إيجار ليموزين في مطار القاهرة  آخر رد: الياسمينا    <::>    ليموزين المطار في مصر الرفاهية والراحة في خدمة المسافرين  آخر رد: الياسمينا    <::>    حفل تكريم أوائل الثانوية العامة للعام الدراسي 2023.  آخر رد: الياسمينا    <::>    دورة البادل، كانت فكرة وبالجهد نجحت  آخر رد: الياسمينا    <::>    لاونج بموقع مميز ودخل ممتاز للتقبيل في جدة حي الخالدية  آخر رد: الياسمينا    <::>    تورست لايجار السيارات والليموزين في مصر  آخر رد: الياسمينا    <::>    كود خصم تويو 90% خصم 2024  آخر رد: الياسمينا    <::>    كود خصم تويو 90% خصم 2024  آخر رد: الياسمينا    <::>    المحامية رباب المعبي تحاضر عن مكافحة غسل الأموال وتمويل الإر...  آخر رد: الياسمينا    <::>    مساعدة عائلة محاصرة في قطاع غزة يواجهون مخاطر الموت  آخر رد: الياسمينا    <::>   
 
العودة   منتدى المسجد الأقصى المبارك > مكتبة الأقصى الخثنية > منتدى الدراسات والأبحاث والإصدارات

 
إضافة رد
 
أدوات الموضوع ابحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
 
  #1  
قديم 02-18-2012
نائل أبو محمد نائل أبو محمد غير متواجد حالياً
عضو بناء
 
تاريخ التسجيل: May 2009
المشاركات: 6,651
افتراضي بعض جوانب التاريخ الاجتماعي للقدس في العهدين الأيوبي والمملوكي د. علي السيد علي محمود

السبت 26 ربيع الأول 1433

وثائق الحرم القدسي الشريف مصدر لدراسة بعض جوانب التاريخ الاجتماعي للقدس في العهدين الأيوبي والمملوكي
د. علي السيد علي محمود
المصدر: مجلة الدرعية السنة الثانية - العددان 6، 7 ربيع الآخر- رجب 1420هـ أغسطس- نوفمبر 1999م

تاريخ الإضافة: 25/1/2011 ميلادي - 19/2/1432 هجري
زيارة: 2629


رابط الموضوع: http://www.alukah.net/Culture/1007/29254/#ixzz1mYUqMpbL
رد مع اقتباس
 
 
  #2  
قديم 02-18-2012
نائل أبو محمد نائل أبو محمد غير متواجد حالياً
عضو بناء
 
تاريخ التسجيل: May 2009
المشاركات: 6,651
افتراضي رد: بعض جوانب التاريخ الاجتماعي للقدس في العهدين الأيوبي والمملوكي د. علي السيد علي محمود

السبت 26 ربيع الأول 1433
وثائق الحرم القدسي الشريف
مصدر لدراسة بعض جوانب التاريخ الاجتماعي للقدس في العهدين الأيوبي والمملوكي

ملخص البحث:
• مكانة المرأة وتمتعها بحقوقها الدينية والمدنية.
• الخِلافات الزوجيَّة وكيفية معالجتها.
• نفقة المرأة كحاضنة أو مرضعة.
• ألْقاب النِّساء.
• ملابسهنَّ وزينتهنَّ.
• دَوْر المرأة في الإنتاج وتصريفه.
• بَعض الحِرَف النسائية.
• وَلَع أهل القُدس باقتناء الجواري، وأثرهنَّ في الحياة الاجتماعيَّة.
• عقود الزواج، وما كان يُسجَّل بها من مؤخَّر الصَّداق، وحالات الزواج، والطلاق السابقة، وحتى اللاحقة.
• بعض عادات السُّكَّان، والأثاث المنزلي.
• القدس لم تعرفِ التعصُّب في تاريخها الإسلامي.
• خضوع أهل القدس بجميع طوائفهم الدينيَّة لديوان المواريث الحشرية.
• استعانة أهل الذِّمَّة بعلماء المسلمين لحلِّ مشكلاتهم.
• التكافل الاجتماعي، ودَوْر الأوقاف في الرِّعاية الاجتماعيَّة.
• معالجة كثيرٍ من الأمراض المنتشرة.
• أصول سُكَّان القدس في ذلك العصر.


رابط الموضوع: http://www.alukah.net/Culture/1007/29254/#ixzz1mYW3EeQJ
رد مع اقتباس
 
 
  #3  
قديم 02-18-2012
نائل أبو محمد نائل أبو محمد غير متواجد حالياً
عضو بناء
 
تاريخ التسجيل: May 2009
المشاركات: 6,651
افتراضي رد: بعض جوانب التاريخ الاجتماعي للقدس في العهدين الأيوبي والمملوكي د. علي السيد علي محمود

السبت 26 ربيع الأول 1433
مقدمة:
إنَّ الأمم المتقدِّمة هي أكثرُ الأمم محافظةً على آثارها؛ لأنَّ آثار أيِّ أمَّة هي جزءٌ أصيل من تراثها العام، ينقله الخَلَف عن السلف، وتتوارثه الأجيال المتعاقِبة، شاهدًا على ما حققتْه الأمَّة في ماضيها، وعبرة يَستمدُّ منها الباحثون عناصرَ الحياة، والأصالة والنماء، كما أنَّ الاطلاع على الوثائق يُضيف إضافاتٍ متميِّزةً للمهتمِّين بالتاريخ الاجتماعي بوجه خاص، وفي مختلف فروع المعرفة التاريخيَّة بوجه عام؛ خصوصًا إذا كانت هذه الوثائق - وكما هو الحال في وثائق الحرم القُدسي الشريف - تتصل اتصالاً مباشرًا بحياة السُّوقة من الناس، ونَمَطِ معيشتهم.

أمَّا عن هذه المجموعة مِن الوثائق، فإنَّه يرجع الفَضْلُ في الكشف عنها إلى نائبة مدير المتحف الإسلامي الكائن في الجِهة الجنوبية الغربية من ساحة الحَرَم القدسي الشريف، الأستاذة أمل أبو الحاج، عندما نجحتْ في فتْح أحد أدراج إحدى الخزائن لتجدَ فيه أكثر من 354 ورقة محشورة بداخله، في التاسعَ عشرَ من أغسطس 1974م، وبعدَ سنتين؛ أي: في عام 1976م فتحتْ دُرجًا آخرَ ليصل عدد الأوراق إلى 883 ورقة، مُدوَّن عليها ما بين 1300 و1500وثيقة، تم تصويرها على ميكروفيلم بوساطة معهد (ماكجل) بكندا.

هذه الوثائق تُغطِّي فترةً زمنية تمتدُّ إلى 250 سنة من سنة 604هـ / 1204م، وهو تاريخ أقدمِها إلى سنة 866هـ / 1467م، وهو تاريخ أحدثها[1].

وغنيٌّ عن البيان: أنَّ الأدب التاريخي المكتوب في عصر سلاطين المماليك (648 - 923هـ / 1250 - 1517م) عن القُدس إنَّما يتركَّز في كتاب "الأنس الجليل"؛ لمجير الدين الحنبلي، وبعض كُتُب الفضائل التي لم تكن كُتبًا تاريخيَّة بالدَّرَجة الأولى، وإنما هي كتب دينيَّة.

وما خلا ذلك لا نجد سوى موادَّ مأخوذة عن هذه الفترة من تاريخ القُدس في كتب ابن فضل الله العمري، وكُتب المقريزي، وابن تغري بردي، وقليل من الكتب الأُخرى، وبعض كُتُب التراجم[2].


رابط الموضوع: http://www.alukah.net/Culture/1007/29254/#ixzz1mYWL21Y9
رد مع اقتباس
 
 
  #4  
قديم 02-18-2012
نائل أبو محمد نائل أبو محمد غير متواجد حالياً
عضو بناء
 
تاريخ التسجيل: May 2009
المشاركات: 6,651
افتراضي رد: بعض جوانب التاريخ الاجتماعي للقدس في العهدين الأيوبي والمملوكي د. علي السيد علي محمود

السبت 26 ربيع الأول 1433
وعلى هذا الأساس: فإنَّ مجموعة الوثائق هذه جاءتْ؛ لتسدَّ فراغًا ملموسًا وحقيقيًّا في تاريخ القُدس في العصر المملوكي، وهي حِقبة لم يرِدْ لنا من وثائقها المقدسيَّة إلا القليل، فوثائق دير (الفرنسيسكان) تتصل بتاريخ علاقة الدولة بالمسيحيِّين اللاتين، وهي وثائق محدودة الموضوعات، وقليلة العدد؛ لأنَّ سِجلاَّت محكمة القدس الشرعيَّة تبدأ سنة 936هـ / 1536م؛ أي: بعد ثلاثَ عشرةَ سَنةً من قيام الدولة العثمانيَّة، وسبعين سَنَةً من تاريخ آخر الوثائق المملوكية الموجودة في مجموعة الحَرَم القدسي، وهي بهذا لا تُصوِّر لنا الحياةَ العامة في عصر المماليك، وكذلك الحال بالنسبة للسجلاَّت العثمانية الموجودة في إستانبول[3].

ومِن هنا تتضح أهميَّةُ هذه المجموعة من الوثائق، والباحث في هذه الوثائق يجد كَنْزًا من المعلومات لا تُقدَّر بثمن؛ فهي أول مجموعة من الوثائق تتعلَّق بشؤون سكَّان المدينة المقدَّسة من مسلمين بوجه خاص، ويهود ومسيحيِّين بوجه عام.

• وبها موضوعات متنوِّعة، فهي تضمُّ من المراسيم السلطانية 8 مراسيم، ومراسيم لأمراء المماليك 10 مراسيم، وقصص (شكاوى) 47 شكوى، وقوائم تَِركَات، وحصر مخلَّفات مَرْضى في مَرض الموت 378 وثيقة، وأوراق حسابات 124 وثيقة، ومن الإقرارات والإشهادات 147 وثيقة، وشهادات في المحاكم 15 وثيقة، ومحاضر جلسات، وعقود شِراء، وعقود إيجار 49 وثيقة، وعِدَّة وثائق تتعلق بالأوقاف.

• ومِن عقود الزواج 9 عقود، والوكالات 4 وثائق، ومن الوصايا 12 وثيقة، ومِن الفتاوى 4 وثائق، و16 وثيقة متنوِّعة، إضافة إلى 27 وثيقة باللغة الفارسيَّة لم تُكتب في القدس، وليس لها علاقة بها[4].


رابط الموضوع: http://www.alukah.net/Culture/1007/29254/#ixzz1mYWUQbKK
رد مع اقتباس
 
 
  #5  
قديم 02-18-2012
نائل أبو محمد نائل أبو محمد غير متواجد حالياً
عضو بناء
 
تاريخ التسجيل: May 2009
المشاركات: 6,651
افتراضي رد: بعض جوانب التاريخ الاجتماعي للقدس في العهدين الأيوبي والمملوكي د. علي السيد علي محمود

السبت 26 ربيع الأول 1433

وهي وثائقُ أصلية، كثيرٌ منها مكتوبٌ باللغة العربية الفُصحى، وبعضها كُتِبَ باللهجة العامية التي كانتْ دارجةً في ذلك الوقت، كما أنها مكتوبة على ورق مستطيل ذي شكل عادي؛ أي: ليستْ لفائف الورق الطويلة التي تمتدُّ إلى عِدَّة أمتار.

• فيها كثيرٌ من المعلومات الاقتصاديَّة، وقضايا الرَّهْن، والوكالات، وأنواع المعاملات، وعقود البيع والشراء والإيجارات، وأثمان البضائع وأجور العُمَّال، وحركة التجارة، والصناعات اليدويَّة، وأسعار الأراضي والدُّور، وأنواع الحِرَف، والصادرات، والواردات، كما تعطينا معلوماتٍ عن مختلف المؤسَّسات الاقتصادية وعملها[5].

• وإنها تمدُّنا بكثير من المعلومات عن شؤون الإدارة والحُكْم، وأجهزة الحُكْم في القُدس، وطريقة عملها في المجالات المختلِفة، سواء كان فيما يتعلَّق بتعيين الموظَّفين ومُرتَّباتهم، أو الضرائب والرسوم.

• وقضايا الأمْن العام، وأملاك بيت المال، ودواوين الدولة المختلِفة، زيادةً على أنَّ بها بعضَ الوثائق التي حسمتْ إحدى القضايا المهمَّة، ومتى تحوَّلت القدس من مجرَّد ولاية تابعة لنيابة السَّلْطنة في دمشق إلى نيابة مستقلَّة، لها نائب تَمَّ توليته من قِبَل السلطان المملوكي في مصر، كما أنَّ بها معلوماتٍ عن إجراءات المحاكم واختصاصات القُضاة، وكيفيَّة تطبيق الشريعة الإسلاميَّة، زيادةً على أَنَّها أثبتتْ بالدليل القاطع أنَّ أبناء أهل الذِّمَّة من يهود ومسيحيين قد خضعوا لأحكام الشريعة الإسلاميَّة فيما يتعلَّق بالميراث بوجه خاص، وفي الأمور التي تتعلَّق بالصالِح العام لسكَّان المدينة المقدَّسة بوجه عام[6].

• وفيها معلوماتٌ عن المؤسَّسات الثقافيَّة من مساجدَ ومدارس، وخوانقَ وزوايا، ومكاتب ورباطات، وطريقة إدارتها، وتعيين العاملين عليها.

• كما يمكن الوقوف منها على معلومات كثيرة عن العلماء، والتدريس، والثقافة السائدة في المجتمع، والكتب المتداولة والمكتبات.

• وهناك بالطبع وثائقُ عديدةٌ تُعطينا معلوماتٍ عن طبوغرافية القدس، وأحيائها وطُرقها ودُورها، وحتى الوصفات الطِّبيَّة، والأمراض التي كانت منتشرةً بكثرة، كان لها مكان في الوثائق[7].

• وعلى صعيدِ المعلومات الاجتماعيَّة، فإنَّ هناك العديدَ من الوثائق التي تُلْقي أضواءً جديدةً تمامًا على مكانة المرأة المقدسيَّة، ومدى تمتُّعها بحقوقها الدِّينية والمدنية، وخصوصية ذِمَّتها المالية الخاصَّة بها، والمنفصلة عن أبيها أو زوجها تمامَ الانفصال، والخِلافات الزوجيَّة، وكيفية عِلاجها وفضِّها، ونفقتها حاضنةً أو مرضعة، وألْقاب النساء، وعمل المرأة، وجَعْل المرأة وَصِيةً على أولادها القُصَّر، وملابس النِّساء وأدوات زينتهنَّ، ومدى وَلَعِ أهل القدس باقتناء العبيد والجواري، وأسماء هؤلاء الجواري، وأصولهنَّ، وأسعارهنَّ، ودَورهُنَّ في الحياة الاجتماعية، وعقود الزواج، وما كان يُسجَّل بها من مؤخَّر صَدَاق، وحالات الزواج والطلاق السابقة، وحتى اللاحقة، وكذلك أصول سُكَّان القدس في تلك الحقبة الزمنية، وبعض عادات سكَّان المدينة في بناء منازلهم، ووصفها بعض دُور القدس، والأثاث المنزلي، والتخطيط العمراني للمدينة، وبعض معالمها الجغرافيَّة، ومع وجود حارات أو أحياء للمسلمين، أو لليهود أو للمسيحيين، فإنها لم تكن قاصرةً على سكناهم وحدَهم فيها، ومشاركة الجميع في نواحي النشاط الاجتماعي في المدينة.

كما أنَّ بها الكثيرَ والكثيرَ عن الرِّعاية الاجتماعيَّة وموسَّساتها، وما لعبتْه الأوقاف من دَورٍ مُهمٍّ في أداء مهامِّها، وهو ما سوف يتضح لنا من استعراضنا لبعض هذه الوثائق.

وينبغي الإشارة إلى أنَّ العدد الإجمالي لهذه الوثائق مُصَوَّر على (ميكروفيلم) توجد منه نسخةٌ في المتحف الإسلامي في القدس، ونسخة أخرى لَدَى مكتبة الجامعة الأردنيَّة، ونسخةٌ ثالثة لدى معهد الدراسات الإسلاميَّة بجامعة (ماكجل) بكندا.


رابط الموضوع: http://www.alukah.net/Culture/1007/29254/#ixzz1mYWnDeAI
رد مع اقتباس
 
 
  #6  
قديم 02-18-2012
نائل أبو محمد نائل أبو محمد غير متواجد حالياً
عضو بناء
 
تاريخ التسجيل: May 2009
المشاركات: 6,651
افتراضي رد: بعض جوانب التاريخ الاجتماعي للقدس في العهدين الأيوبي والمملوكي د. علي السيد علي محمود

السبت 26 ربيع الأول 1433

المرأة ومكانتها في المجتمع:
أمَّا عن مكانة المرأة المقدسيَّة، فالمصادر التاريخية وكُتب الرَّحَّالة الذين زاروا القدس في ذلك العصر، بل وحتى المصادر الوثائقيَّة كلُّها تشير إلى أنَّ المرأة تمتَّعت بقسط كبير من التقدير والتكريم.

وخيرُ شاهد على ذلك تلك الألْقاب التي أطْلَقَها الناس على نسائهم وبناتهم، مثل: (الأصيلة)، و(ست الخلق)، و(ست الحكَّام)، و(ست الناس)، و(ست القضاة)، و(ست الكل)، و(ست الأهل)، و(ست النظر)، و(شمس الضحى)، و(شمسية)، و(علماء)، و(تاج النساء)، و(عصمة الدين)، و(الزهراء)، و(اللطيفة)، و(سعود).

وكذلك الكُنَى، مثل: (أم الحسن)، و(أم الخيرات والبركات)، و(أم كلثوم)، وغيرها من الألْقاب والكُنَى المقدَّسة لدى جميع أبناء الديانات السماوية الثلاث[8].

ومن التقدير: إذا خرجتْ إحدى النِّساء إلى الطريق وكان زوجها مقتدرًا، يحضر لها حِمارًا يقوده مكاري، ويتبعها خادم.

يُضاف إلى هذا كثرة ما تُطالعنا به المصادرُ التاريخيَّة، وكُتب التراجم من أوصافٍ لبعض النساء؛ لأنَّ الواحدة منهن (كانتْ من النساء العفائف، وذات معروف، وصَدَقة وصلاح)، أو أنها (كان دَيِّنة عفيفة، بارَّة، كثيرةَ الأوقاف على الخير)، أو أنها (كانتْ على كثير من الدماثة والاحتشام)، أو أنها ذات (السِّتْر الرفيع)، أو (الحِجاب المنيع)[9].

وإذا ألْقينا نظرةً على ما جاء في بعض كتب الرَّحَّالة الذين زاروا القدس في ذلك العصر، أمكْنَنا أن نستشفَّ بعض الجوانب المضيئة من مكانة المرأة.

فها هو أحد الرَّحَّالة يقول: إنَّ الإجلال الواضح كان لكلِّ النساء المسلمات، أو المسيحيَّات، أو اليهوديَّات، فكنَّ يتنقلنَ من مكان لآخر في كلِّ أحياء القدس دون حارس، ودون أن يتعرَّض لهنَّ أحد بكلمة سُوء، سواء أكان كبيرًا أم صغيرًا.

وإذا حدث والْتَقتْ واحدة منهنَّ في الطريق رجلاً لا تعرفه، فإنَّها تميل عنه ببصرها، كما أنَّها عادةً ما تسير وهي تضع على وجْهِها الخمار، بحيث لا يمكن التعرُّف عليها، وغالبًا ما تسير محتشمة، ولم تحاول إبرازَ مفاتنها وجمالها؛ لكيلاَ تلفتَ الأنظار إليها[10].

• وانظر معي إلى قول رحَّالة آخر عاش فترةً كبيرة في بيت المقدس، وهو الأب (سوريانو) حين يقول: يجب أن تعلمَ أنَّ المرأة هنا تَلْقى كثيرًا من التقدير والإكرام من قِبَل الرجل، وأنَّ على الرجل أن يُقدِّم لها كثيرًا من الأموال نظيرَ تكاليف الحياة؛ لأنَّ المرأة كانت هي رَبَّة الأُسْرة، التي تتولى توجيهَ الأموال لشراء ما يلزم منزلَها وأولادَها وزوجَها.

ثم نراه يقول: "وكذلك كان على الرجل أنْ يمنحَها الكثيرَ من النقود سنويًّا لشراء ما يلزمها من ملابسَ وأحذية، وكذلك الحال عندما تلد طفلاً جديدًا[11].

• أما الرحَّالة (فيلكس فابري) الذي زار القدس مرتَيْن سَنَة 1480م، وسنة 1483م، وفي زيارته الثانية أمْضَى فترةً طويلة هناك، نراه يقول: "إنهنَّ من حيث زينتهنَّ وملابسهنَّ، واتخاذهنَّ الحجاب، وشكلهنَّ الخارجي كُنَّ وقوراتٍ، ولا يمكن مقارنتهنَّ بنساء الغَرْب الأوربي يومئذ، ما جعلهن يَحْظَيْنَ بمكانة لائقة في المجتمع[12].

• ويؤكِّد الرحالة (كازولا) - أيضًا - ذلك الاحتشام، وأنَّ المرأة المقدسية لم تحاول إبرازَ جمالها ومفاتنها؛ كيلاَ تلفت الأنظار إليها بقوله: "وفي بيت المقدس لم أستطعْ أن أرى امرأةً جميلة؛ لأنهنَّ يمشينَ ووجوهنَّ مغطاة بحِجاب سميك، ويرتدين فوقَ رؤوسهنَّ شيئًا يشبه الصندوق - يقصد بذلك القُبَّعة التي كُنَّ يَقمنَ بصنعها يَدويًّا؛ لتغطيَ الرأس، ويتدلَّى منها عصابتان من القماش الأبيض الطويل اللَّتان تتدلَّيَان لأسفل - علمًا بأنَّ المرأة المقدسيَّة لم تهملِ العنايةَ بنفسها وجسدها؛ نظرًا لما عُرِف في ذلك العصر من أنواع الزِّينة المختلفة، من طلاء الأظافر، والوشم الذي اعتادتْ كثيرٌ من النِّساء أن يُزَيِّنَّ به أجزاءً مختلفة من أجسامهنَّ، وهذه الظاهرة واضحة بصِفة خاصة لدى المرأة المسيحية، التي كانتْ تخرج إلى الكنيسة في أبْهى زينتها، ولعلَّ هذا ما دَفَع كثيرًا من رجال الدين المسيحيِّين إلى محاربة ذلك عن طريق عَقْد المجامع الدينية؛ لإثارة هذه المشكلة[13].

وتشير الوثائق إلى الحِرْص الشديد من الرجال عندما يشعرون بمرض قد يخشى منه الموت على أن يتركوا لنسائهم وبناتهم، وأمَّهاتهم وأخواتهم ما يَضْمنون لهنَّ به حياةً كريمة، خصوصًا إذا كان الزوج لم ينجب من زوجته، أو يكون بلا وريث من الأبناء، وإذا لم تستغرقِ الورثة الإرث كله، فإنَّ بيت المال والمتمثِّل في ديوان المواريث الحشرية، فإنَّه سيحصل على نصيبٍ أكبرَ من التركة، فكان الرجل منهم إما أن يعمل حصرًا بموجوداته قبلَ الوفاة على يد أحد قُضاة الشَّرْع والشهود، ويثبت أنَ تَرِكته مَدِينة لزوجته، وأنَّ لها في ذمَّته مبلغ كذا، كمؤخَّر صداق، أو أن يقوم ببيع كلِّ ممتلكاته لها، أو وقفها عليها، أو على أخته أو أمه، أو ابنته أو جاريته، ولم يكن هذا التصرُّف قاصرًا على المسلمين وحدَهم، بل شاركهم فيه أبناءُ أهل الذِّمَّة من مسيحيِّين ويهود في ذلك العصر.

• ففي الوثيقة رقم 220 المؤرخة في 18 شعبان سنة 745هـ: أقرَّ الزوج أنَّ كلَّ ما ذكره في الوثيقة مِن قماش وأثاث ونُحاس، وبُسُط وفُرُش مِلْكٌ لزوجته، كما أقرَّ أنَّ لزوجته في ذمته صَداقَها، وقدرُه مائتا درهم.

وبذا فإنَّه حَرَم ابن أخيه من الإرث؛ لأنَّه تمَّ تقدير هذه التَّرِكة بمبلغ مائة وستين درهمًا، وبهذا تكون التَّرِكة كلُّها مدينةً لزوجته[14].

• ونفس الشيء نراه في الوثيقة رقم 205 والمؤرخَّة بتاريخ العشر الأوسط من جمادى الآخرة سنة 781هـ، فقد جاء فيها: أنَّ مؤخَّر صَدَاق زوجة الشخص المذكور (من الدراهم الفضة معاملة يومئذ ثلثمائة درهم وستين درهمًا، نصفها مائة درهم وثمانون درهمًا، وذلك صَدَاق الزوجة دَيْنًا على موسى المذكور)، وتمَّ بيْع تَرِكته بمبلغ 262 درهمًا، فإذا حَسَبْنا تكاليف تكفينه ودفنه، تكون التركة مدينةً بمبلغ كبير للزوجة[15].

ومِن الأضواء الجديدة التي تُلقيها الوثائق ما يُفيد أنه كان للمرأة المقدسيَّة ذِمَّتُها المالية المنفصلة تمامًا عن ذمَّة أبيها أو زوجها، لا شأنَ للزوج أو لغيره بمالها، بل تتصرَّف فيه كالرجل تمامًا، فتبيع وتشتري وتَهَب وتُوصي، وتتبرَّع وتَرْهَن، وتُؤجِّر وتَسْتأجِر، إلى غير ذلك من التصرُّفات، وليس لأحد أن يمنعها من ذلك.

فالوثيقة رقم 382 المؤرَّخة في 17 رجب سنة 740هـ تذكر أنَّ إحدى النساء تُدعَى الحاجة الجليلة شيرين بنت عبدالله زوج برهان الدين الناصري، قارئ الحديث الشريف، قد اشترتْ بمالها لنفسها دون غيرها من الحاجَّة المصونة بيرم بنت عبدالله، زوج الصدر الأجل زين الدين خضر الجارية التكرورية الجِنْس، بثمنٍ مبلغُه من الدراهم الفضة معاملة الشام المحروس أربعمائة درهم وثمانون درهمًا، نصفها مائتا درهم وأربعون درهمًا[16].

• وأثبتتِ الوثائق - أيضًا - أنه كان لها وحْدَها حقُّ التصرُّف في أموالها، إلا أنْ تُوكِّل وكيلاً عنها، وأنها متى وكَّلت عنها، فإنَّها تستطيع إلغاء هذه الوكالة إذا رأتْ في ذلك ما يتعارض مع مصالحها.

فالوثيقة رقم 710 المؤرخَّة في 6 رمضان سنة 795هـ تذكر أنَّ المرأة الكامل فاطمة بنت الشيخ الصالح برهان الدين إبراهيم بن جمال الدين عبدالله البعلبكي أشهدتْ على نفسها عندَ قاضي القدس: أنها عَزَلَتْ والدها الشيخ برهان الدين إبراهيم من الوكالة الصادرة منها له قبل تاريخه، وأنَّه ليس بوكيل لها في أمرٍ من الأمور لا مِن جهة إرث، ولا غيره، وأنها كما وكَّلتْه فهو معزول[17].

ومِن الأضواء الجديدة - أيضًا - حقُّ المرأة في التخلُّص من الزوجيَّة بطريق الخُلْع متى رأتِ استحالةَ الحياة مع زوجها، بأن تُعطيَ الزوج ما كانت أخذتْ منه باسم الزوجيَّة؛ لينهيَ علاقته بها، من مَهْر وتكاليف زواج وزفاف، ونفقة عليها.

وهو ما يُسمَّى كذلك بالفِداء؛ لأنَّ المرأة تفتدي نفسها بما تبذله لزوجها، والخُلْع عادةً ما يكون بتراضي الزوْجَين، فإن لم يتمَّ التراضي بينهما، فللقاضي إلْزامُ الزوج بالخُلْع.

وأهمية الخُلْع: أنه يجعل أمْرَ المرأة بيدها؛ أي: إنَّ الزوج لا يستطيع أن يرجعها إلى عصمته إلا برِضاها، سواء كانتْ في أيام العِدَّة، أم لم تكن، وبعَقْد جديد، واتفاق جديد[18].

فالوثيقة رقم 47 والمؤرخَّة في 6 ذي القعدة سنة 770هـ قد جاء فيها أنَّ الزوج يتزوَّج امرأتَه خديجة للمرة الثالثة، وأنها كانت قد اختلعتْ منه، ويتبيَّن من هامش الصفحة الأيمن للوثيقة أنَّ الزوج زاد قيمةَ الصداق مائتي دينار، فأصبح الصَّداق 300 دينار[19].

كذلك تُلقي بعضُ الوثائق الضوءَ على المحافظة على حقوقها، وخصوصًا عندما تقع بينها وبين زوجها بعضُ الخِلافات الزوجيَّة، التي قد تؤدِّي إلى الطلاق، وحقها في رفْع دعوى قضائية على الزوج؛ لمطالبته بما تستحقُّ مِن مُتعة بعد الطلاق.

فالوثيقة رقم 653 والمؤرخَّة في 15 ذي الحجَّة سنة 795هـ تُفيد مطالبةَ الزَّوجة بحقِّها هذا، وقد حَكَم لها قاضي القدس بمبلغ أقلَّ من نصف الصَّدَاق كما هو مُقتضى الشريعة[20].

كما تُشير بعضُ الوثائق إلى حقِّ الأمِّ في حَضانة أبنائها عندما يحدُث خلافٌ بيْنها وبيْن زوجها يؤدِّي إلى الطلاق، ما لم يقمْ بالأمِّ مانع، وكذلك حقها في الحصول على أُجْرة للرَّضَاع، وخصوصًا بعد انقضاء فترة العِدَّة؛ لأنَّها في فترة العِدَّة تكون لها نفقةٌ على مطلِّقها، وهي النفقة الزوجيَّة، وكما تجب أُجْرة الرَّضَاع وأُجْرة الحضانة لها على الأب، تجب عليه أُجْرةُ السَّكن أو إعداده، إذا لم يكن للأمِّ مسكن مملوك لها تحضن فيه الصغير.

وكذلك تجب عليه أُجْرة خادم، أو إحضاره إذا احتاجتْ إلى خادم، وكان الأب ميسورًا، وهذا بخلاف حقِّها في الحصول على نفقات الطفل الخاصَّة من طعام وكِساء، وفراش وعلاج، ونحو ذلك من حاجاته الأولية التي لا يُستغنى عنها، وتنتهي الحضانة إذا استغنى الصغير أو الصغيرة عن خِدمة النِّساء، وبَلَغ سِنَّ التمييز والاستقلال، وقَدَر الواحد منهما على أن يقومَ وحدَه بحاجاته الأوليَّة، بأن يأكل وحده، ويلبس وحدَه، وينظِّف نفسه وحدَه[21].

• فقد جاء في الوثيقة رقم 287 بتاريخ 12 صفر سنة 787هـ: أنَّ الزَّوْجة المطلَّقة (قبضتْ وتسلَّمت، وصار إليها مِن يدِ زوجها من الذهب الهرجة المصري المسكوك أربعون مثقالاً، نِصْف ذلك عشرون مثقالاً، وذلك مؤخَّر صَدَاقها على زوْجِها المسمَّى فيه قبضًا شرعيًّا، ولم يتأخَّرْ لها من ذلك شيء، قَلَّ ولا جَلَّ، وأقرَّتْ - أيضًا - أنها مواصلة بكسوتها ونفقتها من زَوْجها المسمَّى من تاريخ الزوجيَّة بينهما، وإلى يوم تاريخه...)[22].

• كما جاء في الوثيقة رقم 458 بتاريخ 18 ربيع الأول سنة 783هـ مقدار ما دَفَعَه أحدُ الصوفيَّة بالخانقاه الصلاحيَّة بالقدس لزوجته من نفقة لأولاده الرُّضَّع، فقد اتَّفق الطرفان - الزوج والزوجة - على أن يدفعَ الزوج لزوجته المطلَّقة منه مبلغًا وقدره (ثمانية وعشرون درهمًا من الدراهم الفضة الجيدة معاملة الشام المحروس، وذلك فرْض ولده الرضيع مِن عاشر المحرَّم، إلى سلخ تاريخه)؛ أي: لمدة شهرين وعشرة أيام، وذلك بواقع 12 درهمًا شهريًّا.

وكما يظهر في الوثيقة: أنَّ الزوج سلَّم هذه النفقة لأخي الزوجة؛ لكي يقوم بدوره بتسليمها لها[23].

ولم تكن هذه الحقوق لتسقطَ بموت الزوج مثلاً، إذ كان لدى القاضي الشافعي في القُدس الشريف صندوقٌ يُسمَّى (مودع الحكم العزيز الشافعي بالقدس الشريف)، يُودَع في عُهْدة القاضي؛ لحفظ أموال اليتامى والقُصَّر والغائبين، وأموال التَّرِكات - أيضًا[24].

كما كان لَدَى القاضي الشافعي موظَّف يُدْعى (أمين الحكم)، وهو المسؤول عن رعاية شؤون الأيْتَام لدَى القاضي، وكان يقوم بالإنفاق على الأيتام.

• فقد جاء في الوثيقة رقم 192 بتاريخ 5 محرم سنة 790هـ: أنَّ أمين الحكم كان يُسلِّم أُمَّ طفلين يتيمين (عن مدَّة فرْض ولديها محمد وعلي اللذين في حضانتها، عن مدة أربعة أشهر كوامل آخِر شهر صفر من سنة تاريخه مائةَ درهم وسبعين درهمًا، نصفها خمسة وثمانون درهمًا...)؛ أي: إنه صَرَف لها نفقة وَلدَيْها بواقع 5, 42 درهمًا شهريًّا، ومن الطبيعي أن تتفاوتَ هذه النفقة بتفاوت المستوى الاجتماعي[25].

• كما أنَّ الوثيقة رقم 183 بتاريخ 4 رمضان سنة 790هـ تفيد أنَّ هذه المرأة نفسَها قبضتْ من أمين الحُكم مبلغًا وقدرُه 120 درهمًا، وذلك فرْض ولديها محمد وعلي عن شهرين كاملين، آخرهما سلخ رمضان المعظَّم؛ أي: إنَّ ما يخصُّ كلَّ طفل في شهري شعبان ورمضان زاد وأصبح 30 درهمًا، بعد أن كان 25, 21 درهمًا، بما يفيد أنَّ أمين الحكم يوسِّع على اليتامى في شهور التوسعة بزيادة الحِصص المخصَّصة لهم من مودع الحُكم[26]، وكنوع من التخفيف عن الأُمِّ، فإنه كان يتمُّ صرْف هذه المستحقَّات مُقدَّمًا، ولمدة ثلاثة أشهر أو أربعة أشهر[27].

ومِن المعاصرين مَن عبَّر عن مقدار ما تمتعتْ به المرأة من مكانة بطريقة أخرى، ففي حديثه عن (الشوار)؛ أي: جهاز العروس، صوَّر لنا جهازَ المرأة بما يدلُّ على مكانتها.

فالوثيقة رقم 209 بتاريخ 1 شوال سنة 788هـ تُلْقي الضوء على اهتمام أهْل القدس بتجهيز بناتهم الجهاز (الشوار) اللائق بكلٍّ منهنَّ.

ومِن الطبيعي أن يختلفَ الجهازُ من شخص لآخرَ باختلاف المركز الاجتماعي والاقتصادي، فهذا أحَدُ السادة التجَّار بالقدس الشريف، وهو ناصر الدين محمد بن علاء الدين الحموي، أحَدُ أعيان التجار بالقدس الشريف، يُقِرُّ أنَّه (جهَّز ابنته الست المصونة فاطمة، زوج الفقير إلى الله - تعالى - كمال الدين أحمد بن المرحوم الشيخ الإمام القدوة سعد الدين محمد بن المرحوم الشيخ الصالح شمس الدين محمد، الموعاني الأصل، بما مبلغُه من الدِّراهم الفِضَّة الجارية في المعاملة الشامية عشرة آلاف درهم، نصفها خمسة آلاف، وأنَّ ذلك حوائج على عادة الجهاز.

كذلك تُشير هذه الوثيقة إلى أنَّ البحث عن الزَّوْج الثريِّ لم يكن هو ما يهمُّ أبناءَ الطبقات الثرية، ولكن الشخص العالِم الصالِح هو أهمُّ بكثير[28].

ومِنهم مَن عبَّر عن مكانتها كذلك بضرورة تمتُّعها بالحقوق التي تنظمها الولاية الخاصَّة، كالولاية على النَّفْس، والولاية على المال، وهي سلطة التصرُّف في المال، وخصوصًا على مال القاصِر؛ وذلك لأنَّ أُمَّ القاصر أشفقُ عليه، وأرفقُ به، ولديها من الغَيْرة عليه والعناية بأمره ما لا يتوافر على الوجه الأكْمل عندَ غيرها من ذوي الأرحام، ما دامتْ أهلاً للوصاية[29].

فالوثيقة رقم 613 المؤرخة في 19 ذي القعدة سنة 796هـ التي كتبها أحدُ تجَّار بيت المقدس وهو على فِراش الموت: "أسند وصيتَه إلى زوجتِه المرأة الكامل سراملك، عتاقته يومئذ، وبيده عشرةُ أولاد منها، وهم: أحمد المراهق، وفاطمة، وكلثوم، وزينب.... إسنادًا صحيحًا معتبرًا تتصرَّف لهم في مالهم المخلف لهم التصرُّف الشرعي..."[30].

كذلك جاء في الوثيقة رقم 298 والمؤرخَّة في 4 شوال سنة 795هـ أنَّ أحَدَ أبناء بيْت المقدس، ويُدْعى أبا بكر بن علي بن الأرز الرومي، قد أسْند وصيته على ابنتيه إلى زوجتِه خديجةَ بنت شهاب الدين أحمد، حسبَ الوصية الشرعية[31].

• كما تُشير بعض الوثائق إلى حقِّ المرأة في الشهادة في القضايا التي لم تَجْرِ العادة باطِّلاع الرِّجال على موضوعاتها، كالولادة، والبكارة، وعيوب النساء في المواضع الباطنة[32].

فقد جاء في الوثيقة رقم 288 بتاريخ 5 رجب سنة 796هـ: "حصل الوقوف على امرأة ميِّتة لا رُوحَ فيها، ذُكِرَ أنَّ اسمها فاطمة بنت علي بن داود الصلتية، وكشفتْ عنها المغسِّلة الحاجة زينة بنت إبراهيم بن جليل، فذكرتْ زينةُ أنَّ الميتة المذكورة لم يكن بها أثرُ ضَرْب ولا جرح، ولا كسر ولا رضٍّ، ولا أثر وقعة، وأنَّ الميِّتة التي ذُكِر أنها مطعونة ماتتْ بقضاء الله وقَدرِه المحتوم، ووضع مَن حضر خطه من العدول المندوبين من مجلس الحُكم العزيز الشافعي"[33].

ويتضح مِن كتابة هذه الوثيقة: أنَّه كان هناك اشتباهٌ حولَ ظروف موت المرأة المذكورة، وربما ادَّعى بعضُ الناس أنها ماتتْ مقتولة، ولذلك فقد انتدبَ القاضي شاهدَيْن من العدول؛ لسماع أقوال المغسِّلة التي غسلتْها، وقامتْ بالكشف عليها، وأثبتتْ أنه لا توجد أيَّة شُبْهة في موتها.

على أنَّه من المبالغة أن نُصوِّر المجتمع في بيت المقدس في عصر سلاطين المماليك، وقد قَدَّر المرأة على طول الخط، وأحلَّها المكانةَ اللائقة بها في المجتمع، على أساس أنها شريكةُ الرجل وساعِدُه الأيمن، فإذا رأيْنا بعض الإشارات تدلُّ على تقدير المعاصرين للمرأة، فإنَّ هناك بعضَ الإشارات والمراجع يُفهم منها أنَّ المرأة ظلَّتْ محلَّ الازدراء والاستخفاف.

من ذلك: ما كان يُخيِّم على المنزل من كآبة عندما يعلم الرجل بأنَّ زوجته قد رُزِقت طفلة، فلا يعطيها أحدٌ الاهتمامَ، حتى تَكْبَر وتوشك أن تتزوَّج، فمنذ الطفولة تبدو البنات وكأنهنَّ سيِّدات صغيرات، فملابسهنَّ تشبه تمامًا ملابسَ أمهاتهنَّ، ولكنهنَّ يختلفنْ من حيث الحجم، كما تقع عليهنَّ كلُّ أعباء الحياة العائلية، فبمجرَّد أن تصبح البنت قادرةً على المشي والجري، فعليها أن تتعلَّمَ إحضار الماء من البئر، وأن تخبزَ، إلى جانب القيام بكلِّ أعباء المنزل[34].

هذا زيادة على أنَّ نظرة الرجل لها كانتْ على أساس أنَّها خاضعةٌ له، ومعاونة له في عمله، فيتقدَّم عليها في المجالس، وكثيرًا ما يأكل الرجلُ وامرأتُه تخدُمه بتقديم الطعام له، ثم تأكل بعدَه! إلى جانب الأعباء الكثيرة التي تُلْقى على عاتقها داخلَ المنزل[35].

ومع هذا فيمكننا القول: إنَّ المرأة المقدسيَّة، وإن شاركتْ في كثير من مجالات الحياة، وكان لها دَورها البارِز في الحياة العلميَّة والدينيَّة، إلى جانب الحياة اليوميَّة - فإنها الشريكُ المغبون بالنِّسبة للرجل في ذلك العصر، ولكنَّها لم تقفْ مكتوفةَ الأيدي.

ودليلنا على هذا: ما جاء في الوثيقة رقم 278، وهي بلا تاريخ، وفيها استغاثة مِن امرأة تُدْعَى غالية بنت عثمان بن ثعيلب، تطلب من قاضي المدينة أن يُنصفَها من أخيها الذي طمع في ميراثها مِن والدها، ووضع يدَه عليه، واستبدَّ بكلِّ شيءٍ، من عقار وأرض، وزَرْع وضَرْع[36].

وممَّا لا شكَّ فيه أنَّ القاضي دَرَس القضية، وردَّ إليها حقَّها.


رابط الموضوع: http://www.alukah.net/Culture/1007/29254/#ixzz1mYXHSu00
رد مع اقتباس
 
 
  #7  
قديم 02-18-2012
نائل أبو محمد نائل أبو محمد غير متواجد حالياً
عضو بناء
 
تاريخ التسجيل: May 2009
المشاركات: 6,651
افتراضي رد: بعض جوانب التاريخ الاجتماعي للقدس في العهدين الأيوبي والمملوكي د. علي السيد علي محمود

السبت 26 ربيع الأول 1433

الجواري في مجتمع بيت المقدس:
وهنا تجدر الإشارة إلى أنَّ الرِّق قَبْل الإسلام كان دعامةً ترتكز عليها جميعُ نواحي الحياة الاقتصاديَّة في معظم أُمم العالَم، وتحت تأثير هذه الظروف أقرَّ الإسلامُ الرِّقَّ، ولكن في صورة تؤدِّي هي نفسها إلى القضاء عليه، عن طريق تضييق الروافد التي كانت تمدُّ الرِّقَّ وتُغَذِّيه، وتكفل بقاءََه، وقصره على رِقِّ الوراثة، باستثناء أولاد الجارية من مولاها، ورِقِّ الحَرْب، وَوَضَع الإسلام القواعد التي تكفل القضاءَ على الرِّقِّ تدريجيًّا[37].

في العصر المملوكي كانتِ الجواري يُشكلنَ كثرةً عدديَّة في المجتمع المقدسي؛ لأننا لا نغالي إذا قلنا: إنه قلَّ أن تجد دارًا إلاَّ وبها بعض الجواري، كذلك لم نسمعْ عن واحد من كِبار رجال الدولة مِن طبقة العسكريِّين، أو الفقهاء والتجار، إلاَّ وكان لديه عددٌ من الجواري يتناسب مع مكانته الاجتماعيَّة، ومركزه وثروته، وحتى الصوفيَّة، فقدِ اشتَرَوُا الجواري[38].

والمعروف أنَّ الجواري كُنَّ يُشعْنَ في البيت البهجةَ والسرور؛ لِمَا كُنَّ يَتمتَّعنَ به من خِفَّة ظل، ورُوح مَرِحة؛ لذا لا عجب أن تعكس الأسماء التي أطلقها الناسُ على جواريهم ذلك، فقد شاع اسم (مباركة)، و(انشراح)، و(بركة)[39].

كما أنهنَّ عِشنَ في بيوت سادتهنَّ من الأمراء، وعِلْية القوم، وغيرهم ممَّن مكَّنتهم ظروفُهم الاجتماعية، وأحوالهم الاقتصادية، جزءًا أساسيًّا من الحريم، بل وكأنهنَّ ضمن أفراد عائلة أسيادهنَّ، يشاركنَ في المناسبات الخاصة بعائلة السيِّد من أفراح وأحزان وخلافه، كما أنَّه قد طُبِّق عليهنَّ من قواعد العُزلة والحجاب ما طُبِّق بالضبط على باقي النِّساء المحصنات اللائي في الحريم، والفِئة الوحيدة التي أُبيح لها غشيانُ الحريم هي فئة الطواشية، أو الخصيان بحُكْم ما لهم من وضع اجتماعي[40].

وكثيرًا ما تُطالعنا المصادرُ المعاصرة بوجه عام، والوثائقيَّة بوجه خاص من أنَّ أحد هؤلاء السادة تزوَّج إحدى جواريه، فارتفعتْ بذلك إلى منزلة الزوجةِ الأثيرة لديه، وذات الجاه والمكانة الكُبرى.

نذكر من ذلك: ما جاء - على سبيل المثال لا الحصر - في الوثيقة رقم 613 بتاريخ 19 ذي القعدة سنة 796هـ: أنَّ أحَدَ كِبار التجَّار في القدس، ويُدْعى (الصدر الأجل شرف الدين محمود بن شهاب الدين أحمد بن محمد الخوارزمي التاجِر بالقدس الشريف)، وهو في حالة مَرضِه التي يُخشَى منها الموت - أنَّه "أسند وصيته إلى زوجته المرأة الكامل سراملك، عتاقته يومئذ، وبيده عشرةُ أولاد منها، إسنادًا صحيحًا معتبرًا تتصرَّف لهم في مالهم المخلَّف لهم التصرُّف الشرعي"، وذلك في حضور أحد أمراء السلطنة، وتمَّ اعتماد هذه الوصية من قِبَل القاضي الشافعي بالقدس بعدَ شهادة الشهود عليها[41].

وكذلك ما جاء في الوثيقة رقم 586 بتاريخ 7 ذي القعدة سَنَة 796هـ عندَ حصْر تركة امرأة تُدْعَى (بوطية بنت عبدالله التركية بحضور ممثِّل عن نائب السلطنة)؛ لأنَّها كانت أرملةَ أحد أمراء المماليك بالقدس، وكانت تقطن بحارة المغاربة[42].

كما يتَّضح من الوثيقة السابقة مدى حِرْص كِبار أمراء المماليك وصغارهم، بل وكل مَن كان يقتني عددًا مِن الجواري أن يوفِّر لهنَّ موردًا للرِّزْق عقبَ وفاته، مثلهنَّ في ذلك مثل ذرية هؤلاء، ونسائهم من الحرائر، وكذلك عِلْيَة القوم، بل وعامَّة الناس - أيضًا.

حيث بلغ ثَمَنُ ما أمكن بيعُه من ملابسها، وبعض الأحذية مبلغًا بلغ 672 درهمًا، وهو مبلغ - لا شكَّ - كبيرٌ بمقاييس ذلك العصر، زيادةً على أنه ثَمَن مبيعات مستعملة أصلاً[43].

كما تذكر بعضُ الوثائق مصدرَ الحصول على هؤلاء الجواري وأسعارهنَّ، فمنهنَّ مَن أتينَ مِن بلاد النوبة، ومِن تركيا، وبلاد التكرور، وبلاد الحبشة، وغيرها.

أما عن أسعارهنَّ، فقد ذكرتْ إحدى الوثائق أنَّ ثَمَن إحدى الجواري كان 420 درهم فضة، وجاء في وثيقة أخرى: أنَّ ثَمَن الجارية التركية كان (خمسمائة درهم وخمسون درهمًا)[44].

ومن الطبيعي أن يكون لهؤلاء الجواري أثرهن الواضح في الحياة العائليَّة، ومكانة المرأة في المجتمع المقدسي في ذلك العصر.

فمهما كان تقدير الرجل للمرأة في ذلك العصر، فإنَّ هذا التقدير لم يصلْ إلى الدرجة التي أصبح عليها الآنَ في عصرنا.

والسبب في هذا راجعٌ إلى نظرة المعاصرين حينئذٍ إلى المرأة على أساس أنها خُلِقت للمتعة الجسديَّة ليس إلاَّ، وانعكستْ هذه النظرة بوضوح في شَغَف الناس باقتناء الجواري الحِسان، ودفْع المبالِغ الطائلة في شرائهنَّ.

ولا نشك أنَّه حَدَث نَوْع من الفتور - على الأقلِّ - في العلاقة بيْن الرجل والمرأة في ذلك العصر، إما بسبب ما كان يُخصِّصه السيد لجواريه من أموال وعقارات، أو ما نِلْنَ من حَظْوة لديه.

وعن أثر الجواري في العَلاقات الزوجيَّة يقول الرَّحَّالة (بيرو طافور): إنَّ المسلم يؤثِر الزواج من مسيحيَّة - يقصد بذلك إحدى الجواري - دون مهْر، على الاقتران بمسلمة مهما كان مهرُها، لا سيِّما إذا كانتْ مسلِمةً حُرَّة.

كما أنَّ كِبار رجال الدولة وموظَّفِيها كانوا يُفضِّلون في ذلك العصر الزواجَ من الجواري، أضِفْ إلى ذلك ما قاله رحَّالة آخر عن تغيُّب بعض النساء عن منازلهنَّ في أوقات كثيرة من النهار، ومع ذلك قلَّمَا يتعرَّضنَ للوم أزواجهنَّ، وربما كان السبب في ذلك قيام الجواري بكلِّ الأعباء المنزلية إلى جانب تلبيةِ حاجات الزَّوْج[45].

كما يعكس لنا أدبُ العصر المملوكي بوجه عام بعضًا من الجوانب التي تدلُّ على مدى ذلك الفُتور في العلاقات في بعض الأحيان؛ لأنَّه يتضح لنا من أشعار الشُّعراء المعاصرين أنَّ صورةَ المرأة المحبوبة - كمثال للمرأة الحُرَّة التي شاع ذِكْرُها في التراث الأدبي - قد تغيَّرت إلى صورة الجارية الحَسْناء التي تُتْقِنُ فنَّ الحُب؛ لذلك نقف في هذا الأدب على كثيرٍ من أمثال هذه الصورة، التي يَرِد في ثناياها أسماءُ كثيرٍ من الجواري التي شاعتْ يومئذ، مثل: (وردة)، و(حدق)، و(حكم الهوى)، و(نسيم)، و(اشتياق)، و(هيفاء)، و(انشراح)، وغيرها.

وطبيعي بعدَ ذلك أنْ نسمع عن ضِيق بعض الرجال بزوجاتهم[46].

كذلك يبدو أنَّ نظرةَ المعاصرين للمرأة التي قامتْ على أساس أنَّها خُلِقت للمتعة والاستغلال ليس إلاَّ، قد ازدادتْ رسوخًا بسبب كثرة هؤلاء الجواري، وما قَدَّمْنَه من متعة جسديَّة بما يؤكِّد هذه النظرة.

ومِن الواضح - أيضًا -: أنَّه - نتيجة لكثرة أعداد الجواري في ذلك العصر - قد ازداد زُهْد الرجل في المرأة الحُرَّة، وقابل ذلك زُهْد المرأة في الرجل، وربَّما كان من العوامِل المشجِّعة على رواج هذه الظاهرة بيْن النِّساء وجود مجتمعاتٍ نسائيَّة قائمة بذاتها، تمثلَّت في وجود كثير من الأديرة الخاصَّة بالنساء، وبعض الخوانق، أو الربط، أو الزوايا.

وأخيرًا: يجب أن نشيرَ إلى أنَّ الجواري قد أثَّرنَ بشكل آخَرَ في مكانة المرأة الحُرَّة في مجتمع ذلك الزمان، ونظرة الرجل إليها، إذ هناك من الدلائل الأدبية ما يُشير إلى أنَّ الجواري قد كان لهنَّ أثرٌ كبير في انتشار تعاطي المخدِّرات في المجتمعات النِّسائيَّة، وربَّما دلَّ على ذلك ما نراه من قول (ابن الوردي) في وصف مليحة مسطولة:
مَلِيحَةٌ مَسْطُولَةٌ
إِنْ لُمْتَهَا فِيمَا جَرَى
تَقُولُ كُلُّ ظبْيَةٍ
تَرْعَى الْحَشِيشَ الأَخْضَرَا[47]

ولا نغالي إذا قلنا: إنَّ الجواري قد أثَّرنَ حتى في ذَوْق الرجل تأثيرًا واضحًا، فلم يعد الشاعِر في مصر والشام بوجه عام يتغزَّل في الجمال الأنثوي، الذي تغزَّل به العَرَب، بل أصبح الجمالُ التركي والمغولي هو ذوقَ العصر، ومثارَ إعجاب الشعراء.

بينما أصبح الجمالُ العربي مرفوضًا إلاَّ مِن الشعراء الذين ينحدرون من أصول عربيَّة، وهذا ما يظهر بوضوح في أشعار كثيرٍ من الشعراء الذين عاصروا تلك الحِقْبة[48].

وإذا كان الإكثارُ مِن الجواري قد أثَّر بشكلٍ أو بآخَر في مكانة المرأة الحرَّة، ونظرة الناس لها، فقد كانتِ الحروب الصليبيَّة (1095 - 1291م)، نفسها من العوامل التي تركَتْ أثرًا في مكانة المرأة كذلك، فالكِيان الفرنجي (الصليبي) أينما وُجِد في بلاد الشام، قد احتوى على مظاهر الانحلال الخُلُقي، من ذلك أنَّ مدينة عكَّا الساحليَّة - مثلاً - احتوتْ على حيٍّ للدعارة، عُرِف بالحي الأحمر في ذلك العصر[49].

بل أكثر مِن هذا ما يرويه أحدُ المؤرِّخين اللاتين مِن أنَّ سكَّان بيت المقدس الفرنج المستوطنين - فترة احتلال الصليبيِّين للمدينة المقدَّسة - وحتى الأغنياء منهم كانوا يُقدِّمون أخواتِهم وبناتهم، وحتى زوجاتِهم من أجل متعة زُوَّار المدينة في سبيل الحُصول على المال[50].

ولقدْ زار عددٌ لا بأسَ به من أهالي المدن الشاميَّة المدنَ التي خصعتْ لحُكم الفرنج، وتردَّدوا على أمثال هؤلاء النِّسوة اللاتي اشتهرنَ بالجمال الذي شدَّ الكثيرين من الرِّجال إليهن، مما أثَّر بشكل أو آخرَ في علاقة الرجل بالمرأة، ومكانتها في ذلك العصر، بل وممَّا ساعَدَ على رُسوخ تلك النظرة، التي نظر بها الرجل إليها[51].

حقيقة أنَّ ذلك العصر في مصر والشام امتاز بمسحةٍ برَّاقة مِن الصلاح والتقوى، والتنافُس على إقامة المنشآتِ الدِّينيَّة المختلِفة، ولكن هذه المسحة البرَّاقة كانتْ تُخفِي وراءها انحلالاً خلقيًّا يُثير الاشمئزاز، ولسْنا بحاجة للخوْض في هذا المجال، لكن يكفي أن نُشير إلى كثرة الغِلْمان من جنسيَّات مختلفة، ممَّا ساعد على انتشار الشُّذوذ الجِنسي بيْن الذُّكور، والذي تأباه الديانات السماوية جمعاء.

والذي ساعَدَ عليه بُعْدُهم عن الإسلام، فإذا رأوا فاحشةً يأتونها، ومِن الطبيعي أن يجد هؤلاء الفرصةَ سانحةً لهم في ممارسة نشاطهم، ممَّا ساعد على اهتزاز صورة ومكانة المرأة بشكل أو بآخر[52].



رابط الموضوع: http://www.alukah.net/Culture/1007/29254/#ixzz1mYXmJuGt
رد مع اقتباس
 
 
  #8  
قديم 02-18-2012
نائل أبو محمد نائل أبو محمد غير متواجد حالياً
عضو بناء
 
تاريخ التسجيل: May 2009
المشاركات: 6,651
افتراضي رد: بعض جوانب التاريخ الاجتماعي للقدس في العهدين الأيوبي والمملوكي د. علي السيد علي محمود

السبت 26 ربيع الأول 1433

أدوات الزينة:
لعلَّ أولَ ما يلفت النظرَ في نِساء ذلك العَصْر في مصر والشام بوجه عام، وبيت المقدس بوجه خاص، أنَّ الواحدة منهنَّ لم تهمل العنايةَ بنفسها وجسدها، وإبراز محاسنها؛ نظرًا لِمَا عرف في ذلك العَصْر من أنواع الزِّينة المختلفة، ومِن طلاء الأظافر، والوَشْم الذي اعتادَه كثير من النساء أن يزيِّنَّ به أجزاءً مختلفةً من أبدانهنَّ، فقد ذَكَر الرحَّالة اليهودي موشلام بن مناحم الفولتيري: أنَّ نساء هذه البلاد اعتدْنَ أن يزينَّ أجسامهنَّ برسوم مختلفة، لا يمكن إزالتُها من على الجلد لمدة سِتَّة أشهر على الرغم مِن ذهابهنَّ كثيرًا إلى الحمَّامات العامة[53].

هذا إلى جانب ما يُشير إليه بعضُ الرحَّالة من أنَّ النساء كنَّ يقمن بتخضيب أيديهنَّ وأرجلهنَّ بالحناء، كما اعتدنَ طلاء أظافرهنَّ بطلاء أحمر اللون[54].

• وتذكُر الوثائق بعضَ أدوات الزِّينة التي تستخدم لزينة الرأس أو الأذن، أو الرقبة، أو اليد أو الأصابع، فقد جاء في بعض الوثائق أن كثيرًا من النساء اعتدنَ أن يزينَّ أعناقهنَّ بقلائدَ أو سلاسلَ مصنوعةٍ من البللور، أو الأحجار الكريمة، كالعقيق، أو الجزع، أو الذهب، أو اللؤلؤ، أو الخرز[55].

ومِن أنواع الزِّينة التي جاء ذِكْرُها في الوثائق وكانت تستخدم لزينة الرأس، "مشخص ذهب فلوري"؛ أي: دينار الذهب الفلورنسي، و"لوح ذهب جنس صوري" أي الدنانير الذهبية المنسوبة إلى مدينة صُور، وعليها صُوَر منقوشة، و"لوح ذهب مكتوب فيه"؛ أي: دينار ذهب منقوش عليه بعضُ الكتابات، وهذه الأنواع كانتْ توضع في عصابات الرأس حيث تُعلَّق بها سلاسلُ معدنيَّة، تثبَّت فيها تلك المشاخص والألواح المشار إليها، فهي تلبسها النِّساء كالطواقي، وتزين بقطع نقدية فِضيَّة، أو قطع نقدية ذهبية[56].

هذا إضافةً إلى "الكلابند"، ولعلَّها مشتقَّة من "الكلبدون"، الذي انتشر في العصْر العباسي، وهي مِثل الطَّرْحة التي تُلبس فوقَ الرأس، وتكون من مطروق الذَّهَب والفِضَّة.

وإن كانت "الكلبندات" كلمةً فارسيَّة، معناها لباس الرقبة، أو الكوفية التي تلبسها النِّساء على رؤوسهنَّ، وتربط تحت الذقن، وتُطلق أيضًا على حُليٍّ ذهبية تُلبس حول الرقبة[57].

• ولزينة الأذن فقد لبستِ النِّساءُ أنواعًا من الحلق بأشكاله المختلفة، فقد وُجِد في تَرِكة إحدى النِّساء حلق ذهب بشمائج أربعِ لؤلؤات، وعندَ أخرى حلق ذهب بفصِّ جميز، كما جاء ذِكْر قُرْط ذهب بلولو، ومنمقة بأحرُف هجائية[58].

ومن ناحية أخرى: فقدِ استخدم كثيرٌ من النساء أنواعًا من الأساور لتزيين اليد، وكانت تلك الأساور زرقاءَ اللون، ومعلَّقًا بها حبَّات من اللؤلؤ بلغت أربعًا في إحداها، كما نلاحظ أنَّ لها أشكالاً مختلفة، فقد كان سوار إحدى النِّساء - والمذكور في الوثيقة رقم 124 - ذهبيًّا، وعلى هيئة العقرب، وسوار آخر على هيئة الدلو[59].

• أما أدوات زينة الأصابع: فقدِ اقتصرتْ على الخواتم بأنواعها المختلفة، وأشكالها المتعدِّدة، وكان معظمها مصنوعًا من الذَّهب أو الفِضَّة، وقد تكون بفصوص حمراء، أو زرقاء بلورية، أو فصوص العقيق، وقد تكون بلا فصوص[60].

• هذا إضافةً إلى موادِّ الطِّيب، مثل: العنبر وغيره، ومواد الكُحْل للعين بمكاحلها الزجاجيَّة التي كانت على هيئة قلبين، وفي إحدى الوثائق كانت المكحلة من مادة الفُخار، إلى جانب زجاجات العطر أو "العطريات" التي يحفظ فيها العطر بأنواعه المختلفة، والمباخِر ذات الأبراج والأمشاط لتمشيط الشَّعْر، والمرايا بحاملها النحاسي[61].

هذا إلى جانب ما يَذكُره أحدُ الرحَّالة الأوربيِّين، الذين زاروا البلادَ في ذلك العصر، مِن أنَّ النساء كُنَّ يرتدين السراويل الطويلة التي تزيِّن أطرافَها الأحجارُ الكريمة واللآلي، إلى جانب أنَّ العديد مِن النساء كنَّ يثقبنَ آذانهنَّ ما بيْن عشرة وثمانية ثقوب، ويثبتنَ فيها اللآلي المختلفة، وبذلك يمكنك التعرُّف على مستوى الواحدة منهنَّ الاقتصادي والاجتماعي مِن خلال أذنيها[62].

هذا عدَا الخلاخيل التي توضَع فوقَ السراويل حتى تظهر للعِيان، وقد تَضرِب الواحدة منهنَّ برِجلها في الغالب، حتى يسمعَ لها حِسُّ هذه الخلاخيل، التي غالبًا ما كانت تُصْنع من الذهب أو الفضة، وتُحلَّى بالجواهر الثمينة[63].

ويُشير الشعراءُ في إشارات خاطِفة إلى بعض ما كان يتفنَّنُ فيه نساء ذلك العصر مِن جعْل شعورهن على هيئة خاصَّة، فقد كان منهنَّ مَن تفرق شَعْرَها فوق الجبين، وتضفره عِدَّة ضفائر، واضعة بعضها فوق بعض، وقد يرخي بعضُهنَّ هذه الضفائرَ خلفهنَّ.

كما كان بعضهنَّ يسدلنَ خُصلاً من الشَّعْر على خدودهن تنساب هفهافةً على غير نظام، وكان بعضهنَّ يجعلنَ هذه الخُصلاتِ تستدير حولَ صدغيها، وكان بعضهنَّ يجعلنَ هذه الخصلات تستدير حولَ الخدِّ على هيئة العقرب؛ لذلك كثر حديثُ الشعراء عن الشَّعر المعقرب، وعقارب الأصداغ التي تحمي وردَ الخدود، ولم تكن تلك العناية بزينة المرأة قاصرةً على بنات المدينة، بل شاركتْ فيها المرأة الرِّيفيَّة بحسب مستواها الاقتصادي والاجتماعي[64].


رابط الموضوع: http://www.alukah.net/Culture/1007/29254/#ixzz1mYY8FVr4
رد مع اقتباس
 
 
  #9  
قديم 02-18-2012
نائل أبو محمد نائل أبو محمد غير متواجد حالياً
عضو بناء
 
تاريخ التسجيل: May 2009
المشاركات: 6,651
افتراضي رد: بعض جوانب التاريخ الاجتماعي للقدس في العهدين الأيوبي والمملوكي د. علي السيد علي محمود

السبت 26 ربيع الأول 1433

ملابس النساء:
أما عن ملابس النِّساء، ففي الحقيقة هذه الملابس تعدَّدتْ وتطورتْ باستمرار؛ لأنَّ الحديث عنها يحتاج إلى عِدَّة مجلَّدات على حدِّ قول أحد المؤرِّخين المعاصرين[65].

ومع هذا سنُجمِل الحديثَ بالشكل الذي يُعطينا السِّماتِ العامة التي ميَّزت ملابسَ النساء في ذلك العصْر، ومدى عناية المرأة بملابسها.

وأول ما يسترعى الانتباهَ في ملابس النساء: أنَّها تميَّزت بالاحتشام، وهو ما لَفَت أنظار بعض الرحَّالة الأوربيِّين الذين زاروا القدس في ذلك العصر.

وقد جرتْ عادة النساء أن يضعنَ على وجوههن "الخمار"، وهو بُرْقع أسود شفَّاف يسمح للمرأة أن ترى الناس، ولا يرى أحدٌ وجهَها، أو "النِّقاب" أو "القناع" الذي يغطِّي الوجه، ولا تظهر منه العينان، ويكون شفَّافًا، أبيض اللون غالبًا مطرَّز بحرير أسود، أو له حاشية زرقاء، أو زيتية اللون، ويرتدين فوقَ رؤوسهنَّ قُبَّعة، وهي غطاء للرأس يقمن بصنعه يدويًّا، وتتدلَّى منه عصابتان مِن القُماش الأبيض الطويل، أو "الطاقية" التي يبلغ ارتفاعُها حوالي ثلثي ذراع، لها قِمم على شكل قباب مستديرة أو مسطَّحة، من الصوف أو الحرير، أو الجوخ بألوان مختلِفة، لكنَّ أكثرَها شيوعًا اللون الأزرق[66].

وجرتِ العادةُ أن ترتدي النِّساء "قمصانًا" كانتْ ترى من تحت ملابسهنَّ الخارجية، من هذه القمصان ما عُرِف باسم "البهطلة"، والقميص، له فتحةُ عُنق دائريَّة، وبدون فتحة أماميَّة، وقد اختلفتْ أطواله باختلاف رغبات النساء فيه، وكانتْ أكمامه تتراوح بيْن الاتِّساع والضِّيق، لكن الاتساع يوحي بالغِنَى.

وقد صُنعتْ هذه القمصان من الكَتَّان أو القطن، أو الحرير المشتهر الإسكندراني، وألوانه بيْضاء أو زرْقاء، أو "شمط" مختلفة بين الأزرق والأبيض، وبعض النِّساء كنَّ يطرزنَ قمصانهنَّ، وبعضهنَّ الآخَر يلبسنَ أنواعًا من القمصان البندقيَّة المكبوسة؛ أي: "البليسية"[67].

وكان القميص يُلبس مع "المئزر"، وهو نوعٌ مِن السراويل التي تصل إلى الركبتين، وتعتبر ثوبًا داخليًّا، وعندما كانتْ تلفُّه المرأة حولَ وسطها وأرجلها، ويغطي حتى أواسط الأرجل، ويغلب عليه اللونُ الأسود، وهو أقصر من "الإزار" الذي هو عبارةٌ عن مُلاءة متَّسعة فضفاضة من قماش غير مطرَّز، تلفها المرأةُ حولَ جسدها،؛ وكان "الإزار" بالنسبة للمسلمات أبيضَ اللون، بينما المسيحيات يكون الإزار أزرق اللون لهن، واليهوديات أصفر اللون، والسامريات أحمر اللون، ويُشدُّ حولَ الإزار حزامٌ عرف باسم "الزُّنَّار"[68].

وفي الرِّيف حل "الجلباب" محلَّ "الإزار"، والجلبابُ عبارةٌ عن ثوب تغطي به المرأة صدرَها وظهرَها وجميعَ جسدها، بل وتلتحف به النساء من الرأس إلى القَدمين حين يُرِدْنَ الخروج من منازلهنَّ، وهو من ملابس المرأة الخارجية الفضفاضة.

كما نسمع أنَّ بعضهنَّ كنَّ يرتدينَ "الحبرة"، وهي عبارة عن ثوب خارجي، واسع مخطَّط، أو أزرق على الغالب، وفي بعض المناطق حولَ بيت المقدس هي عبارة عن "ملاءات" ملونة بأصفر وأحمر، ومِن اللون الأبيض فقط.

وتضع المرأةُ على رأسها في الأفراح والمناسبات السارَّة نوعًا من "العصائب" تعلق بها سلاسل معدنية، تُعْرَف باسم "شنبر"، وكانت المتزوِّجات يتلفعنَ به، ويربطنَه من الوراء، أمَّا الأرامل فكُنَّ يعصبنَ عليه المناديل[69].

ومِن أكثرِ الملابس النِّسائيَّة انتشارًا في ذلك العصر "القباء"، إذ لا تخلو منه وثيقة من وثائِق الإرْث، وهو نوعٌ من الرداء المحكَم المشابه للقفطان، يصل في طوله إلى منتصف عضلة الساق، مشقوق في مقدمته ومغلَق عند صدرِه، وكان ينسج من القُطن أو الصُّوف أو الحرير، وأما ألوانه: فالأبيض، وهو الأكثر شيوعًا، وأحيانًا يكون اللَّوْن الأزرق أو الأخضر أو الأحمر، وهذا القباء كان يتمُّ صنعه محليًّا مِن خامات محلية، وبعضه الآخر كان يتمُّ صنعه من قماش مستورَد من قبرص أو بلاد الدولة العثمانيَّة، وبعضه الآخر كان يتمُّ تزيينه بفرو سِنجاب قبرصي[70].

كذلك كانت "الغِلالة" - بكسر الغَيْن - من أكثر الملابس انتشارًا في ذلك العصر، ويُقصد بها الملابس الحريريَّة الرقيقة الداخليَّة، أو المصنوعة من المنسوجات الرقيقة.

أضف إلى ذلك ملابسَ الرأس، التي كانت عاملاً مشتركًا بين جميع نِساء ذلك العصر، ولكنَّها اختلفتْ من حيث جودتُها، ونوعُ قماشها وزينتها باختلاف الطبقات الاجتماعيَّة، والأحوال الاقتصاديَّة، نذكر منها على سبيل المِثال لا الحَصْر "العصابة"، وهي طرْحة من الحرير مربَّعة الشكل لها حاشيةٌ حمراءُ أو صَفْراء، وهي تُطوى بصورة منحرِفة، ثم تُلَّف على الرأس، وتتدلَّى من الخَلْف، وقد تزين بالحلي والجواهر، وقد كانتْ بيضاء اللون ومطرزة بأحمر أو أصفر.

• ومنها: "الشعرية"، وهي عصابة مِن قماش خفيف تُعصَب بها الرأس، مصنوعة من الشَّعْر، وخاصة شَعْر الحصان، وتُغطي العيون، وتكون فوق "النِّقاب" أو "الخمار"، وتتدلَّى فوق العيون حتى لا تُرى عيون النساء.

و"الشعريات" التي وجدْناها في الوثائق كانتْ منسوجةً من الصوف أو القطن أو الحرير، بألوانها البيضاء والزرقاء، ويبدو أنَّها تكون مع "العصابة" قطعة واحدة، فقد تكون "شعرية بيضاء"، أو "بصوف أزرق"، وأخرى "بحرير أزرق"، وغيرها "بقطن أبيض".

• ومن أغطية الرأس أيضًا: "القناع"، وهي أغطية اتَّخذتها النساء للرأس والوجه معًا، وقد تُغطي بها رأسَها وجسدَها؛ لإضفاء محاسنها، وتثبَّت على الرأس بقطعة قماش، وكانتِ الأقنعة تنسج من قماش العصائب، وتجعل لها حواشٍ من الكتَّان الأزرق.

• ومنها: "المناديل" التي استخدمتْها النِّساء على مختلف طبقاتهنَّ، وتكون كبيرةً أو صغيرة، وقد وُجِدَ في وثائق التَّرِكات أنواعٌ مختلفة من المناديل، منسوجة من الكَتَّان أو الحرير، وألوانها الأبيض والأزرق والأحمر، مطرزة، ولها حواشٍ مختلفة بيضاء وحمراء، وسوداء وزرقاء، وكموني أو أصفر[71].

كما ينبغي أن نُشيرَ إلى أنَّ نساء الحُكَّام كنَّ يرتدين حلَّة مذهبة، يصل عدد قطعها إلى خمسَ عشرةَ قطعة، فكان غطاء الرأس وحْدَه يتكوَّن من أربع قطع، تلبس وَفقًا لترتيب معيَّن بحيث يغطي الرأس، ويتدلَّى طرف أحد القطع، حتى يصلَ إلى الأرْض من جهة الظهر.

وباقي الملابس تتكوَّن مِن رداءين من الحرير، وقميص مُذهب بأكمام قصيرة وسروال، ومُلاءة واسعة لتغطية كلِّ تلك الثياب.

وكانتْ ملابس باقي نساء دُور الحكَّام تقلُّ مكوناتها تبعًا لمكانة المرأة، وتتراوح ما بيْن حُلَّة مذهبة وحلَّة حريرية، كما كانتْ هناك ملابس خاصَّة بالجواري، لعلَّ الهدف منها إبراز مفاتنهنَّ؛ لِيكُنَّ متعةً للناظرين.

وكانت بعض النساء يلبسنَ الثياب الموشاة بحرير دمياط، وديبق تنيس، ويبدو أنَّ هذا النَّوْع من الثياب كان خاصًّا بالمرأة الثرية[72].

كذلك تنبغي الإشارة إلى أنَّ بعض الملابس التي استخدمتْها المرأة في ذلك العصر، قد توارثتْها عبرَ عصور سابقة على ذلك العصر، مثل "الغلالة"، التي جاء أوَّل ذِكْر لها في أوراق مِن البردي ترجع إلى القرن الثالث الهجري، التاسع الميلادي، كما أنَّ الكثيرات مِن النساء قُمنَ بتطوير وابتكار أشكال جديدة من الملابس ما بيْن فضفاضة وضيقة[73].

ومِن السِّمات الواضحة كذلك في ملابس نِساء ذلك العصر أنَّ كلَّ طبقة من طبقات المجتمع كان لها ملابسُها الخاصَّة بها، وتختلف إلى حدٍّ ما عن ملابس الطبقات الأخرى مِن جهة الشكل والنوع والجودة، بل ونوْع المنسوجات المستخدَمة في صناعتها.

وكان لكلِّ مناسبة ملابسُ معيَّنة تعكس حالَ المرأة النفسيَّة، فكان للأفراح ثيابٌ تناسبها، وللأحزان ثياب تناسبها، وللأعياد ملابس تناسبها، وهي التي تميَّزت بالألوان الزاهية المزركشة[74].

كما أنَّ هذه الملابسَ كانت في حالة تطوُّر مستمر، ساعَدَ عليها توافرُ المواد اللازمة لصناعتها من ناحية، والصِّلات التجارية مع العراق وفارس وبلاد العرب، والشرق الأقصى والغرب الأوربي مِن ناحية أخرى، مما جَعَل نساءَ ذلك العصر في مصر والشام بوجه عام، والقُدس بوجه خاص على عِلم بتطوُّر الملابس وصناعتها في بلادِهم وخارجها، أضِف إلى هذا تأثير الجواري على سائِر النِّساء في ابتكار كثيرٍ مما نطلق عليه اليوم اسم "الموضة"[75].

أمَّا عن ملابس الأقدام "الأحذية" الخاصَّة بالنِّساء، فقد اشتهر منها ثلاثة أنواع، وهي "الخف"، وهو نوعٌ من الحِذاء العالي المرتفع الكَعْب، المصنوع من الجِلْد أو غيره كالجوخ، وألوانه بَيْضاء أو سماقيَّة؛ أي: كلون نبات السماق.

ومنها: "النعل"، وهو يُشبِهُ الصندل العادي، ويزين وجهه عادةً بحرير.
ومنها: "المشاية"، وهو ضَرْب من النِّعال الخفيفة تصنع من القطيفة "المخمل"، أو الجلد الأسود[76].
ومنها: "الحِذاء" الذي يبلغ منتصفَ الساق أبيض اللون، أو أحمر اللون.
كما كانتِ النساء يرتدينَ في أرجلهنَّ داخلَ المنازل "القباقيب" و"الزرابيل"، والزرابيل هي نوعٌ من الخِفاف تلبسه الجواري.

وينبغي أن نشيرَ إلى أنَّه كان هناك نوعٌ من الخِفاف تُحْدِث صوتًا عند المشي بها، ممَّا يلفت أنظارَ الرجال إلى المرأة، وكان هذا يُعدُّ من الأمور المنافية للآداب، التي تستوجِب تدخلَ المحتسب لمنْع النِّساء مِن ارتداء هذا النوع من الخفاف، وتحذير الأساكِفة من صُنْعه[77].

والحقيقة: أنَّ المصادر التاريخيَّة والوثائق لم تُشِر من قريب أو بعيد إلى معاقَبة النساء في القُدس لمخالفتهنَّ التعليماتِ الخاصةَ بمنْع النساء من ارتداء هذا النوع من الخِفاف، مثلما حَدَث من معاقبة بعضهنَّ لمخالفة التعليمات الخاصة بالملابس في مُدن مثل القاهرة ودمشق، وحلب وغيرها، وتعليق تماثيل على صورة نِساء، وعليهنَّ القمصان الطوال، وذلك لتذكُّر النساء وتخويفهنَّ.

كما لم يحدثْ أنَّ المنادين كانوا يطوفون شوارعَ القدس محذِّرين النساء من لبس هذه الأخفاف - كما حَدَث لبعض الأزياء في تلك المدن - وحتى مع ذِكْر بعض المصادر أنَّ "القباقيب" كانت تُصنع من الذهب، وترصَّع بالجواهر ما لم يتدخَّل أحدٌ لمنع مثل هذا الإسراف والتَّرف الزائد[78].



رابط الموضوع: http://www.alukah.net/Culture/1007/29254/#ixzz1mYYSb3tp
رد مع اقتباس
 
 
  #10  
قديم 02-18-2012
نائل أبو محمد نائل أبو محمد غير متواجد حالياً
عضو بناء
 
تاريخ التسجيل: May 2009
المشاركات: 6,651
افتراضي رد: بعض جوانب التاريخ الاجتماعي للقدس في العهدين الأيوبي والمملوكي د. علي السيد علي محمود

السبت 26 ربيع الأول 1433

المرأة والإنتاج:
قامتِ المرأة المقدسيَّة بدَوْر مهمٍّ وفعَّال في إنتاج كلِّ ما يلزمها، ويلزم بيتها، مِن أنواع المفروشات التي تُستخدم في المنازل، مثل: البسط التي تنسج من الصُّوف، والسجَّاد والوسائد والمفارش، سواء الجلدية منها، أو المصنوعة من بعض الأقمشة.

وكذلك بعض المقاعِد من القطن أو "الجوخ"، وألوانها على الأغلب زرقاء، وقد تُضيف إليها قطعًا من الجِلْد، أو تبطنها ببطانة زرقاء، وكذلك بعض "الطراريح"، التي كانت تفرش على الأرْض الزرقاء والبيضاء والحمراء، إضافةً إلى "المساند" لراحة الناس عندَ الجلوس أو عندَ النَّوْم.

وكان القماش المستعمل يختلف بحسب الحالة الاجتماعيَّة، فقد يكون قماشها مِن الحرير، أو القماش العادي، وتُحْشَى بالقطن، أو تحشَى بورق الموز، أو اللباد الأبيض، أمَّا ألوانها فكانتْ زرقاءَ أو بيضاء بكِيس أحمر أو زيتي، وأحيانًا تطرز بالحرير الأحمر أو الأبيض[79].

وتقوم بغَزْل الصوف والقطن والكتَّان، واستخدمتْ بعض الأنوال في نسج بعض قِطع من القماش لصناعة أغطية الرأس النسائيَّة مِن "طرح" ومناديل وغيرها، وكذلك بعض أغطية الرأس الرجاليَّة.

وكانت تقوم بحِياكة الملابس الخاصَّة بها، وبأفراد أسرتها بنفسها أو تذهب إلى غيرها من النِّساء "الخياطات"؛ لتخيطَ لها نظيرَ أجْر يحصلن عليه، أضِف إلى ذلك الكثير من أشغال الإبرة والتطريز، وتزيين الملابس النسائية بوجه خاص، سواء أكان منها الملابس الداخليَّة "التحتانية"، أم الملابس الخارجية "الفوقانية"، والتي جاء ذِكْرها بشكل متنوِّع ومتعدِّد في عدد من الوثائق المقدسيَّة بوجه خاص، فتقوم بزخرفتها بالخرز و"الترتر"، والقصب وغيرها[80].

كذلك كانتْ تُصنع اللحف ولا تزال تصنعها، كانتْ تستخدم كدِثار عندَ النوم، وتُحشَى بالصوف؛ لتستخدمَ شتاءً، وبالقطن؛ لتستخدمَ صيفًا، وتقوم بتركيب ملاءة على ظهر اللحاف؛ لتقيَه الأوساخ، وتجعله أقدرَ على منع البرد.

هذا بالإضافة إلى بعضِ الركينات "جمع ركينة"، التي يكون القصد منها تزيينَ مكان الجلوس، أو وضعها في رُكْن البيت؛ لتضفيَ جمالاً على المنظر؛ ولذا فهي إمَّا أن تكون مطرزة بحرير أزرق أو أحمر، أو حاشية مزركشة[81].

كذلك قامتِ المرأةُ في ذلك العصْر بصناعة كثيرٍ من السلاسل، وبعض الأوعية المنزليَّة من سَعَف النخيل، وهي مِن الصناعات القديمة، وإلى الآن ما تزال تقوم بها كثيرٌ من نساء القرى وبيعها في أسواق المدينة المختلفة، وبخاصَّة في المناطِق التي تكثر بها المزارات السياحيَّة، وبخاصَّة المسيحيَّة في ذلك العصْر حيث يَفِد أعدادٌ كبيرةٌ من أبناء الغَرْب الأوربي لزيارتها أو الحج إليها، وشراء هذه المنتجات على سبيل التبرُّك بها، ومنها ما كان يُستخدم محليًّا في منازل القدس مثل مراوح القش والأوعية المصنوعة من الخُوص التي استخدمتْ في كثيرٍ من الأغراض المنزليَّة[82].

ومِن الصناعات التي قامتْ فيها النِّساءُ بدَور واضح في ذلك العصر: صناعة الصابون، حيث كانتْ تقوم النِّساء بعصْر الزَّيْت من الزيتون وغيره في المعاصِر المختلفة، بينما يُحضر لهنَّ الرجالُ مادةَ البوتاس "الصودا الكاوية"؛ ليقمنَ بصناعة أنواع مختلفة من الصابون للاستهلاك المنزلي غالبًا.

وربما اشتغلتْ بعضُ النساء في كثيرٍ من مصانع الصابون التي عُرِفت باسم "المصابن"، التي أَنْتجتْ مقاديرَ كبيرةً للاستهلاك المحلي في تلك الفترة[83].

وفي عصْرٍ لم يكنِ الناس يعرفون ما نعرِف اليوم مِن عمليات حِفْظ الأطعمة بالوسائل المتطوِّرة والحديثة، واستخدام الأجهزة المختلِفة لذلك، أو التقدُّم الهائل في وسائل المواصلات، الذي سهَّل تبادل كثير من السِّلع الغذائية، وتوافرها في غير مواسِم زراعتها، قامتِ المرأة بدور كبير، وجَهْد ملموس في حِفْظ بعض الخُضَر والفاكهة، مثل البامية، والملوخية، والتين، واللوز، والمشمش، والعنب وغيرها، عن طريق تجفيفها في مواسمِ كثرتها، والاحتفاظ بها؛ لاستخدامها في فصْل ينعدم الإنتاج، وكذلك حِفْظ الطماطم بصُنْعها على شكل معجون "صلصة" في أوانٍ كبيرة، مع المِلْح والزَّيْت حتى يتيسَّرَ استخدامها في وقتِ ندرتها، أو ارتفاع أسعارها، وفي بلاد الشام بوجهٍ عامٍّ، وبيت المقدس بوجه خاص، وحيث الشتاء الطويل، قامتِ النساء - ولا تزال - بحفظ اللحوم في مقاديرَ كبيرةٍ من الدُّهن الحيواني في آنية ضخْمة؛ لاستخدامها شيئًا فشيئًا، كلَّما دعتِ الحاجة لذلك.

كذلك قامتْ بصناعة أقراص "الكشك" وتجفيفها؛ لاستخدامها عندما تدعو الحاجة، وصناعة بعضِ أنواع من "الشعرية" يدويًّا، بل وتشير بعض المصادر اللاتينية إلى أنَّ النساء في كثير من قرى بلاد الشام بوجه خاص وحولَ القُدس بوجه عامٍّ قد شاركنَ في إنتاج السُّكَّر، باستخراجه من قصَب السكر، فيقمنَ بتقطيع عِيدانه، وإدخالها إلى المعاصِر، حتى يتمَّ عصرها، ثم القيام بغَلْي هذا العصير لتركيزه، ثم صبه في قوالبَ من الخُوص، وتركه حتى يجف؛ ليخرجَ في أشكال مختلفة، على هيئة مربَّعات كبيرة، أو قوالب أو أقماع، وكذلك إنتاج الجبن والزُّبد والقِشدة، وربما ساعدنَ في صناعة بعضِ الأرائك من جريد النخل، والتي كانتْ تُستخدم للنوْم أو للجلوس عليها، وبعض الحبال والأجولة من الخيش[84].

وقامتِ المرأة بتربية الطيور الداجنة، وتوفيرها للاستهلاك المحلِّي، سواء لأسرتها أو لسكَّان المدينة الآخَرين، عن طريق بيْعها في أسواق المدينة المختلفة المستديمة والأسبوعيَّة.

كذلك كان مِن أوَّل واجبات المرأة التي تقوم بها في الصَّباح، أن تأخذَ كميةً من الحبوب التي لديها في المنزل، وربَّما نادتْ على إحدى جاراتها، وتطلب منها أن تساعدَها في طَحْن تلك الحبوب بالرحاة، ثم تقوم بعجن الطحين وخبزه في "الفرن"، التي غالبًا ما تكون في المنزل، وبينما تَنشغلُ الأمُّ بعملية الخبز في الفرن، فإنَّ البنات عادةً ما يقمن بجلْب الماء اللازم للشرب، زيادةً على قيامها بإعداد الطعام بألوانه المختلفة، والذي لا بدَّ وأن يختلف مِن أُسرة لأخرى باختلاف المستوى الاجتماعي والاقتصادي لها، إلى جانبِ دَورها في تربية الأطفال ورعايتهم، وإعداد ما يَلزمهم مِن كسوة وخياطة ملابس وإصلاحها، كلَّما احتاجتْ لذلك[85].

وشاركتِ المرأةُ في الإنتاج، فقد شاركتْ أيضًا في تصريف الكثيرِ مِن المنتجات في ذلك العصْر، وبخاصَّة نِساء القُرى التابعة للقُدس والمحيطة بها، فقد شاركتْ في جمْع المحاصيل الزِّراعية، وكان عليها أن تحمل الكثيرَ من الخُضر والفاكهة والبَيْض لبيعها في أسواق المدينة المختلفة، كما كان عليها أن تقطفَ الفاكهة، وتقوم ببيعها لِمَن يمرُّون على قريتها، كذلك تحمل الحطَبَ لبيعه في المدينة[86].

وتشير بعضُ كتب الرحَّالة الأجانب الذين زاروا القُدس في ذلك العصر إلى أنَّ المرأة الشامية بوجه عام، والمقدسيَّة بوجه خاص كانت تمارس عملياتِ البيع والشراء في أسواق المدينة بحريَّة تامَّة[87].

وفي المناسبات الاجتماعيَّة مِن ولادة، وزواج، ووفاة، قامتِ المرأة بدور كبير في إعداد الأطعمة المناسِبة التي تقدِّم للمدعوين والمعزِّين، وتشير بعضُ المراجع على سبيل المثال إلى أنَّ المرأة المسيحيَّة كانت تقوم بسلق القمح، ووضعه في أطباق مع الزبيب والحلوى، ويتمُّ حمْلُه إلى الكنيسة، فيصلي الكاهن عليه في القدَّاس في يوم الأربعين في الوفاة، وتُسمَّى "النياحة"، ويفرَّق على الناس فيترحَّمون على الميت[88].

كما جرتِ العادة أن تُعدَّ نساء الجيران الطعامَ لعددٍ من الأيام لأسرة مَن يُتوفَّى مِن جيرانهن، بل جرتِ العادة أن تُقام الولائم لإطعام المعزِّين على نفقة الجيران، بحيث يُرسلون الطعامَ لإطعام جماعةٍ منهم وهكذا[89].


رابط الموضوع: http://www.alukah.net/Culture/1007/29254/#ixzz1mYYiOuXQ
رد مع اقتباس
 
إضافة رد

أدوات الموضوع ابحث في الموضوع
ابحث في الموضوع:

البحث المتقدم
انواع عرض الموضوع

ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا يمكنك اضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


جميع الأوقات بتوقيت GMT +3. الساعة الآن 11:55 PM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.2
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.