن عمارة الذي سقط من السند متروك باتفاق (انظر ترجمته في الميزان برقم (1918): 1/513-515).
وبهذا نعلم أن الحديث لا يصلح للاحتجاج به، وأن سكوت الحافظ على إعلال ابن المواق له بل تصريحه بالتنبيه على أنه معلول - يُعَد عدولاً عن قوله قبل ذلك في التلخيص نفسه (التلخيص ص 175) حديث على لا بأس بإسناده، والآثار فقد تبين لنا أن في الحديث جملة آفات: من قبل الحارث المتهم بالكذب الذي انفرد برفعه، ومن قبل عاصم الذي اختلف في توثيقه، ومن قبل العلة التي ذكرها ابن المواق وأقرها الحافظ.
وفي ظني -والله أعلم- أن الذين حسَّنوا الحديث، لو اطلعوا على العلة التي نبه عليها ابن المواق وذكرها الحافظ في التلخيص، لرجعوا عن قولهم، فهي علة قادحة، ويجزم بصحتها من له اطلاع على علوم الحديث إذا أوتي ملكة النقد.
حديث ابن عمر
وأما حديث ابن عمر، فقال الحافظ: رواه الدارقطني والبيهقي، وفيه إسماعيل بن عياش وحديثه عن غير أهل الشام ضعيف، وقد رواه ابن نمير ومعتمر وغيرهما عن شيخه فيه، وهو عبيد الله بن عمر الراوي له عن نافع، فوقفه، وصحح الدارقطني في "العلل" الموقوف (المرجع نفسه).
حديث أنس
وأما حديث أنس فرواه الدارقطني، وفيه حسان بن سياه، وهو ضعيف، وقد تفرد به عن ثابت -كما في التلخيص (ص 175)- قال ابن حبان في كتاب "الضعفاء": هو منكر الحديث جدًا، لا يجوز الاحتجاج به إذا انفرد (نصب الراية: 2/330).
حديث عائشة
وأما حديث عائشة فرواه ابن ماجه والدارقطني والبيهقي والعقيلي في الضعفاء، وفيه حارثة ابن أبى الرجال، وهو ضعيف (التلخيص ص 175).
قال ابن القيم في تهذيب سنن أبى داود (الجزء الثاني صفحة 189) وقد روى حديث: "ليس في مال زكاة حتى يحول عليه الحَوْل" من حديث عائشة بإسناد صحيح ؛ قال محمد بن عبيد اللَّه بن المنادى: "حدثنا أبو زيد (كذا ) شجاع بن الوليد، حدثنا حارثة بن محمد عن عمرة، عن عائشة قالت: سمعت رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحَوْل" (رواه أبو الحسين بن بشران عن عثمان بن السماك عن ابن المنادى) أهـ.
قلت: عجيب من ابن القيم أن يصحح هذا الحديث بهذا الإسناد، مع أننا إذا غضضنا الطرف عن شجاع بن الوليد أبى بدر (وهذه كنيته كما في الميزان: ج2 ص 264) وقد قال فيه أبو حاتم: "لين الحديث، شيخ، ليس بالمتين، لا يُحتج به، إلا أنه عنده عن محمد بن عمرو أحاديث صحاح" - فكيف نتجاهل شيخه حارثة بن محمد، وهو عينه حارثة بن أبى الرجال، الراوي عن عمرة، والذي ضعف الدارقطني والعقيلي وغيرهما الحديث من قِبَله، وقد قال الذهبي في ترجمته: ضعَّفه أحمد وابن معين، وقال النسائي: متروك، وقال البخاري:منكر الحديث، لم يعتد به أحد.
وعن ابن المديني قال: لم يزل أصحابنا يضعفونه.
وقال ابن عدي: عامة ما يرويه منكر أ.هـ (الميزان: 1/445 - 446 ترجمته رقم 1659).
ومعنى هذا أنه مُجْمَع على ضعفه وإطراحه، فكيف يصحح حديث ينفرد بروايته؟ ولعل ذكر أبيه باسمه -محمد- دون كنيته التي اشتهر بها -أبى الرجال- هو الذي سبب هذا الوهم، وسبحان من لا يضل ولا ينسى.
هذا ما جاء من الأحاديث في اشتراط الحول في أي مال، بصرف النظر عن كونه مستفادًا أو غير مستفاد.